بقلم: هند مختار
"إنني أفعل ما أقول..وأخطط قبل أن أتكلم.. إنني أخطط للمعركة من أجل النجاح.. ولكي يصعب على المعتدي أن ينال مني.. إنني أفكر في كل شيء.. في الزوجات والأطفال الذين تركناهم ونحن في ساحة المعركة.. إنني أحارب ولكن برفق ورحمة.. إنني أعتدي فقط عندما يـُعتدى عليّ.. وأسالم مَن يطلب مني السلام".
من أقوال جندي مصري في العهد الفرعوني.
ومن الشخصيات التي لن تنسى في تاريخ العسكرية المصرية الحديثة شخصية "محمد عبد العاطي شرف"، والشهير بـ"عبد العاطي صائد الدبابات".
وُلد "محمد عبد العاطي" في قرية "شيبة قش" التابعة لمركز "منيا القمح" بمحافظة "الشرقية"، في يوم 15 نوفمبر سنة 1950، وكان ترتيبه الرابع بين إخوته الأشقاء "عبد الحميد"، و"عطية"، و"،فاطمة"، وله أخت غير شقية اسمها "حميدة".
كان والده قد نال قسطـًا من التعليم؛ فبدأ في تعليم "محمد" مباديء القراءة والكتابة وبعض آيات القرآن الكريم.
ثم بعد ذلك التحق بالمدرسة الابتدائية، وأبدى "محمد" تفوقـًا واهتمامـًا بالدراسة والتعليم، كان والده يتمتع بصحة جيدة، ولكنه احتاج لعمل عملية البواسير، فذهب ليجريها في "قصر العيني" بـ"القاهرة"، ولكنه لم يعد بل توفي أثناء إجرائها، وكان هذا في يناير سنة 1960، تعثرت أحوال الأسرة المادية لفترة، لكنها عادت للتحسن بعد زواج الأخت وعمل الولدين في شركة البترول في "السويس"، وبدئا في إرسال النقود للأسرة.
كان "محمد عبد العاطي" مغرمـًا بلعب الكرة وتنظيم سباقات الجري هو وأصدقائه، والتي غالبـًا ما كان يفوز بها حتى وإن تحداه أصدقاء أكبر منه سنـًا.
كان يحب أيضـًا السباحة وتعلمها في ترعة القرية، وكالعادة أصيب بالبلهارسيا لعنة الريف المصري، ولكنه عولج من هذا المرض في الجيش، وكانت من هواياته والتي أفادته جدًا فيما بعد؛ هي التصويب على الأهداف المختلفة؛ مثل الشجر وأوراق الشجر واللافتات المعدنية، وكان التصويب بقطع الطوب.
كان على الرغم من شقاوته الدائمة متفوقـًا في الدراسة، فنجح وحصل على الابتدائية، وانتقل إلى الإعدادية والتي كان يذهب إليها على ظهر الحمار لبعدها عن قريته بمسافة سبعة كيلو مترات، وكان (يركن) الحمار في إحدى الوكالات المخصصة لذلك نظير أجر يومي، وفي المدرسة الإعدادية ظل مهتمـًا بلعب الكرة، حيث قام هو وزملاؤه بعمل ملعب في إحدى برك المياه الراكدة، بأن مر على البيوت طالبـًا من كل منزل أن يتطوع بنقلة تراب في موقع البركة التي مع الوقت اختفت وأصبحت ملعبـًًا كبيرًا وملحقـًا بها ملاعب فرعية.
اشتهر هذا الفريق، حيث كان يحصل على البطولات في المنافسات التي كانت تقام بين المحافظات.
لم تنسه الكرة أو المدرسة أن يقوم بواجباته نحو أرضه ومواشيه، حيث كان يواليها بالاهتمام، حصل "عبد العاطي" على مجموع 83% في الإعدادية والتحق بالثانوية الزراعية، وكانت مكافأة أخيه له دراجة يذهب بها للمدرسة.
ظهرت بوادر القيادة على "محمد عبد العاطي" وهو في الثانوي، حيث كان في المدرسة مدرس الكيمياء الذي اشتهر بالقسوة على الطلبة، وبعد أن ضربهم بقسوة في أحد الأيام، اقترح "محمد" على زملائه ألا يحضروا له أية حصة بعد ذلك، وبالفعل الحصة التالية جاءت ولم يجد المدرس أحدًا فيها، وتحاور المدرس مع الطالب "محمد عبد العاطي"، وقال له في النهاية إنه لن يضربهم ثانية، وتحسنت العلاقة بينهم وبين المدرس.
