تحت عنوان التعايش في زمن الأزمات نظمت جماعة سانت إيجيديو الإيطالية مؤتمرا كبيرا بمدينة برشلونة الإسبانية
في بداية هذا الشهر جمع ممثلين عن الأديان ومجموعة من كبار المثقفين والمفكرين من جميع أنحاء العالم وهو الاجتماع السنوي الخامس والعشرون الذي تعقده الجماعة من أجل مد جسور الحوار والتفاهم بين أبناء الديانات المختلفة في العالم.
وقبل أن أتحدث عن المؤتمر الذي سعدت بحضوره لا بد من كلمة عن جماعة سانت إيجيديو التي تأسست في روما عام1968 ويكاد لا يعرفها أحد في مصر. وأعتقد بعد ما شاهدت وسمعت أننا الآن أحوج ما نكون إلي جماعة مماثلة عندنا في هذا الزمن الذي يتعرض فيه العالم العربي والإسلامي لصورة سلبية ترسمها وسائل الإعلام الغربية لكننا نشارك مشاركة نشطة في دعمها.
وجماعة سانت إيجديو هي جماعة مسيحية لكن نشاطها بعيد تماما عن الدين بمعناه اللاهوتي وهي مستقلة عن الفاتيكان وعن أي كنيسة ولا تتكون من رجال دين. وعلي عكس جماعات أخري فأعضاؤها لا يؤذون ولا يضربون من لا ينفذ تعاليم الديانة المسيحية ولا يستخدمون لغة التهديد والتخويف باسم ربهم. فأهداف جماعة سانت إيجيديو واضحة ومحددة منذ بداية نشأتها وتقوم علي تأدية رسالة اجتماعية وثقافية وتنموية دون التفرقة بين أبناء الأديان المختلفة, كما تسعي لأن تلعب دورا في تهدئة المنازعات والتوترات السياسية وكان أشهر نجاحاتها في هذا المجال إنهاء الحرب الأهلية الدامية في موزمبيق وتوقيع اتفاقية مصالحة بين الأطراف المتحاربة هناك في عام1992.
لكن المهمة الأساسية الملموسة لجماعة سانت إيجيديو تخفيف المعاناة عن الفقراء والمحتاجين ومساندة قضايا إنسانية تتعدي الخطوط الفاصلة بين الأديان وتؤدي إلي التقريب بين أبناء البشرية. وقد ساهمت سانت إيجيديو بجهود كبيرة في مقاومة مرض الإيدز كما تلعب دورا في دعم التعليم الابتدائي في دول العالم الثالث وبناء المستشفيات وتوفير الطعام والدواء لمن يحتاجه.
ومن أهم القضايا الإنسانية التي تتبناها سانت إيجيدو هي إلغاء عقوبة الإعدام. ومعروف أن أكثر من70% من دول العالم قاموا بالفعل بإلغاء الإعدام أو بوقف تنفيذه تماما.
وكانت من أبرز فعاليات مؤتمر برشلونة ندوة خاصة بموضوع الإعدام كان عنوانها لا عدالة بغير حياة ألقيت فيها كلمة عن التطور التاريخي لمفهوم العدالة من الانتقام إلي العقاب إلي الإصلاح.
وقد توافد علي برشلونة نحو ألفي عضو من الجماعة حضروا من مقرها الرئيسي وهو روما أو من دول أخري كثيرة من أجل المشاركة في المؤتمر. وقد فوجئت بأن كل الحاضرين من أعضاء الجماعة قد تكفلوا بتذاكر سفرهم ومصاريف إقامتهم. فالجماعة تقوم علي العمل التطوعي ولا يستنكف أعضاؤها القيام بأي عمل يتم تكليفهم به مع أن معظمهم من الكوادر العليا بإيطاليا ومنهم الطبيب الكبير وأستاذ الجامعة ومهندس الكومبيوتر علي سبيل المثال.
وللأسف أن ثقافة العمل التطوعي التي تستلزم التجرد ونكران الذات لم تعد موجودة عندنا حيث حلت مكانها ثقافة الاستفادة الشخصية وتحقيق المصالح بدعوي الخدمة العامة.
