قبل ربع قرن تماما، في 17 يناير/كانون الثاني عام 1991، بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها عملية "عاصفة الصحراء"، تلك العملية التي هزت الشرق الأوسط بل والنظام الدولي بأسره.
قبل أن نخوض في سير هذه العملية العسكرية التاريخية، لا بد من أن نذكر بعض الأحداث التي سبقتها، ألا وهي الاحتلال العراقي للكويت، بما في ذلك الأسباب والعوامل التي دفعت الزعيم العراقي الراحل صدام حسين إلى هذه المغامرة.
مغازلة واشنطن لـ"رجلها القوي"
في عام 1988 انتهت الحرب الإيرانية العراقية التي دامت ثماني سنوات والتي حظى بغداد خلالها بدعم مالي سخي من قبل بعض دول الخليج وكذلك الولايات المتحدة.
منذ انتصار الثورة الإيرانية مطلع عام 1979، حرصت الولايات المتحدة التي أفقدها انهيار النظام الشاه أحد أكبر حلفائها في الشرق الأوسط، على "مغازلة" الزعيم العراقي على اعتباره "رجلا قويا" لأمريكا في المنطقة، قادرا على وقف زحف "عدوى التطرف" الناجم عن سياسات إيران الخمينية. ولا شك أن عزف واشنطن على أوتار طموحات صدام حسين الذي كان يحلم بمجد "زعيم العرب" لعب دورا لا يستهان به في نشوب الحرب الدامية بين العراق وإيران والتي درت بأرباح طائلة لجهات كثيرة، لا سيما تجار الأسلحة. وليس صدفة أن ثمانينيات القرن الماضي شهدت تدفق تكنولوجيات متطورة إلى العراق من دول غربية، بما في ذلك وسائل لتصنيع أسلحة الدمار الشامل.
تغاضت الولايات المتحدة المهتمة بهزيمة إيران بأي ثمن كان، عن سياسة صدام الداخلية، كاستخدام السلاح الكيميائي ضد العراقيين والإيرانيين، وقمع انتفاضات للأكراد شمالا والشيعة جنوبا، واضطهادات سياسية اخرى. من جهة أخرى كان الاتحاد السوفيتي يبيع أسلحة للعراق ويافظ على علاقات عسكرية وثيقة معه، متغاضيا هو الآخر، في سعيه وراء صفقات مربحة، عن تصفية الشيوعيين العراقيين من قبل نظام صدام حسين.
أما الممالك العربية الخليجية فمولت شراء العراق للأسلحة، إذ كان من مصلحتها الاستنزاف العسكري المتبادل لأقوى الدولتين في المنطقة.
"هروب إلى الأمام"
عام 1990 شهد الوضع الاقتصادي للعراق تدهورا حادا تحت عبء إنفاقه العسكري الهائل الذي "أكل" نحو ثلث ناتجه المحلي الإجمالي. في الوقت نفسه ظل مقرضو بغداد، لا سيما الدول العربية، وبينها الكويت، يطالبون العراق بسد ديونها لهم... ظروف تأزمت فيها علاقات بغداد مع دول الخليج بوتيرة سريعة على خلفية الانتقادات اللاذعة التي وجهتها بغداد لجيرانها العرب بسبب إنتاج النفط وانخفاض سعره. أما الكويت الذي كان العراقيون يعتبرونها أرضا عراقيا (على أساس أن هذا البلاد كانت في القرن التاسع عشر جزءا من ولاية البصرة ضمن أراضي الدولة العثمانية)، فشكلت في نظر صدام "مفتاحا" لحل مشكلة أسعار الذهب الأسود وتقليص المنافسة في أسواق النفط.
وكانت بغداد تتهم الكويت بالقيام بأعمال تنقيب غير مرخصة عن النفط في منطقة الرميلة الحدودية الخلافية بين البلدين. من جانبه اتهم الكويت العراق باحتلال مناطق حدودية من أراضيه وباستثمار غير شرعي لأحد حقول النفط الكويتية. تبادل اتهامات انتهى بفشل جهود الوساطة العربية مع انقطاع المفاوضات العراقية الكويتية في جدة في 1 أغسطس/آب عام 1990.