في أثناء الدراسة الثانوية جاءت هزيمة 67، وملأت المرارة الجميع بما فيهم "عبد العاطي"، والذي حصل على الثانوية الزراعية بمجموع كبير يؤهله للالتحاق بكلية الزراعة أو المعهد الزراعي، ولكنه فضل العمل لتحمل أعباء نفسه وتخفيف العبء عن إخوته.
ولم تمض شهور قليلة حتى اُستدعي للتجنيد، والتحق بسبب جسده الرياضي بقوات الصاعقة.
وبعد انتهاء التدريب الأساسي انتقل إلى جناح الصواريخ التخصصي بمركز التدريب، وتم تشكيل خمس كتائب صواريخ مضادة للدبابات، وكان دور "عبد العاطي" في الطاقم هو توجيه الصواريخ، والمطلوب من زملائه إعداد الصواريخ وتجهيزها للإطلاق، وقد أظهر "عبد العاطي" تفوقـًا كبيرًا في جميع المهام المطلوبة منه والتدريبات، حتى أن أثنى عليه الخبراء الروس، وعند هذ الحد من التدريب تم عمل مسابقة بين الكتائب الخمس لمعرفة الكفاءة ودرجة الإجادة التي وصلت لها الكتائب، وحصلت كتيبة "عبد العاطي" -الكتيبة 35 مقذوفات موجهة 3/د مضادة للدبابات من طراز المالوتيكا- على المركز الأول.
كان مع التدريب العسكري تدريب للياقة للجندي، وقد تفوق فيه "عبد العاطي"؛ خاصة الجري وكرة القدم.
ولقد قام رئيس أركان القوات المسلحة آنذاك اللواء "صادق"، بعدما شاهد مهارة "عبد العاطي" في التدريبات؛ بترقيته من رقيب إلى درجة وكيل رقيب أول مجند، ومنحة مكافأة ثلاث شهور.
من ضمن التدريبات الشاقة التي أداها "عبد العاطي" إطلاق "الصاروخ فهد" المضاد للدبابات، وذلك في إحدى تدريبات الرماية الليلية على ضوء الطلقات المضيئة لمدفعية الهاون، وكان الجو شتاءًا، وسرعة الرياح عالية جدًا، وحاول "عبد العاطي" أن يشرح للقادة أن سرعة الرياح عالية جدًا ولكن القادة أفهموه أنها سرعة عادية، وامتثل للأمر، وبعد محاولات شاقة استطاع أن يصيب الهدف، وبعد ذلك أخبره القادة أنه صنع معجزة؛ فقد كانت السرعة 25 كيلو مترًا في الساعة، أي ضعف السرعة المسموح بها، وقد حصل على مكافآت مادية وعينيه.
وفي عام 1972، وأثناء أحد المشاريع الخاصة بالرماية حقق "عبد العاطي" المركز الأول لكتيبته على الكتائب الخمس، ونتيجة لمهارته التدريبية أعطى قائد الكتيبة المقدم "أحمد عبد الجابر" أوامره بمعاملة الرقيب أول "محمد عبد العاطي" معاملة الضباط، بحيث يكون تحت الإشراف المباشر لقائد الكتيبة.
وأثناء ملحمة العبور استطاع "عبد العاطي" أن يقوم بمفرده بتدمير 23 "دبابة باتون وسانتورين وشيرمان"، وثلاث مدرعات مجنزرة، واستحق أن يحصل على وسام "نجمة سيناء"، ووسام الشجاعة الليبي، واستحق معهم لقب "عبد العاطي صائد الدبابات".
ولقد تزوج "عبد العاطي" من إبنة عمه، والتي خطبها أثناء الخدمة العسكرية، وأنجب منها ثلاث أبناء وإبنة واحدة، وترك الخدمة العسكرية في 1 سبتمبر سنة 1974، ولقد كـُرم على كل المستويات الرسمية والمحلية، وظل بعد الحرب يعمل مهندسـًا زراعيـًا رئيس قسم التقاوي بالوحدة الزراعية بـ"منيا القمح" حتى وفاته في 9 ديسمبر 2001م.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com