عبدالخالق حسين
رغم تدخل منظمات حقوق الإنسان، والكثير من الحكومات والشخصيات العالمية مثل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بمطالبة السعودية بإطلاق سراح رجل الدين الشيعي، الشيخ نمر باقر النمر، إلا إنها خالفت كل الأعراف، وضربت كل الالتماسات والاحتجاجات العالمية عرض الحائط، وارتكبت حماقة إعدام الشيخ بتهمة التحريض على الفتنة الطائفية مع 46 آخرين بتهم مختلفة يوم 2/1/2016. والجدير بالذكر أنه تم إعدام ابن شقيق الشيخ النمر، علي محمد النمر، في العام الماضي وهو لم يتجاوز 16 سنة، لمشاركته في تظاهرات الربيع العربي عام 2011.
فهل التهمة صحيحة والعقوبة عادلة؟
"الجريمة" التي ارتكبها الشيخ، هي مشاركته في تظاهرة سلمية خلال ما سمي بـ(الربع العربي) عام 2011، في المنطقة الشرقية ذات الغالبية الشيعية، للمطالبة بحقوق الشعب السعودي بكل أطيافه، وليس للشيعة فقط. وهذه المشاركة من منظور النظام السعودي، تعتبر جريمة لا تغتفر عقوبتها الإعدام. وكان الشيخ النمر رجل الدين الشيعي البارز، عبر علنا عن شعور الأقلية الشيعية في السعودية، التي ترى نفسها مهملة وضحية للتمييز، وكان ناشطا في مطالبته بحقوقها. في الحقيقة كانت مشاركة الشيخ في التظاهرة مفيدة للسلطة نفسها، إذ كان دائماً يطالب أبناء طائفته أن تكون تظاهراتهم الاحتجاجية سلمية، وتجنب العنف، كي لا يعطوا ذريعة للسلطة القمعية باستخدام العنف المفرط ضدهم. ولكن مع ذلك زُجَّ بالشيخ في السجن وتعرض للتعذيب البربري، و وُجهت له تهمة التحريض على "الفتنة الطائفية"، و"شق عصى الطاعة على ولي الأمر". وعقوبة هذه "الجريمة" حسب النظام الوهابي التكفيري هو الإعدام بقطع الرأس، وهذا ما حصل.
لا شك أنها مهزلة أن توجه السلطات السعودية تهمة إثارة الفتنة الطائفية لشيخ شيعي كل جريمته أنه شارك في تظاهرة سلمية، بينما مشايخ السلطة الوهابية تنشر ثقافة العنف والتطرف في كل أنحاء العالم، وتصب خطبها التحريضية التكفيرية حمماً ليل نهار، على الشيعة، وبأوامر من "ولي الأمر"، وتحرض على قتلهم وإبادتهم، ونتيجة لهذا التحريض تفشي التطرف الديني، وانتشار المنظمات الإرهابية في شتى أنحاء العالم، مثل القاعدة، وطالبان وجبهة النصرة، وداعش وبكو حرام وغيرها كثير.
ومن سخرية الأقدار أيضاً، أن تبذل السعودية قصارى جهودها لتغيير بعض الأنظمة في البلاد العربية عن طريق دعم الإرهاب كما هو جار في العراق وسوريا وليبيا واليمن والجزائر وتونس وغيرها، بحجة حماية شعوب هذه الدول من جور حكوماتها، بينما هي (السعودية)، واحدة من أشد الحكومات عداءاً لأبسط حقوق الإنسان والديمقراطية، وأكثرها جوراً وتخلفاً واضطهاداً لشعبها، وبالأخص للأقلية الشيعية التي تشكل نحو 20% من الشعب السعودي. فقد بات معروفاً للقاصي والداني أن السعودية تدعم الإرهاب في الخارج، وتضطهد شعبها في الداخل.
والسؤال الملح هنا هو، لماذا أقدمت السعودية على حماقة إعدام الشيخ، وبهذه التهمة الباطلة والمثيرة للسخرية، والسلطة تعرف أن إعدامه له تداعيات خطيرة على أمن المنطقة، إذ سيزيد من تعميق وتوسيع الصراع الطائفي، وتأجيج الفتنة الطائفية، في الوقت الذي يجب فيه بذل كل الجهود لإطفاء هذه الفتنة البغيضة؟
الجواب واضح، وهو يأس السعودية وخيبة أملها ورعبها من مستقبلها الأسود بسبب فشلها في جميع محاولاتها الإرهابية ضد سوريا والعراق واليمن، حيث بددت عشرات المليارات الدولارات من ثرواتها لسنوات عديدة من أجل تغيير هذه الحكومات، وإقامة حكومات بديلة موالية لها ولإسرائيل وأمريكا، ولكن مع ذلك، فهذه الشعوب وحكوماتها بقيت صامدة، والإرهاب المدعوم من السعودية في تراجع وهزائم، بل وخاب أمل مملكة الشر فصارت هي المهددة بالسقوط، وهاهي تعاني من تزايد عجزها المالي الذي بلغ نحو 98 مليار دولار لموازنة عام 2016، لذلك فليس أمام هذه المهلكة سوى الإمعان بغيها، والتمادي بتعميق الصراع السني-الشيعي، وصب المزيد من الزيت على نار الفتنة الطائفية، لإثارة مخاوف الغالبية السنية 80% من شعبها من البعبع الشيعي والإيراني للتمسك بهذا النظام القبلي الهمجي المتخلف المهدد بالإنهيار، والذي سقطت سمعته في دعم التطرف والإرهاب إلى الحضيض وأسفل السافلين.
لا شك أن إعدام الشيخ هو جريمة إغتيال سياسي، الغرض الرئيسي منه هو تصعيد التوتر الطائفي في المنطقة، وتعميق الصراعات الطائفية التي يعتمد عليها ويأمل منها النظام السعودي ضمان بقاء العائلة المالكة في السلطة لأطول فترة ممكنة. لذلك كان لهذه الجريمة صدىً واسعاً وتداعيات خطيرة، وردود فعل كثيرة في السعودية نفسها، وفي مختلف أنحاء العالم. (فقد شهدت القطيف، في المنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية في السعودية مظاهرة ردد المشاركون فيها هتاف "يسقط آل سعود"(1و2)
كذلك خرجت تظاهرات شعبية احتجاجية، في العراق، ولبنان، وإيران، والبحرين، وباكستان وكشمير، وغيرها، وعبر قادة سياسيون بارزون بتصريحات نددوا فيها بالجريمة، ومنها تحذير إيران للسعودية بأنها "ستدفع الثمن غاليا". والغريب أن الحكومات الغربية التي تتباكى على حقوق الإنسان في الصين و روسيا وسوريا وإيران والعراق وغيرها، تسكت عن جرائم السعودية هذه بسبب المصالح الاقتصادية. ولكن هذا الوضع لا يمكن أن يدوم، إذ كما تفيد الحكمة: وعلى الباغي تدور الدوائر، فمصير آل سعود، كغيرهم من الطفاة الأغبياء، لا بد أن يكون في مزبلة التاريخ.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- بي بي سي: إعدام الزعيم الشيعي نمر النمر في السعودية يثير موجة من الغضب
http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/01/160102_saudi_execution_nimr
2- Washington Post: Saudi Arabia’s execution of cleric ignites fury in Iran
https://www.washingtonpost.com/world/saudi-arabia-executes-47-people-including-prominent-shiite-cleric/2016/01/02/01bfee06-198e-4eb6-ab5e-a5bcc8fb85c6_story.html?wpmm=1&wpisrc=nl_headlines
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com