بقلـم/ هـانــي شــهدي
تابع المشاهد العربي وخاصةً القبطي كطرف ثالث غير مرئي أمام الكاميرات تلك المناظرة المرتقبة التي استمرت قرابة الخمس ساعات وكان طرفها الأول الباحث إسلام بحيري الداعي لغربلة وتنقيح التراث الإسلامي من خلال برنامجه “مع إسلام” وطرفها المقابل كلا من الشيخ أسامة الأزهري ممثلاً عن مؤسسة الأزهر ويسانده الشيخ علي الجفري مؤسس مؤسسة طابة للأبحاث، وقد توقفت عند عدة نقاط أهمها:-
١. جاءت المناظرة في معظم أوقاتها راقـية ومعـتدلة من جميع الأطراف،أقرب ما تكون لمناقشة أو محاورة وليست مبـارزة كسابقاتها، حيث فاجأتنا المناظرات والمكالمات السابقة بكل ما هو غير متوقع، فمناظرة شرع فيها أحد الضيوف بالتعدي بحذائه علي الباحث اسلام بما لا يليق بحوار ديني، والأخري لم توفق فيها مؤسسة الأزهر في اختيار ممثلها الذي لم يكن بمستوي الجدية المطلوبة، ومكالمات أخري تم فيها تكفير بحيري واهدار دمه .
جاءت المناظرة كمباراة عودة مرتقبة ونهائية لمباريات ذهاب انتهت جميعها بنتائج غير معلومة، التزم الطرفين الحذر كثرت الهجمات وقل احراز الأهداف، بحيري لعب بنفس طريقته في تفنيد اطروحته مع ضبط شديد للنفس حتي لا يقع هذه المرة في فخ الأنفعال، أزهري قدّم الأزهر في صورة مقبولة عن سابقيه ، صورة يمكن محاورتها والأختلاف معها دون خسائر، وجاء جفري ملطّفاً للحديث جاذباً لجمهور الشباب مهدءاً لبحيري ومكمّلاً لإجابات أزهري.
كان يهم المشاهد القبطي أن يدرب ذهنه علي صورة مرنة لقادة المؤسسة الدينية المختلفين معه وعليه كقبطي دون أن يلجأ أي من الطرفين لألقاء أحجار التكفير وهدر الدم والازدراء في ملعب الأخر.
٢. القبطي هو المستفيد الأول أو المتضرر الأول من المناظرة، حيث شمل تنقيح بحيري بنود كثيرة تمس الأقباط ،مغلوط فهمها لدي كثير من المسلمين كعدم تكفيرهم ودفعهم للجزية واحترام ممتلكاتهم، فنجاح بحيري في المناظرة سيُعيد اكتشاف القبطي واحترام حقوقه لدي مسلم الشارع البسيط، ونجاح أزهري وجفري أيضاً مطلوب للقبطي حتي يثبت في ذهــن وضمير المسلم شـرعية هذا الأحترام والملكية، حقيقةً أصبح حلم للقبطي أن يري نفسه في ذهن المسلم المتأسلم أنه إنــسان ولـيس قــرد أو خنزيــر، أن يلامس مصطلح سـماحة الإسلام في الممارسات الحياتية للمسلمين نحوه لا بعد كـل حادثة يكون فيها هو الضحـية، أن يري الشريعة والأحاديث الأسلامية الراقية التي هي المصدر الرئيسي للتشــريع في دولته تعترف بوجوده كأنسان قبل أن يكون هدفها الأول تشـريع الغاء وجوده ووضعه في قائمة النسيان والهجرة والتهجير.
٣. بث المناظرة لمدة خمس ساعات علي الهواء مباشرة لَـمّع مدي إدمان شعوبنا العربية للدين سواء مسلمين أو مسيحيين، وهو ما يستغله جيداً الأعلام لتحقيق أرباح بشعة والتجارة في المخدر الشرعي المحبب للعرب. للأسف الموجع نحن لدينا مخزون إستراتيجي من الفتاوي الشرعية وغير الشرعية يكفينا لعشر سنوات قادمة بل وحالياً نصدره للمنطقة العربية بأكملها ، في حيــن ننتظر بلهفة شهر بشهر أمام شاشات التلفاز فتوي وزير التموين بوصول شحنات القمح في موعدها للموانئ حتي نأكل والغاز حتي نتحرك من دول أوربا. نغــتّر بإستيراد الطلاب الأجانب من البلاد الأسلامية لدراسة علوم الإسلام في الأزهر، نغــتّر بزيارة البعثات الأجنبـية لدراسة المخطوطات القبطية القديمة ورحلة العائلة المقدسة لمصر، في المقابل نصدر أفضل كفاءتنا العلمية مسلمة وقبطية لدراسة العلم في جامعات أوربا وامريكا وربحوا أكثر من عبثنا هذا وتمادوا في تضييق الحبل علي رقابنا في بلادنا العربية تحت مسمي الحريات، فيهرب الشاب القبطي من شبح الأضطهاد ويهرب الشاب المسلم من شبح البطالة ليلقيا بنفسيهما في حضن نظام علمي يحتضن ويُنـمّي. يخطيء من يظن أن العقل المصري “تافـه” بل هو اذكي واكفء العقول في العالم بدليل أن كثير من كفاءتنا في شتي المجالات هناك مصرية. نفس الدماغ لكن الأرض مختلفة. هل من يوم نري فيه مناظرة علي الفضائيات العربية نستبدل فيها بحيري وأزهري وجفري وقبطي بفيزيائي وجيولوجي ورياضي وبيولوجي؟.