سوء الحساب
فجر 2 أغسطس/آب اجتاحت القوات العراقية (120 ألف جندي و350 دبابة) أراضي الكويت لتكمل احتلال البلاد بالكامل خلال يوم واحد فقط، والذي رافقه مقتل ما بين 4 آلاف و7 آلاف مواطن كويتي وأسر أو فقدان 12 ألفا منهم، إضافة إلى نهب ثروات البلاد.
صدام حسين أثناء الاجتياح العراقي للكويت في عام 1990
هناك فرضية تقول إن صدام حسين جازف بمغامرته الكويتية بسبب غموض موقف واشنطن، الأمر الذي أقنع الزعيم العراقي بأن الولايات المتحدة لن تتدخل. أما الاتحاد السوفيتي فكان مشغولا آنذاك بمشكلاته الداخلية، ناهيك عن أن تلك الفترة الزمنية بالذات شهدت تقاربا بين موسكو وواشنطن في كثير من المسارات.
مع أن الغزو العراقي للكويت شق العالم العربي، إلا أن معظم المجتمع الدولي دان تصرفات العراق. ومنذ 2 أغسطس/آب وحتى 29 نوفمير/تشرين ثاني 1990 تبنى مجلس الأمن الدولي 12 قرارا بشأن النزاع العراقي الكويتي، بما في ذلك قرارات فرضت حظرا على توريد أسلحة لبغداد وغيره من العقوبات الاقتصادية.
وسمح القرار رقم 678 من 29 نوفمبر باستخدام "جميع الوسائل اللازمة لإعادة السلام والأمن" إلى المنطقة وأمهل العراق مدة حتى 15 يناير/كانون ثاني من العام 1991 حتى يسحب قواته من الكويت.
على خلاف توقعات العراق، لم تتنح واشنطن جانبا في النزاع، فقد كانت الولايات المتحدة ترى في الكويت أحد أبرز الدول المصدرة للنفط الخام إلى السوق الأمريكية، إضافة إلى قلق واشنطن على أمن حليفتها العربية السعودية جراء الغزو العراقي المحتمل لأراضيها.
في سعيها إلى منع تدخل العراق في السعودية وغيرها من دول الخليج أرسلت الولايات المتحدة قواتها إلى المملكة وبدأت تشكيل ائتلاف متعدد الجنسيات لمواجهة بغداد.
منذ 7 أغسطس وحتى مطلع العام 1991 أسفرت عملية "درع الصحراء" عن حشد قوات أمريكية وفرنسية وبريطانية في المنطقة، وانضمت إلى الائتلاف حوالي 30 دولة، من بينها مصر وسوريا وممالك الخليج.
كانت موسكو تبذل جهود مستميتة لإقناع العراقيين بضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن من جهة، وإقناع الأمريكيين بالسماح لصدام حسين بالانسحاب من الكويت مع حفاظه على ماء الوجه. لكن هذه الجهود فشلت بسبب إصرار واشنطن على الانسحاب العراقي فورا وسعي بغداد إلى مماطلة هذه العملية، مع أن القيادة العراقية كانت تعي أن موسكو لا ترحب بمغامرة بغداد ولن تواجه واشنطن هذه المرة إذا أقدمت على التدخل العسكري.
"عاصفة الصحراء"
لقد بدأت عملية "عاصفة الصحراء" فجر 17 يناير/كانون ثاني عام 1991 عندما شرعت قوات التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة في قصف المواقع الحكومية والعسكرية والأمنية العراقية. وحاولت واشنطن وحلفاءها منع هروب القادة العراقيين وكذلك تحريك منظومات صاروخية باتجاه إسرائيل التي وجهت بغداد إليها 18 ضربة صاروخية، إلى جانب قيام العراق بقصف أراضي المملكة السعودية.
في 24 فبراير/شباط دخلت العملية مرحلتها الأرضية المسماة "سيف الصحراء"، وشاركت فيها قوات برية أمريكية وبريطانية وسعودية ومصرية وسورية. واستمرت أعمال القتال 100 ساعة حتى تحرير العاصمة الكويتية في 28 فبراير وانصياع العراق لمطالب مجلس الأمن الدولي. وفي 3 مارس/آذار وقع قادة عسكريون عراقيون وقيادة التحالف وثائق تحدد نظام وقف إطلاق النار، لتستعيد الكويت بذلك سيادتها بالكامل.
