ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

الشريعة الإسلامية ليست دستورًا.. هذا ما قلته لعمرو موسى!

رباب كمال | 2016-01-10 07:51:42

رائحة عطرها كانت نسيمًا عليلًا، شعرها جميل مموج، ملابسها الفاتنة كانت من وحي آلهة الأناقة، اقتربتْ مني بعدما رصدتني من بعيد وسارت في اتجاهي بخطوات هادئة، وكلما اقتربت مني، سمعتُ صوت الموسيقى في نغمات ارتطام كعبها العالي بأرض القاعة وكأنها معزوفة راقية المسمع. اعتقدتُ أنها ستعلق على كلمتي في المؤتمر الذي جمعنا وحين دنت مني قالت:

"يا ليتك ترتدين قلادة عليها اسم الله كما أفعل أنا! فسألتها لماذا؟ فقالت لقد تحجبت جميع النساء ولم يتبق سوى المسيحيات.. فعلينا أن نرتدي قلادة إسلامية لنفرق أنفسنا عنهن".

فجأة تحول عطرها العليل إلى رائحة كريهة، وتحول شعرها المموج إلى عمامة شيخ متطرف، وتحول كعبها العالي إلى مداس رديء يسحق المنطق، وتحولت ملابسها الأنيقة إلى جلباب للأفكار المتعصبة.

سألتها بحدة.. ما الفرق بين ما تقولينه وبين دعوة شيوخ التعصب لارتداء الحجاب بحجة التفريق بين المسلمة والمسيحية؟ أشرت عنايتها - إن كان لها عناية - بأنه لن ترضى عنها حجافل المتطرفين إلا أن اتبعت ملتهم في نشر التعصب الديني.

نظرتْ إليّ نظرة غاضبة وسألتني عن ديني؟ فقلت لها ديني شأني وشأن ربي، فأنا لا أحتاج لقلادة دينية لأعبر بها عن نفسي!! فقالت لي: "ربنا يهديك.. يبدو أنك كفرتِ بالله".

قبل أن ترحل اعتقدت أنها ستطلب مني نطق الشهادتين على سبيل الاستتابة، لكنّها رحلت وهي تنظر لي شزرًا، وهذه المرة كان صوت كعبها العالي وهي راحلة عني أشبه بالمطرقة التي تقرع رأسي! هكذا انتهت المعزوفة الجميلة في عقلي. الفتاة الجميلة كانت مدنية المظهر لكنها داعشية العقل.

هذه القصة ليست من نسج خيالي، إنها قصة حقيقية، قصة الفتاة التي التقيت بها، فاعتقدت من مظهرها أنها ليبرالية الفكر لكنني اكتشفت أنها متطرفة حتى النُخاع. هي كذلك قصة مصرنا، الدولة التي تدعي المدنية، بينما تقوم مؤسساتها بدور المحتسب لتقويم الناس على مذهب أهل السنة والجماعة، وتتقمص محاكمها دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتفتش في ضمائر الناس تحت مسمى ازدراء الأديان و قوانين الحسبة.

الشريعة الإسلامية ليست دستورا للبلاد
هذه ليست قصتي، هذه قصة وطن محتل بأفكار رجعية.

كنت قد اعترضت في جلسة الحوار المجتمعي في لجنة الخمسين قبل عامين على شعار "القرآن دستورنا" (شعار الإخوان المسلمين) الذي استخدمه السيد سامح عاشور في افتتاح إحدى الجلسات، وقلت: "إنه لا سبيل لنا لحماية مصر من غزوات المتطرفين إلا بدستور علماني الطابع، كما أن المادة الثانية نفسها مادة تؤسس للطائفية وتنسف مفهوم المواطنة! فجأة انقطع صوت الميكرفون وسمعت هذه الكلمات.."شكرًا للعضوة".

لم أكن حالمة بأن القاعة ستغمرني بالإشادة، بل كنت أسجل موقفا فحسب، لأن صمتنا أصبح مخجلا، فالدستور المدني الذي وعدتنا به لجنة الخمسين ليس من المفترض أن يكون دستورًا ينافس الإخوان في شعارات تطبيق صحيح الإسلام. فالمعتقدات ليست دساتير للبلاد.

التقيت السيد عمرو موسى رئيس لجنة الخمسين وسلمته ما تراءى لبعضنا بأنه توصيات هامة في طريق دستور علماني، يؤسس لدولة مدنية دون تلاعب، ويسد الطريق على المزايدين على تطبيق صحيح الدين سواء أكانوا الإخوان أو غيرهم.

"المادة الثانية ليست قرآنا ،القرآن كتاب عقائدي وليس مرجعية للدولة، والشريعة الإسلامية ليست دستورا لدولة مدنية، لابد أن تكون الأمور واضحة"...... هذا ما قلته للسيد عمرو موسى وأنا أسلمه المسودة.

