للدولة تعريف محدد من قبل القانون الدولى ينطوى على ثلاثة مكونات هى الأرض والشعب والسلطة ذات السيادة، وتتكون السلطة من ثلاثة أيضا هى التشريعية (البرلمان) ووظيفتها أعمال التشريع، أى إصدار القوانين والرقابة على أداء السلطة التنفيذية، الثانية هى السلطة القضائية التى تقوم بتطبيق القانون، أما السلطة الثالثة فهى التنفيذية وينحصر دورها فى تنفيذ القانون وأداء المهام المكلفة بها وفق دستور البلاد وحسب طبيعة نظام الحكم. إذن عندما نتحدث عن الدولة فنحن نتحدث عن هذه المكونات الثلاثة.
وعندما نتحدث عن السلطة فنحن نتحدث عن السلطات الثلاث من تشريعية وقضائية وتنفيذية. أما فيما يخص نظام الحكم فهو لا يخرج عن ثلاثة أنماط هى الرئاسى والبرلمانى والمختلط، الأول يمثل فيه الرئيس السلطة التنفيذية مثل النظام الأمريكى ويعد الرئيس هو المسؤول الأول وربما الأوحد عن السلطة التنفيذية، لا يوجد منصب رئيس حكومة فى الولايات المتحدة، والثانى تنتقل فيه هذه المسؤولية لرئيس الوزراء الذى يأتى من خلال الانتخاب، ويتراجع دور الرئيس أو الملك إلى دور شرفى (وهو الأكثر انتشارا فى العالم المتقدم وتتبعه غالبية دول أوروبا. وما بين هذين النظامين استحدث نظام ثالث يأخذ بسمات النظامين السابقين، نظام مختلط يتقاسم فيه رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية مع رئيس الوزراء وكل منهما يأتى بالانتخاب، رئيس الجمهورية بالانتخاب المباشر من الشعب، ورئيس الوزراء عبر انتخابات برلمانية عادة ما يكون من الحزب الحاصل على أكبر عدد من مقاعد البرلمان، ويعد النظام الفرنسى المثال الأبرز للنظام المختلط، وهو النظام الذى أخذ به دستور البلاد الحالى مع بعض التعديلات الطفيفة منها على سبيل المثال قيام الرئيس بتشكيل الحكومة وتقديمها للبرلمان لنوال الثقة (الحصول على تأييد نصف عدد الأعضاء زائد واحد) وإذا لم يمنح البرلمان ثقته للحكومة، هنا يكلف الرئيس، الحزب (أو الائتلاف) الحاصل على أكبر عدد من المقاعد بتشكيل الحكومة فى مدة زمنية محددة، وإذا فشل يتم حل البرلمان.
النظام المختلط ليس هو أفضل أنظمة الحكم، لكنه الأكثر مناسبة لظروف البلاد، فالنظام البرلمانى يقوم على الأحزاب الناضجة، وهو ما نفتقده فى مصر اليوم، بدليل أن غالبية أعضاء مجلس النواب المنتخبين من المستقلين، لا نظام برلمنى دون أحزاب سياسية مدنية ناضجة، تمتلك أيديولوجيا واضحة ومتماسكة، تنهض على البرامج لا الأشخاص، يساندها رأى عام ناضج أيضا يختار بين الأحزاب والمرشحين وفق الرؤى والبرامج وليس شيئًا آخر. أما النظام الرئاسى وهو الأقل انتشارا فى الدول الديمقراطية فيتطلب نظاما مستقرا المؤسسة فيه أقوى من الفرد، وعدم وجود مؤسسات قوية يجعل من الرئيس ديكتاتورا يدور الجميع حوله مثلما هو حال الغالبية العظمى من الدول الأفريقية والآسيوية واللاتينية قبل توافر البنية المؤسسية، وقد عانينا فى مصر كثيرا من هذا النظام اعتبارا من عام 1954 وحتى سقوط نظام مبارك فى يناير 2011.
وإذا نظرنا إلى واقعنا اليوم فإننا نرصد غياب الأحزاب السياسية القوية التى يمكنها إدارة نظام برلمانى، كما أن عدم استقرار المؤسسية فى مصر حتى اليوم يجعل من النظام الرئاسى مدخلا لإعادة إنتاج الحاكم الفرد المتسلط، ومن ثم فالأكثر ملاءمة لنا فى مصر اليوم هو النظام المختلط الذى أخذ به دستورنا الحالى. لذلك لابد أن تعمل كافة مكونات العمل السياسى فى مصر على ترسيخ هذا النظام ودعمه حتى تستقر البنية المؤسسية وتتقوى الأحزب السياسية وعندها يمكن الحديث عن تعديل النظام السياسى، فللأسف الشديد هناك دعوات من البعض لتعديل بعض مواد دستور البلاد، قبل تطبيقه، بحجة أن البرلمان يقيد صلاحيات الرئيس عبدالفتاح السيسى، وأن الرئيس يحتاج إلى استعادة قدر من هذه الصلاحيات حتى يمكنه مواصلة العمل، وهى دعوات تفتقد الحنكة والحكمة وتنطلق من إرث مصرى عريق فى مداهنة الحاكم ونفاقه، وهى فى الوقت نفسه غير صحيحة بالمرة، فالرئيس من حقه تشكيل الحكومة - بعد التشاور مع البرلمان- وإذا لم يتمكن من ذلك اضطلع البرلمان بالمهمة عبر تكليف الحزب أو الائتلاف الحاصل على أكبر عدد من المقاعد، وإذا فشل الأخير يكون محلولا. أما حديث بعض المرائين عن الخشية من أن يقوم البرلمان بعزل الرئيس فهو نوع من الدجل السياسى، فعزل الرئيس عملية معقدة للغاية ومحفوفة بالمخاطر ما لم تكن هناك مبررات حقيقية وراء دعوى العزل، والحالات التى طرح فيها مطلب عزل الرئيس محددة بدقة وتتمثل فى ارتكاب جريمة الخيانة العظمى للبلد أو العجز عن أداء المهام المحددة فى الدستور أو القيام بواجبات وظيفته، وهو أمر يتطلب أولا موافقة ثلثى أعضاء البرلمان، وإذا تحقق ذلك يطرح الأمر على الشعب للاستفتاء عليه، فإذا وافق الشعب يعزل الرئيس وإذا رفض الشعب يحل البرلمان، إذن فالقضية ليست بمثل البساطة التى يتحدثون بها، وتجرى ضمن آليات النظام المختلط للتوازن بين السلطات ومعالجة حالة انتخاب رئيس «خائن لبلده» أو عجز عن القيام بمهام المنصب لأسباب موضوعية محددة بدقة.
ونحن على أعتاب بدء البرلمان لعمله، نأمل أن يتوقف الحديث بشكل سلبى عن البرلمان المصرى وألا يستخدم اسم الرئيس فى دعوات الارتداد عن مكتسبات حققها المصريون بدماء أبنائهم وبعذاب قرابة السنوات الأربع، اتركوا مصر تبنى تجربتها الديمقراطية الوليدة ولا تقتلوا جنين الديمقراطية فى مهده.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com