العرب ينظرون إلى مملكة السويد كنموذج للدولة المتمدنة والراقية. وعلى رغم أنها ثالث أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي، إلا أنها نأت بنفسها عن ملفات المنطقة، وإن كانت لها مواقف مشرّفة من القضية الفلسطينية. هذه المملكة الباردة طقساً وسياسةً، سخّنت الخطاب السياسي السعودي الهادئ، وأجبرته على التخلي عن تقاليده الملكيّة المعتادة. دخلت المملكتان في أزمة تُهدِّد بقطع العلاقات بينهما بسبب انتقادات حادة، وجّهتها وزيرة الخارجية السويدية، مارغوت فالستروم، إلى سجل السعودية في مجال حقوق الإنسان، وطاولت النظام القضائي في المملكة.
الرياض ردّت على الانتقادات السويدية ببيان صدر عن مجلس الوزراء، أوضح أن «الإساءة إلى النظم القضائية والأنماط الثقافية والاجتماعية لمجرد اختلافها مع النمط السائد في دول أخرى، أمر يتعارض مع الأسس والمبادئ التي يقوم عليها المجتمع الدولي، وتنادي بضرورة احترام الأديان والتنوُّع الثقافي والاجتماعي للشعوب». ولوّح البيان بـ «مراجعة جدوى الاستمرار في الكثير من أوجه العلاقات مع السويد».
السعودية، مثل غيرها من دول المنطقة، لديها تجاوزات في مجال حقوق الإنسان، مثل قضايا العمال، والحقوق المدنية للمرأة، وحرية الرأي. لكنها، في السنوات الأخيرة، عالجت كثيراً من هذه الملفات. أصدرت أنظمة تحدّ من الإساءة الى العمال، وفعّلت تطبيق قانون العمل الذي يُعتبر بشهادة حقوقيين من أهم قوانين العمل في المنطقة، وأشرف على إعداده وصوغه شيخ الحقوقيين العرب الراحل عبدالرزاق السنهوري.
وخلال العقد الأخير سعت الدولة في شكل جدّي لمواكبة التطور الذي يشهده المجتمع، وهي تبنّت حزمة إجراءات وقرارات، حدّت من الوصاية المجتمعية والإدارية على المرأة، وساهمت في تخفيف سطوة الرجل، وشهد مناخ حرية التعبير انفراجاً وتطوراً غير مسبوقين. لهذا، فإن موقف السويد كان محمّلاً بنظرة استشراقية تجاه السعودية، فضلاً عن أنه لم يراعِ أن بعض القضايا التي شملها النقد، فرضته مبادئ دينية، وقيم ثقافية ومجتمعيّة. السويد أصدرت أحكاماً على نظام قضائي في دولة ذات سيادة، وتعاملت مع السعودية من خلال صورة ليست دقيقة في تفاصيلها، وغير صحيحة في مجملها.
السعودية تعترف بتقصيرها في قضايا حقوق الإنسان. وهي أنشأت مؤسستين للدفاع عنها، والمتابع للإجراءات التي تتخذها وزارات: الداخلية والعدل والعمل والتجارة، يدرك أن السعودية في سباق مع الزمن لإصلاح وتعديل قوانين وإجراءات، تجاوزتها رؤية المجتمع.
لا شك في أن السعودية تعاني صورة نمطية في كل أنحاء العالم. وهي أصبحت، مثل غيرها من الدول العربية والإسلامية، ضحية لمنظمات تصوغ بياناتها لأهداف سياسية.
الأكيد أن ما جرى بين السعودية والسويد، اختلط فيه الفهم السقيم بالتهوُّر. ومعالجة هذه الأزمة تحتاج من السويد إلى معاودة نظر في موقفها المستند إلى التعميم، وربما أدركت الرياض أنها لم تعتد معالجة خلافاتها عبر الإعلام.
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com