د. عبدالخالق حسين
يقول فولتير: "إذا أردت أن تعرف حقيقة الإنسان فأعطه سلطة أو مال". وآل سعود يملكون الإثنين، فبانت حقيقتهم الشريرة. وأكاد أجزم أن المملكة السعودية هي السبب الرئيسي في عدم استقرار المنطقة، ولولاها لما سمعنا بالإرهاب الإسلامي. فالإرهاب جوهر العقيدة الوهابية منذ تأسيس هذا المذهب التكفيري الإقصائي الفاشي المعادي للإنسانية والحضارة البشرية والمتحالف مع الأسرة الحاكمة. وقد بلغت السعودية أوج شراستها وتخبطها في عهد الملك الجديد، سلمان بن عبدالعزيز. فملوك السعودية الذين سبقوه كانوا يكتفون بنشر التطرف الديني، وإثارة المشاكل في العالم وخاصة للدول العربية والشرق الأوسط بالخفاء وحبك المؤامرات والاعتماد على أمريكا وغيرها من الدول الغربية في أمنها وعدم محاسبتها على جرائمها عن طريق شراء الذمم ومؤسسات إعلامية وحكومية بما لديها من مال وفير، وثروة نفطية هائلة، وحاجة الغرب لهذا النفط.
ولكن منذ صعود الملك سلمان عرش المملكة، وتسلم ابنه الأصغر المدلل، الأمير محمد وزارة الدفاع ومعظم المؤسسات المهمة الأخرى في الدولة، تغيرت الأمور نحو الأسوأ، نحو الغطرسة والتدخل المباشر في شؤون دول الجوار (الحرب على اليمن)، وإثارة الفتن الطائفية بعلنية فجة. وفي هذا الخصوص، نشرت صحيفة الإندبندنت اللندنية مقالاً للكاتب الصحفي باتريك كوبيرن بعنوان "الأمير السعودي الساذج المتعجرف يلعب بالنار)، يشير إلى أن الاستخبارات الألمانية نشرت مُذكّرة نهاية العام الماضي توضح "الخطر" من ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان. وجاء فيها أن "السعودية تعتمد سياسة متهورة في الآونة الأخيرة". و أن "ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان - البالغ من العمر 29 عاماً والذي يتمتع بنفوذ عال، والمعروف بأنه الابن المفضل للملك سلمان الذي يعاني من داء الخرف - بأنه سياسي مقامر يعمل على شل العالم العربي من خلال تورطه بحروب بالوكالة في سوريا وايران". وأوضح أن "تحذيرات وكالة الاستخبارات الألمانية تعد إشارة على زيادة المخاوف من أن السعودية أضحت ورقة غير مضمونة... وأنها كانت تعمد في السابق إلى إبقاء جميع اختياراتها مفتوحة، وكانت حذرة". و إن "السعودية أضحت تنتهج خيارات أكثر عدوانية وسياسة محبة للحروب، كالحرب في سوريا واليمن". وختم كوبيرن بالقول إن "المغامرات الخارجية التي بدأها الأمير محمد لم تكن ناجحة وليس هناك أي بوادر تشير إلى نجاحها لاحقاً".(1)
وما إقدام السعودية على إعدام رجل الدين الشيعي، الشيخ نمر باقر النمر، إلا دليل على أن المملكة بقيادة الثنائي الملك سلمان، وابنه الأمير محمد على أن المملكة في أزمة عميقة جداً قد تؤدي إما إلى انهيارها، أو تغيير جذري في رأس سلطة العائلة المالكة، بانقلاب قصر. فكما أكد العديد من الصحفيين الغربيين، أن الملك سلمان لا يستطيع العمل أكثر من أربع ساعات يومياً. ومعظم شؤون الدولة الأخرى، السياسية والاقتصادية والعسكرية، وشركة أرامكو النفطية، والسياسة الخارجية وغيرها، بيد ابنه المتهور المقامر الأمير محمد الذي كل تعليمه لا يتجاوز الشهادة الأولية في القانون من جامعة الملك فهد. لذلك وكما قال عنه الصحفي البريطاني المعروف باتريك كوبيرن أن المقامر إذا خسر في لعبة فإنه يضاعف الرهان في اللعبة اللاحقة ليعوض عن خسارته، وإذا خسر ثانية فيضاعف الصفقة مرة أخرى، وهكذا إلى أن يفلس إفلاساً مطلقاً. فقد خسر الأمير محمد في أغلب قراراته السياسية منذ توليه المسؤولية في العام الماضي مع والده، وراح يقود المملكة من كارثة إلى كارثة أخرى، إلى درجة أن الحكومات الغربية وحتى أمريكا، بدأت تتخوف من هذا التخبط السعودي، فراح الإعلام الغربي يقول الحقيقة للرأي العام عن جرائم النظام.
