ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

كيف نهضت ألمانيا؟ وكيف ستنهض مصر؟

خالد منتصر | 2016-01-14 11:20:57

وصلتنى رسالة مهمة من الطبيب المثقف حاتم توفيق، أفسح لها مساحة العمود، نظراً لعمق الرؤية والتحليل الذى تحتويه، يقول د. حاتم:

وسط الكم الرهيب من الإحباط، ووسط الطاقة السلبية الكبيرة، التى تتسرّب يومياً إلينا من خلال الإعلام الشعبى البديل (فيسبوك وتويتر)، قرأت كتاباً شديد الأهمية عن سر نهضة ألمانيا، والكتاب عنوانه (العبقرية الألمانية)، لمؤلفه بيتر واتسون. القصة تبدأ بعد نهاية حرب الثلاثين عاماً، وهى حرب دينية فى الأساس بين البروتستانت والكاثوليك (ما أشبه ليلتنا الآن فى الوطن العربى بالبارحة) فى معركة بين أطراف، يتوهم كل منهم أنه الأقرب إلى الله، وأن قتل أصحاب المذهب الآخر سيُدخله الجنة، وقتها بدأ الشك يتسلل إلى قلوب وعقول بعض الألمان، وربما جميع الأوروبيين، أن طريق الدروشة الدينية ربما هو أقصر الطرق إلى الخراب المستعجل، كانت ألمانيا سعيدة الحظ بقائدين متعاقبين، أسهما فى رفعة ألمانيا وعدم تفتّتها، أولهما هو (فريدريك الأول)، الذى عاش حياة بسيطة، وكان ديكتاتوراً عادلاً حقّق لألمانيا انتعاشاً اقتصادياً غير مسبوق، لكن لأن التاريخ يؤكد لنا دائماً أن نهضة الأمم عمادها الاهتمام بالتعليم والثقافة فإن التاريخ لا يذكر (فريدريك الأول) كثيراً، لكنه يذكر ابنه (فريدريك العظيم) الديكتاتور المستنير، الذى لم يكن فقط قائداً عسكرياً وزعيماً سياسياً رفيع المستوى، لكنه كان فى الأساس رجلاً مثقفاً يهتم بالعلوم ويرعى الفنون، بل يكتب الأدب ويمقت سطوة رجال الدين على المجتمع، وكان شعاره الأشهر: (تنوير العقول ونشر التعليم ومحاربة التطرّف والعمل على جعل الشعب الألمانى سعيداً).

حكمة الكتاب التى يجب أن نتعلمها أن عوامل نهضة ألمانيا بدأت بالاهتمام الشديد بالتعليم الأولى والجامعى، وأتى الاهتمام بالتعليم ثماره فوراً ببداية ما يُعرف بثورة القراءة فى ألمانيا، للدرجة التى تحوّل فيها إدمان القراءة إلى مرض نفسى عضال أطلق الأطباء عليه اسم (lesesucht)، وانخفضت نسبة الأمية فى ألمانيا (التى كانت تسخر منها أوروبا دائماً وتعايرها بالجهل)، وصارت الأقل فى أوروبا على الإطلاق، الأمر الذى حدا بـ(هيجيل) أن يفخر بأن صلاة الألمان الصباحية اليومية صارت القراءة، والعوامل الأخرى التى أدت إلى نهضة ألمانيا هى إعادة إحياء اللغة الألمانية وتطويرها لمواكبة العصر، ربما يتعجّب القارئ الآن ويقول (ومالنا إحنا ومال ألمانيا) ولا شىء مما هو مكتوب يحدث الآن فى مصر، والحقيقة أن هذا منطق المتشائم فى الرؤية، فنهضة الأمم لا تُقاس يوماً بيوم، ولكن بالسنين، وربما بالعقود، وأزعم أن نهضة الأمة المصرية قد بدأت رغماً عن قوى الظلام، فالنهم إلى المعرفة واضح وضوح الشمس إلا لمن لا يريد أن يرى، وحاول يا عزيزى القارئ أن تناقش أى مواطن مهما اعتقدت خطأً فى تدنى مركزه الاجتماعى فى أمور الدنيا الحالية، ستجد فهماً جيداً، ربما هذا الحب للمعرفة مقتصر الآن على قراءة (فيسبوك) فقط (مصدر المعلومات الوحيد المتاح للشعب المصرى)، لكن النهم للقراءة لا يمكن إنكاره، ومبيعات الكتب وكم المؤلفات من قصص وكتب تاريخية وغيرها قد تضاعف عدة مرات فى السنوات الأخيرة، وتنوّع مصادر القراءة لا يمكن إنكاره أيضاً، فقد تحولنا فجأة من شعب يُشبع نهمه للقراءة بالانغماس فى الكتب الدينية فقط، إلى شعب يقرأ أشياء أخرى، والمتابع للتحول الجزئى فى نوعية المعروض فى معرض الكتاب فى السنوات الأخيرة سيؤكد ما أقوله.

والمتابع للحالة الفنية أيضاً سيُدرك أن هناك ثورة فنية حقيقية فى مصر، فى الفن التشكيلى، انفجرت منذ 2011، تستثمرها للأسف إحدى الدول المجاورة التى تستنزف طاقات الفنانين المصريين الشباب.

الخلاصة أن الدولة عليها أن تتحمل مسئوليتها وتولى اهتماماً خاصاً بالتعليم، وعلى الطبقة الوسطى التى قادت المجتمع هبوطاً منذ السبعينات (بالإغراق فى الدروشة الدينية)، وتتباكى الآن على حالنا، بينما هذه الطبقة هى المسئولة بالأساس عمّا آل إليه حالنا، أن تتحمل مسئوليتها الآن وفوراً، وتصلح خطأها التاريخى، وتتخلى عن حالة السلبية وبث روح الانهزامية والتطرّف الدينى، وتقود المجتمع إلى الأمام.

التعليم والتفاؤل هما الحل.
نقلا عن الوطن

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com