وأملي أن تتكون عندنا جماعة مستقلة لا تتحدث في الدين نظرا لأن العمل أكثر إقناعا وأكثر بلاغة من الحديث والشعارات, وأن تضع هذه الجماعة لنفسها أهدافا سامية مثل الحوار مع أبناء الديانات الأخري ومحاربة الفقر ومقاومة المرض ودعم التعليم المدني في مصر وغير ذلك من المهام التي يحتاجها المجتمع وأن تقوم هذه الجماعة علي مبدأ العمل التطوعي وهو مبدأ أصيل من مباديء الإسلام, لكن الغالبية الآن تكتفي بإطلاق الشعارات الدينية والحديث عن الدين كبديل عن العمل الحقيقي لخدمة المجتمع.
وأعجبتني كلمة وزير الأوقاف الدكتور حمدي زقزوق بالجلسة الافتتاحية للمؤتمر لأنها تميزت بإعلاء صوت العقل والمصلحة العامة للشعوب علي مفاهيم الفرقة والتعصب. ويبدو أنه كان يجيب علي رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير الذي قال مؤخرا إنه لو قام بعض المسلمين بإحراق التوراة أو الانجيل فإن ذلك لن يثير ضجة في العالم الغربي.. وذلك في إشارة إلي ردود الأفعال الغاضبة التي اجتاحت العالم الإسلامي عندما أعلن قس أمريكي موتور أنه ينوي حرق نسخ من القرآن الكريم بمناسبة ذكري11 سبتمبر2001.
والمعني المبطن لملاحظة بلير, وهو رجل معروف بتحامله علي العرب والمسلمين, هو أن العالم الغربي أكثر عقلانية وأكثر تسامحا من العالم الإسلامي.
وكان رد د. زقزوق غير المباشر علي فرضية توني بلير ردا مقنعا عندما قال في كلمته إنه لا يمكن أن يخطر علي بال أي مسلم في العالم حرق التوراة أو الإنجيل لسبب بسيط وهو أنه يعتبرها كتبا سماوية يحترمها ويجلها.
كما شارك من مصر الدكتور محمود عزب مستشار شيخ الأزهر الجديد لحوار الأديان وهو اختيار ممتاز لهذا المنصب. وقد أكد في كلمته بالندوة ترحيب الأزهر الشريف بالحوار علي أساس الاحترام المتبادل وعدم التطرق إلي العقائد بل التركيز علي القيم المشتركة التي تؤمن بها الإنسانية كلها, وذلك علي أساس أن الحوار مع غير المسلم هو جزء من تعاليم الإسلام.
وفي كل الندوات التي حضرتها لمست أن هناك رغبة حقيقية للحوار من كافة الأطراف, وهذا تطور إيجابي وسط خضم الأمواج العاتية التي يواجهها العالم. لكن الأهم من ذلك ألا يظل الحوار في الحجرات المغلقة بين العلماء والمثقفين بل يجب أن تقتنع به القاعدة العريضة من أبناء الشعوب التي أصبحت تتربص ببعضها وتتبادل الاتهامات وتجنح إلي المواجهة والصراع بدلا من اللجوء إلي التفاهم والتحاور بغير قناعات سلبية مسبقة إزاء الآخر.
وإذا كنا جادين في المشاركة في حوار فعال بين الأديان والحضارات فإنه لا بد من غرس تلك الأفكار في وجدان الأجيال الصاعدة.
لذلك فإنني أقترح إدخال مادة جديدة في جميع مدارسنا منذ المرحلة الابتدائية وهي حوار الأديان. فالتعصب ينشأ في عقل الطفل منذ نعومة أظافره ولذا لا بد من مقاومته ومحاولة استئصاله من المنبع أي منذ المراحل الدراسية الأولي. وتلاميذ المدارس في غالبية الدول الغربية يدرسون عن الإسلام كدين وحضارة. فلماذا لا يدرس أطفالنا أبرز تعاليم الديانة المسيحية واليهودية, وهي ديانات يعترف بها كل مسلم ومذكورة في القرآن الكريم؟
نقلاً عن الاهرام
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com