ومن أكبر أخطاء الأمير محمد هو شنه الحرب على اليمن، وهذا دليل على غبائه، إذ كما جاء في نيويورك تايمس، أنه تجاهل الحقيقة أن الحوثيين كانوا عبارة عن عازلة مفيدة ضد التهديد الحقيقي لبيت آل سعود من تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، و يبدو أيضا، أنه أغفل أن الحوثيين العنيدين الذين أحرجوا السعوديين في حرب حدودية عام 2009، عندما استولوا على جيزان، الميناء السعودي على البحر الأحمر، ولم يسلموه إلا بعد أن دفعت السعودية لهم 70 مليون دولار.(2)
ويبدو أن الغرب، ينوي التخلي عن السعودية، فقبل أسابيع ندد نائب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالسعودية لدورها في دعم الإرهاب، كذلك معظم الصحافة الغربية راحت تفضح الدور السعودي هذا. ولعل أوضح مثال هو التصريحات الإعلامي الأمريكي المعروف توماس فريدمان من صحيفة نيورك تايمس، والمقرب من الإدارة الأمريكية، الذي زار الرياض مؤخراً والتقى بالمسؤولين المتنفذين، مثل الأمير محمد، ففي لقاء صحفي قال (أن النظام السعودي لا يركز إلا على شرعيته ومرعوب من شيء واحد فقط، وهو قيام داعش ضد إسرائيل). وهذا يؤكد العلاقة الحميمة بين السعودية وإسرائيل، السعودية التي تدعي أنها حامية حمى المسلمين في العالم، وتلقب ملكها بخادم الحرمين الشريفين (رابط الفيدو في الهامش رقم 3 ).
السعودية غارقة في المشاكل
فالسعودية ليست مرعوبة فقط من احتمال تحرش داعش باسرائيل، بل هناك مشاكل كبيرة وكثيرة تواجهها، ومنها كما قال فريدمان، أن السعودية أرسلت مئات الألوف من الطلبة السعوديين للدراسة في أمريكا و أوربا، وعند عودتهم بعد تشربهم بالثقافة الغربية، لا يمكن أن يقبلوا هذا النوع من الحكم الاستبدادي العائلي القبلي المتخلف.
كذلك الأزمة الاقتصادية التي تواجهها السلطة لأول مرة في تاريخ المملكة، بسبب تردي أسعار النفط،
وتدخل السعودية بشكل مباشر في حرب لا تعرف لها نهاية في اليمن، بغية إعادة الدمية عبد ربه منصور هادي إلى الحكم. وكانت النتيجة أن الشعب اليمني بقيادة الحوثيين بقي صامداً، فالسعودية في ورطة حيث تكلفها الحرب على اليمن نحو 200 مليون دولار يومياً، أي 6 مليار شهرياً، أي 72 مليار سنوياً.
كذلك كلفت الحرب التي تشنها المنظمات الإرهابية التي ترعاها السعودية في سوريا والعراق ومناطق أخرى نحو خُمس أموال الدولة كما قال فريدمان. فالسعودية تحارب الإرهاب في بلادها وتدعمه في الخارج، فقد بات هذا الامر معروفاً لدى القاصي والداني وحتى الغرب.
