بقلم: القمص أفرايم الأورشليمي
"لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر، وأرسل المنسحقين في الحرية. (لو18:4)..
إعلان رسالة الله علي الأرض.
أول عظة بدأ بها السيد المسيح له المجد خدمته، كانت فى مجمع الناصرة، واقتبس عنوانها من سفر "إشعياء"، مشيرًا إلي أن هذا النبي الذى سبق التجسد الإلهي بنحو سبعمائة عام، قد تنبأ عن مجئ المسيح الفادي ورسالته الخلاصية "و جاء إلى الناصرة حيث كان قد تربّى ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت وقام ليقرأ؛ فدُفع إليه سفر إشعياء النبي، ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوبًا فيه روح الرب عليّ لانه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر، وأرسل المنسحقين في الحرية. وأكرز بسنة الرب المقبولة. ثم طوى السفر وسلَّمه إلى الخادم وجلس. وجميع الذين في المجمع كانت عيونهم شاخصة إليه. فابتدأ يقول لهم إنه اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم" (لو16:4-21).
نعم يا أحبائي، فمسيحنا القدوس جاء مخلصًا الناس من العبودية لإبليس وللخطية والظلم والموت. جاء ليبشر المساكين الذين تخلَّي عنهم الكثيرون، واعتبروهم فقراء ورعاع الأرض، وليعلن لنا أن كل نفس عزيزة أمام الرب فلتكن عزيزة في أعيننا أيضًا. جاء المسيح ليشفي منكسري القلوب.. وكم من قلوب كثيرة منكسرة بالكأبة والمرض والخطية والظلم.
جاء ليفتح عيون العمي الذين يظنون إنهم القيمين علي أمور الحياة والدين، ونسوا ان الله محبة. وهذه هي جوهر رسالة كل إنسان يريد أن يسير علي خُطى يسوع المخلص والمحرر وتعاليمه الإلهية.
المسيح محررنا: كان العالم منذ التجسد الإلهي ومازال إلي الآن، يموج بأصناف العبودية والظلم. ولهؤلاء يعلن الرب أنه المُحرِّر الحقيقي.
كان أسرى الحروب عادة ما ينالون قسوة فى المعاملة من أسراهم، ويصلبون ويقتلون ويساقون إلي ساحات النصر مقيَّدين لاذلالهم. وربما مع الرحمة يظلون فى غياهب السجون أعوامًا قد تمتد لعدة سنوات يعانون فيها من مرارة الأسر. وللآن نري العديد من الأسري نتيجة الظلم الواقع من الإنسان علي أخيه نتيجة عدم حرية العقيدة والاضطهاد الواقع علي الأقليات، لاسيما في العالم الثالث، وسط أجواء الصراع الديني والتعصب الأعمي. ونري المضطهدين من أجل الاختلاف في الرأي أو الجنس أو العرق.
ورغم تجريم القانون الدولي والإقليمي والمحلي للظلم والتمييز وسوء معامله الأسري، إلا أنه شتَّان بين الواقع والقوانين!! ومن أجل هذا نصلي ونطلبُ ليفتح الله عيون العمي ويستنيروا. وليعطي الله القادة والمسئولين الحكمة والقوة لإقرار السلام الدائم والشامل والعادل، ورفع الظلم، وتطبيق قواعد العدالة والمساواة بين جميع المواطنين.
إلي كل هؤلاء جاء رجل الأوجاع "لكن أحزاننا حملها، وأوجاعنا تحملها، ونحن حسبناه مصابًا مضروبًا من الله ومذلولاً. وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا، تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا. كلنا كغنم ضللنا، ملنا كل واحد إلى طريقه، والرب وضع عليه اثم جميعنا" (أش 4:53-6).
جاء الرب ليقول لنا: ظُُلمت وأنا البرئ، واحتملت وأنا المبرئ المذنبين "لأنه في ما هو قد تألم مجربًا يقدر أن يعين المجربين" (عب 2 : 18).
لقد قام الرب من الأموات لكي ما يقيم ويبشر المظلومين أن الظلم له نهاية.. وما عمل كل المنظمات الحقوقية والمواقع علي شبكة النت وغيرها من الوسائل التي تدافع عن حقوق الأقليات والمظلومين، إلا مواصلة لعمل المسيح الخلاصي المحرِّر.
أسرى الخطية والعادات الشريرة
إدمان المكيفات، والخمر، والتدخين، والدنس، وكل العادات الشريرة، والطمع، والشهوات.. كلها توقع الإنسان في عبودية بغيضة تذل الإنسان. وقد قال القديس "اغسطينوس": "إن عبد الشهوة أذل من عبد الرق". علينا أن نشعر بكل هؤلاء مع المسيح الرب الرحوم، وبحالاتهم الصحية والنفسية والمادية البائسة، ونسعى لخلاصهم وعلاجهم روحيًا وصحيًا، ونرشدهم للمختصين إذا احتاجوا للعلاج الطبي، فربما يكون موتهم فى شبابهم بسبب ما هم فيه (جا 7 : 17). ولقد جاء الرب ليعطي القوة والنعمة والحكمة لكل هؤلاء.