٤. المسـلم الذي يعـيش في بلادنا العربية مظلوم وللأسف صورته مشوّهة بدرجة كبيرة مقارنةً بالمسلم الذي يعيش في أوربا أو أمريكا أو اسيا ، حيث المسلم العربي ضحية للفراغ الذهني والعلمي والجنسي لخطب الشيوخ وعبث فتواهم التي ليس لها رقيب ولا مصحّـح ولا سنـد، بينما المسلم في البلاد المتقدمة يقيس ما يتلقاه من تعاليم في مسجده ويزنها بقوانين دولته الوضعية ولوائحها الإنسانية. تعاملاته الإنسانية اليومية راقية فلا يقبل أقل منها في مسجده. مواطن تأمن معه لحد جيد علي نفسك وتجارتك وأسرتك سواء في المعاملة أو المناقشة معه.تنجذب له وتصادقه دون كثير من الحسابات ، فلماذا اذا كان الأساس واحد لا يكون الظاهر منها أكثر رقـيّاً وتعايشاً. المناظرة طمأنت المسلم الأجنبي علي وجود شجيرة نقاش مقبول في المسلم العربي يجني الكل منها ثمرة جيدة.
٥. نحن بطبيعتنا كمصريين طيـبين أقباط ومسلمين نتعامل مع الدين بالعاطفة أكثر منه بالعلم. فكثـيرين مسلمين انتهروا بحيري واستذنبوه لعصبيته وتلفظه ببعض الألفاظ الحادة التي لم يعتادوها،لذلك أنصرفوا ولم يلتفتوا لأطروحته وبحثه بينما نفس البحيري قبلوه وفهموه لحد كبير عندما كان هادئاً ومُرتّباً، تضامنوا مع ممثل الأزهر عاطفياً وليس علمياً حتي قبل أن يروه في المناظرات الأولي لمجرد أنه مبعوث من جهة دينية شرعية ثم نفروا من هذا المبعوث عندما لم ياتي رده علي المستوي المنتظر، لعب الجفري كثيراً علي هذه النقطة واستفاد منها في مغازلة عواطف المشاهدين وإستمالتها نحوه، أيضاً نتعامل مع الدين كبنك يشبع رغباتنا ومصالحنا الشخصية ،وكأقباط اختزل الكثيرين العقيدة في مجموعة من المعجزات والشفاعات والطقوس المحبوبة والمتداولة لتكون هي المخدر المقدس الذي يشفي أمراضنا ويُنجح طرقنا دون أن نكون علي دراية بأساسيات العقيدة ومحتواها نفسه.المصري الطيب يتعامل مع الدين بالحب أو الكره ليس بالفهم والتحليل.
٦. أرجوكم.. تغــيّروا حتي نتـغيّر وغـربلوا حتي نُغـربل.
يخطيء المسلم حين يظن أن القبطي يقف من مناظراته وتراثه الأسلامي موقف ” الشمتان أو الساخر” إطلاقاً. يا عزيزي مشكلتك مع تراثك هي بالضبط نفس مشكلتنا مع تراثنا ، بل دعني اسجل لك شجاعة باحث مسلم وقف علي الملأ عبر الفضائيات خلال أكثر من ٢٠٠ حلقة منادياً بالتغيير فاضحاً عورات القديم، غضبتم منه لكن أجلستموه وناقشتموه ، أما المسيحيين لا يجرو أحد فوق منبر كنيسة أو قناة مسيحية أن يلتفت ورائه أو حوله لقصص التراث ويقول “لا”.
الفارق بيننا أن شوائب التراث الأسلامي فاضت الأن خارج الكأس فتلقّـفها الأعلام وكشفها واستغلها بطريقة سيئة لتحقيق ربح مادي، أما القصص التراثية القبطية المبالغ فيها التي تصل لحد الشوائب التي لا تمتلك سند تاريخي كافي لاثبات صحتها ، مازالت تعوم داخل الكأس في منطقة معتمة ونحن فقط من يشربها.
لذلك نجــاح الأزهر في التطوير سيشجع ويدفع الكنيسة في تبعية أخذ خطوة جـادة أيضاً نحو تنقيح التراث.
المقال كتب في مايو ٢٠١٥ ، وبعد مرور اكثر من ثمانية شهور علي كتابة المقال ،ما نجح فيه الازهر هو الحصول علي حكم قضائي بسجن اسلام بحيري لمدة سنة.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com