المشكلة الأخرى التي تواجهها السعودية هي الحملة العالمية ضد استهلاك النفط بسبب الانحباس الحراري، وقرارات المؤتمر الدولي الأخير في باريس حول المناخ، ودعوة الحكومات لتبني المصادر المتجددة للطاقة بدلاً من النفط والفحم، مما يرسم مستقبلاً قاتماً للدول المصدرة للنفط. وليس بعيداً أن يأتي اليوم الذي يصبح فيه النفط مثل الفحم، مادة بائرة في باطن الأرض.
ولمواجهة الأزمة المالية، لجأت المملكة إلى رفع أسعار البنزبن بنسبة 40%، إضافة إلى الكهرباء والماء...الخ، وقطعت أو قلصت المساعدات المالية عن العاطلين من الشباب، فهناك بطالة بين 20-25% من القوى العاملة، وأن 70% من الشعب السعودي دون الثلاثين من العمر.
لهذه الأسباب وغيرها، فالسعودية في هذا الوقت الحرج بأمس الحاجة إلى قيادة حكيمة للخروج من أزمتها المتفاقمة، بينما الذي حصل هو العكس، حيث يقودها الآن ملك مخرف، وابنه الشاب المدلل المتهور المقامر. وبدلاً من تبني الحكمة في معالجة هذه المشاكل لجأت السلطة إلى أسوأ الأمور التي من شأنها أن تفاقم هذه المشاكل، حيث لجأت إلى المزيد من إثارة الفتنة الطائفية والتحريض ضد الشيعة و إيران، واتخاذهما كبش الفدى لكل مشاكلها بغية إثارة مخاوف الغالبية السنية من هذين "البعبعين"، أملاً في دفعها لدعم السلطة.
ولذلك أقدمت على إعدام رجل الدين الشيعي الشيخ النمر رغم نصائح أصدقائها لها بمن فيهم الإدارة الأمريكية بعدم إعدامه، ولكنها أصرت على إعدام الشيخً وكانت تقصد منه ردة فعل عنيفة من إيران لإثارة الطائفية، وتحشيد الغالبية السنية وراءها، وإثارة العداء لإيران واتهامها بالتدخل في شؤون البلاد العربية.
لذلك فإقدام الحكومة بإعدام الشيخ الشيعي النمر كان نتيجة حسابات دقيقة رغم أنها خاطئة، حققت الغرض المطلوب منه، إذ قام المتشددون الإيرانيون بالاعتداء على السفارة السعودية في طهران وحرقها، الأمر الذي استغلته السعودية بقوة لتحريض العالم ضد الحكومة الإيرانية، وبذلك أظهرت السعودية نفسها بأنها الضحية، وإيران هي المعتدية!.
طبعاً الاعتداء على السفارات عمل مدان، وقد أدان الرئيس الإيراني المعتدل حسن روحاني هذا العدوان، واعتذر الممثل الإيراني في الأمم المتحده، كما وأقالت الحكومة الإيرانية مساعد محافظ طهران لإهماله توفير الأمن للسفارة السعودية، ولكن مع كل هذه الاجراءات الإيرانية أصرت السعودية على تصعيد التوتر بينها وبين إيران، إضافة إلى التحريض الطائفي ضد الشيعة بصورة عامة. ومن هذه الإجراءات لتصعيد التوتر، طالبت السعودية الجامعة العربية بعقد مؤتمر طارئ ضد إيران فحصلت على ما تريد، وربما سيعقبه مؤتمر الدول الإسلامية، وهكذا ....