نعم جاء لتكون لنا حياة وليكون لنا ملء الحياة الفاضلة الكريمة. إننا لن نحيا إلا حياة واحدة وحيدة، فلماذا نهدر حياتنا ووزناتنا وطاقاتنا وامكانياتنا فيما يضر؟ ونحيا نعاني المرارة ونخسر أبديتنا؟!! إن المسيح له المجد يدعو كل نفس للتحرر من قيود العادات الضارة والمهلكة، ويريد لنا أن نتغير ونغير حياتنا، ونعرف إرادته الصالحة المرضية ونعمل بها. إن التوبة تعني الرجوع إلي الله والحياة المقامة في المسيح يسوع القائم منتصرًا علي الشيطان والخطية والضعف، والقادر أن يحرِّر الخطاة ويعطيهم قوة القيامة والانتصار علي الشر.
أسرى الفكر
وهو تقييد الفكر، إما بالتعصب المقيت، أو التعلق بأفكار خُرافية مثل تصديق أثر العين، والسحر، والحظ، والتشاؤم بأمور مُعينة، والجن والعفاريت؛ أو أن يفكِّر الإنسان فقط في الأرضيات وينسي الله والحياة الروحية، أو أن يتعصب الإنسان لفكرة أو لبني جلدته أو دينه، أو يحيا الإنسان لنفسه في أنانية مفرطة حتي داخل الأسرة الواحدة، ويحيا متغربًا عن إخوته غير مشارك لهم همومهم وأفراحهم.. إلخ.
دور الرب يسوع فى تحرير الخطاة
إن الإيمان بالله والإتحاد به والشركة معه، يقوي الإنسان ويجعل منه قلعة حصينة ضد كل قوي الشر ويحرره "كل شيء مستطاع للمؤمن" (مر 9: 23). وهذا هو سر التغيير والتحرر في حياة "شاول" الطرسوسي ليصبح القديس "بولس الرسول" "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (في 4 : 13).
السيد المسيح له المجد يُحرّر النفوس من العادات القاتلة للنفس والمهلكة للجسد، ويقوينا بوسائط النعمة– لكسر قيود الفساد- وهذا ما نراه في حياة "أغسطينوس"، و"موسى الأسود"، و"بيلاجية"، و"مريم المصرية".
هو هو أمس واليوم وإلي الأبد، يمد يده لكل نفس مكبَّلة بسلاسل الدنس، ومرتبطة بعبودية الخطية، والتى تحاول عبثًا الإتكال على ذاتها وحدها فلا تستطيع الفكاك منها. بينما يناديها الرب لتأتى إليه ليكسر لها قيودها، ويحرِّرها من عبودية الخطية، ومن أي عادة ردية تجلب الهموم والعار والفقر والمرض الشديد والموت المفاجئ.
وهذه دعوة لكل إنسان للتحرر من سجن الخطية والشهوات العالمية، ولكى يُقبل الجميع إلى حرية مجد أولاد الله. إننا لابد أن نسير علي خُطي المخلص الذي يجول يصنع خيرًا ويشفي كل مرض وضعف في الشعب.
ليكن كل واحد منا سفير سلام ونوايا حسنة وسط ظلمة هذا العالم. لنكون رائحة المسيح الذكية التي يشتم منها الآخرون قوة المحبة والبذل والعطاء.. لنكون سفراء لمملكة السماء نطلب عن المسيح له المجد من الناس أن يتصالحوا مع أنفسهم وإخوتهم والله.. لنصلي: استخدمنا يارب لسلامك، واجعلنا أوان مقدسة لحلولك لنزرع المحبة ونشعل نور الايمان في القلوب.. ندعو في الناس بالتوبة؛ فقد اقترب ملكوتك نعلن بشري الخلاص للمقيَّدين، ورسالة الحرية للخطاة. نختفي ويظهر مجدك أيها الإله المحب للبشر ليختفي الظلم ويعلن حبك وعدلك ورحمتك.
إلهي إننا نصلي من أجل العالم الحزين ليفرح، والمريض ليُشفي، والخاطي لكي يتوب ويرجع إليك.. وأنت ضابط الكل؛ فأعمل في الجميع ليخلصوا، وإلي حضنك ليرجعوا؛ فيفرح الزارع والحاصد، ويُستعلن حبك ومجدك لكل بشر.. آمين.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com