إشكالية المادة الثانية من الدستور وتطورها التاريخي وما نتج عنها من تشريعات قانونية تؤسس لدولة طائفية قد يحتاج لنا أن نسرده في كتاب وليس مقالا. تم صياغة هذه المادة بتعديلاتها حين كان تعداد مصر أقل من نصف تعدادها اليوم، ونشأت عليها أجيال اعتقدت أن المادة "فوق الدستورية".

اعترض غالبية شباب الثورة مثلا على وثيقة د. على السلمي عام 2011، مؤكدين أنها تحتوي على مواد فوق دستورية لصالح الجيش، لكنّهم غضوا البصر عن مادة الشريعة التي صنعنا منها صنمًا، فيمكنك هدم الدستور لتكتب دستورًا جديدًا حول المادة الثانية، هكذا يخيل إليهم.. فأي ثورة نتحدث عنها؟ أنرفع فيها شعارات رفض العبودية للنظام بينما فرضنا على أنفسنا عبودية بمحض إرادتنا تحت مسمى"لا مساس بالمادة الثانية".

اتفقت السلطات المتعاقبة والمعارضة ومؤيدي النظام بعدم المساس بالمادة الثانية. فبات الكلام عن دستور دولة مدنية مجرد مزحة سخيفة يتخللها شعارات مدنية ذات مرجعية دينية، وهو شعار مستهلك إعلاميًا أشبه بأن تطالب بالشيء وعكسه في عبارة واحدة، فندخل في حالة الإبهام الذي يجعل دستورنا هجينا بين مواد دينية وحقوق مدنية عالقة، تنتظر تفسير الشريعة، فحقوق المرأة (المادة 11) سُتمنح حسب تفسير الشريعة وحرية الاعتقاد (المادة 64) سُتمنح حسب الشريعة، وهكذا دواليك وهكذا أصبح دستورنا نشازًا.

فالمادة الثانية تجُب مواد الدستور وبالتالي فإنّ أي تشريعات للحريات العامة ستصطدم بمادة الشريعة ومؤسسة الأزهر المنوطة بتفسير الشريعة (المادة 7).. تماما كما يصطدم النيزك بالأرض، وستحتاج هذه التشريعات إلى مجهود مضنٍ يصل لدرجة التحايل لإقرارها وهو ما عهدناه دائمًا.

تساؤلات حتمية إبان 30 يونيو
كان علينا بعد 30 يونيو أن نطرح تساؤلات عديدة حتى وإن كانت مؤلمة ومنها:

هل ينتهي الحكم الديني في مصر مع إزاحة الإخوان المسلمين من سُدّة الحكم ؟ هل الدولة الدينية هي تلك الدولة التي يحكمها رجل دين أو مرشد الجماعة الإسلامية أو رئيس ملتح؟ أم الدولة الدينية هي تلك التي يعتمر فيها الدستور والقانون العمامة الدينية؟

هل كفت الدولة وحكوماتها المتعاقبة عن إقحام الدين فعلا في كل أمورها إبان 30 يونيو ؟ ألا نقع في شر الانفصام الفكري حين نطلق عبارات مثل "نريدها إسلامية لا دينية"، فما الفارق تحديدًا ؟

ما العمل الآن ؟
بعد عامين ونصف من 30 يونيو اتضح أننا لم نقم لا بثورة مدنية ولا بثورة دينية لتجديد الخطاب الديني، بل قمنا بثورة عادت بنا من مشارف دولة الخلافة السنية التي أرادها الإسلاميون.. إلى المربع صفر أي مربع مؤسسات الدولة ذات الذراع الدينية.

هذا في حد ذاته انتصار.. أنقذنا من براثن دولة حمساوية النزعة، تطمح في جيش على غرار الحرس الثوري في إيران، لكنه ليس بالضرورة انتصار للدولة المدنية التي لازالت في مهب الريح والتي خاطرنا بحياتنا من أجلها.

الهدف ليس البكاء ولا النحيب ولكن إدراك حقيقة المشكلة بأبعادها المتأصلة في الدستور ومواده الدينية ووضعها في الحسبان لا إغفالها، ويجب كذلك إدراك ضرورة العمل على تحقيق مكاسب مرحلية ننتصر فيها للدولة المدنية.

أكبر هذه المعارك المرحلية هي معركة رفع وصاية القانون والأزهر عن المفكرين ومجددي الخطاب الديني. هذه المعركة لا يجب اختزالها في الإفراج عن إسلام البحيري فحسب، ولا يجب اختزالها في مطالبات بعفو رئاسي، فالمفكر ومجدد الخطاب الديني ليس مجرمًا، بل يكمن مربط الفرس في إلغاء قوانين محاكم التكفير التي تشهدها ساحات القضاء المصري.
نقلا عن دوت مصر

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com