الاستفزازات السعودية لإيران
ارتكبت السعودية اعتداءات كثيرة على إيران بغية استفزازها لردة فعل عنيفة تتخذها ذريعة لجر أمريكا إلى حرب على إيران وخاصة بعد الاتفاق النووي بين إيران ودول 5+1 الذي أثار غضب و جنون السعودية. وفي هذا الخصوص نشر موقع "لوب لوغ فورين بوليسي" الأميركي المهتم بشؤون الشرق الأوسط، مقالاً للباحثة شيرين هنتر في مركز التقارب الإسلامي-المسيحي، بجامعة "جورج تاون" في واشنطن، تحت عنوان "السبب الحقيقي لإقدام السعودية على إعدام الشيخ النمر"، فنّدت فيه التحركات التي أقدمت عليها السعودية سابقاً في محاولاتها لاستفزاز إيران، منها: تدخلها العسكري في البحرين، والجهود التي بذلتها لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، و تفجير السفارة الايرانية في بيروت عام 2013، والذي قتل فيه الملحق الثقافي الإيراني، والحرب التي شنتها السعودية على اليمن، والاعتداء على معتمرين إيرانيين في السعودية، إضافة إلى "قتل عدد كبير من الحجاج" [نحو 464 حاج إيراني]، في إشارة إلى فاجعة منى في العام الماضي، وما تلاها من تعقيدات فرضتها السعودية في قضية التعرف على الجثث وتسليمها إلى ذويهم. كذلك ما قامت به حكومة نايجيريا باعتقال زعيم الشيعة في نيجيريا، الشيخ إبراهيم الزكزاكي، وإقدام الجيش النيجيري على قتل ما يقرب من ألف شيعي لأسباب زائفة. وبعد اعتقال الشيخ الزكزاكي تلقى الرئيس النيجري اتصالاً من الملك السعودي هنأه على "تعامله الفعال مع الإرهاب"، وعلقت الكاتبة بالقول: "يبدو أن تعريف الملك للإرهاب يطال التقيد السلمي بالشعائر الدينية". وتابعت، أن استهداف الشيعة تكرر في بلدان أخرى، كأذربيجان، وفي عمليات القتل العشوائي التي تنفذها جماعات متأثرة بالسعودية في باكستان وأفغانستان التي شهدت عملية قطع رؤوس لأطفال من الهزارة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. و رجحت الكاتبة أن إيران لن تستسلم للاستفزاز السعودي الأخير (4 و5)
مستقبل السعودية
فما هو مستقبل هذه المملكة التي تسببت في عدم استقرار المنطقة؟
يعتقد البعض أن مصيرها سيكون كمصير شاه إيران، فأمريكا عندما تستغني عن حلفائها تتخلى عنهم، كما حصل لشاه إيران، وأحياناً تساهم في إسقاطهم كما حصل مع صدام حسين، خاصة وأن أمريكا تسير نحو الاكتفاء الذاتي في النفط. والظلم لا يمكن أن يدوم...الخ. ولكني أعتقد أن الظروف التي أطاحت بشاه إيران تختلف عن تلك التي في السعودية. فأسرة الشاه كانت صغيرة، ولم ينجب إلاً ولداً واحداً ليكون ولي العهد، بينما الأسرة السعودية الحاكمة يقدر عدد أمرائها في حدود عشرة آلاف أمير وأميرة، وهؤلاء مسيطرين على جميع مفاصل الدولة وبالأخص القوات المسلحة والأمنية، إضافة إلى دموية النظام السعودي، واستعداده، كما صدام حسين، لإبادة الشعب في سبيل البقاء في السلطة. لذلك فالسيناريو الذي أتوقعه هو التغيير من داخل العائلة الحاكمة بإنقلاب قصر، إذ هناك تململ وتذمر داخل العائلة الحاكمة. وفي هذا الخصوص كتب هيو مايلس في صحيفة الإنديبندنت، أن ثمانية من 11 من أخوة الملك سلمان الباقين على قيد الحياة يريدون عزله، كما حصل للمك سعود بن عبدالعزيز في الستينات من القرن الماضي.(6 و7)
وفي جميع الأحوال، يبدو أن اللعبة السعودية في اثارة الفتن الطائفية، واعتماد الإرهاب والمؤامرات لإسقاط حكومات غير مرغوب بها، قد ولى، حيث وصلت أضرار هذه السياسة الطائشة إلى حلفائها من الدول الغربية نفسها، وخرج الإرهاب من السيطرة حتى من قبل السعودية، فانقلب السحر على الساحر، لذلك فمصير الملك سلمان المخرف وابنه الأمير محمد المراهق المقامر لابد وأنهما آيلان للسقوط. وبعد هذا السقوط لا بد من تحولات اجتماعية وسياسية تدريجية لمنع الفوضى بعد ظلم طويل. أعتقد هذا ما سيحصل، إذ كما يقول المثل: "ما طار طير وارتفع، إلا كما طار وقع"، وهذه هي سنة حركة التاريخ.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com