قوات متعددة الجنسيات أثناء عملية "عاصفة الصحراء"
وراح ضحية العملية العسكرية، حسب تقديرات، من 30 ألفا إلى 150 ألف مواطن عراقي، إضافة إلى إلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية العراقية ودمار عدد كبير من المواقع الصناعية والمنشآت النفطية. أما قوات التحالف الدولي، فقالت قيادته إن خسائره بلغت 340 شخصا، بينهم 293 عسكريا أمريكيا، و52 طائرة حربية و23 مروحية. هذا وبلغت تكاليف الحرب بالنسبة للولايات المتحدة 61 مليار دولار.
خصائص العملية
لقد كانت لهذه العملية خصائص عدة، ومن أبرزها ما يلي:
- كانت عملية "العاصفة في الصحراء" هي أول نزاع دولي منذ انتهاء الحرب الباردة.
- كانت المرة الأولى التي لم تختلف فيها مواقف موسكو وواشنطن من الأحداث في بلد ثالث اختلافا جذريا.
- نجح مجلس الأمن وللمرة الأولى في أداء وظيفة أنشئ من أجلها، ألا وهي حفظ السلام والأمن الدوليين أو إعادتهما، بما في ذلك باستخدام القوة.
- كانت "العاصفة في الصحراء" أول تجربة لتشكيل قوات متعددة الجنسيات.
- كانت أول عملية عسكرية شارك فيها العرب إلى جانب القوات الدولية ضد دولة عربية أخرى، فيما وجدت إسرائيل نفسها "في خندق واحد" مع عدد من الدول العربية.
ومنذ العام 1991 وحتى 2003، كان المجتمع الدولي يحاول إيجاد حلول وسط مع العراق تارة، ويمارس ضغطا شديدا على نظام صدام حسين تارة أخرى، كما كانت هناك فضائح مالية مدوية مرتبطة ببرنامج "النفط مقابل الغذاء"، الذي أنشأته الأمم المتحدة في عام 1995 من أجل مساعدة السكان العراقيين، والذي لم يغير الوضع البائس لمعظم العراقيين الذين وجدوا أنفسهم على حافة الفقر.
وفي عام 2003 أكمل الرئيس الأمريكي الجديد جورج بوش الابن ما لم يفعله والده عام 1991، وهو إسقاط نظام صدام حسين جراء الغزو الأمريكي للعراق. وهذه المرة تصرفت واشنطن من دون موافقة مجلس الأمن، وغرق العراق بعد ذلك في الفوضى لمدة 12 عاما، عاشت البلاد خلالها حربا أهلية واستيلاء تنظيمي "القاعدة" و"الدولة الإسلامية" الإرهابيين على مناطق شاسعة من أراضيها.
العالم بعد "العاصفة"
لقد جاءت "عاصفة الصحراء" كرمز لفرض "نظام القطب الواحد" في العلاقات الدولية، فعلى مدار السنوات العشر بعدها لم تحظ روسيا بأي نفوذ يذكر بالنسبة للأوضاع في الشرق الأوسط. وإذا كانت موسكو بدأت في "عودتها" إلى هذه المنطقة في السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، إلا أنها لم تقف بحزم ضد سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط إلا في عام 2013، وسط استعدادات واشنطن للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد.
لقد رأينا في السنوات الأخيرة محاولات عديدة لاستخدام آليات سياسية جُربت أثناء عملية "عاصفة الصحراء"، مثل تشكيل قوات متعددة الجنسيات والتطلع إلى الحصول على موافقة مجلس الأمن على تدخلات عسكرية. لكن المجتمع الدولي لم ينجح بعد في بلورة حل مثالي لتسوية الأزمات، ولم يستوعب الدرس الرئيسي لهذه العملية التاريخية والذي يؤكد أن النصر العسكري لا يؤدي بالضرورة إلى سلام واستقرار.
بالتالي فيمكن القول إن "عاصفة الصحراء" التي بدأت قبل 25 عاما لم تهدأ إلى حد الآن.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com