بقلم منير بشاى
المسلمون يرددون عبارة "الله اكبر" والمسيحيون يرددون عبارة "المجد لله". التعبيران متشابهان فى دلالتهما وهو تكبير وتمجيد الذات الالهية. و كلاهما يعبران عن معنى سامى وهو الاعتراف بعظمة الله وقدرته. والانسان بترديده "الله اكبر" من المفروض انه يقدّم الحمد لله على احساناته ويعترف بفضله. ولكن للاسف استطاع بعض الناس ان يحوّلوا ما بالمفهوم من سمو المعنى وجمال المقصد الى عكس هذا تماما.
وصلنى مؤخرا فيديو عن مزاد علنى لبيع الاسيرات قامت به منظمة داعش فى فناء احد الابنية. كانت عشرات الفتيات واقفات ينتظرن دورهن. وكان داعشى يقوم بعرض بضاعته بينما يقف دواعش اخرى على مسافات متباينة ويطل بعضهم من فوق الشرفات وهم يصوبون بنادقهم الى حيث يقام المزاد. وياتون بكل فتاة على حدة ويتنافس التجار بتقديم أعلى سعر الى ان يفوز احدهم بسلعته فيقودها كما تقاد الماشية بينما تصرخ الفتاة فى ذعر لما ينتظرها من مصير. ولكن الملفت للنظر ان الداعشى قائد المزاد كان من وقت لآخر يصرخ مرددا "تكبير" فينطلق كل الدواعش صارخين بصوت واحد "الله اكبر". كان صوتهم مدويا يكاد يهز المبنى. ويبدو ان الهدف كان اضفاء المزيد من الذعر على المشهد لتمكينهم من اتمام مهمتهم.
وشخصيا لا افهم كيف يكبّرون الله بينما يغتالون آدمية بعض البشر ممن خلقهم الله على صورته؟ ولا افهم كيف يستطيعوا ان يقوموا بعد ذلك بالوضوء ثم الصلاة بخشوع مصطنع مرددين فى صلواتهم نفس العبارة "الله اكبر"؟ هل فقدوا الحس تماما فاعتقدوا انه فى اعمالهم هذه يخدمون الله عندما يقهرون فتيات لا حول لهن ولا قوة؟ الغريب ان الفتيات الاسيرات كانت مكشوفة الوجه بينما الدواعش الاوغاد الجبناء كانوا يغطون وجوههم وراء ما يشبه نقاب النساء خوفا من ان يتم التعرّف عليهم فيصبحوا هدفا للملاحقة فى يوم من الايام!
ولكن ما يثير التعجب هو كيف اصبحت عبارة "الله اكبر" ذات الطابع الروحى، والتى تتجه نحو الله بالحب والخشوع، كيف اصبحت هذه العبارة العلامة التجارية المميزة للتعبير عن الارهاب والدموية؟ اصبحنا نسمع هذه العبارة عند ذبح البشر وتفجير الابرياء وتدمير المدارس والمستشفيات واستخدام الطفل الرضيع كقنبلة زمنية يقطع فيها الى اشلاء مع غيره من الناس الذين لم يرفعوا سلاحا فى وجه انسان.
الحوادث المريعة التى تتم بعد ترديد "الله اكبر" اصبحت لا تقع تحت حصر. ومنها على سبيل المثال ما حدث فى فرنسا فى ديسمبر 2014 حيث صدم سائق فى الاربعينات من عمره 11 من المارة الفرنسيين فى مدينة ديجون الفرنسية وهو يهتف "الله اكبر" وكان السائق قد استهدف الضحايا فى عدد من المناطق. وبعد القبض عليه قال انه قام بذلك من اجل اطفال فلسطين. فهل الضحايا اساءوا الى اطفال فلسطين؟ وهل هذا العمل افاد اطفال فلسطين؟
بل ان استخدام هذا الشعار لتبرير القتل لم يعد يستهدف غير المسلمين وحدهم بل تعداه للمسلمين انفسهم ممن يختلفون فى المذهب او التوجه السياسى. قيل ان الصحفيين من مراسلى قناة الجزيرة رددوا شعار "الله اكبر" بعد اشتراكهم فى هجوم ارهابى على الجيش المصرى بسيناء فى اوائل يناير 2015. وقد تناول عدد من رواد موقع التواصل الاجتماعى مقطع فيديو بثته فضائية الجزيرة يظهر فيه مراسلوا القناة القطرية وهم يرددون عبارة الله اكبر فور الهجوم بالصواريخ والتفجيرات التى استهدفت الاكمنة والارتكازات الامنية المصرية فى شرق سيناء.
هذه العلاقة بين تعبير "الله اكبر" والارهاب اصبحت تقلق الكثيرين من المسلمين المعتدلين. وقد اعرب الاعلامى (نيشان) عن استيائه من دمج عبارة "الله أكبر" بالارهاب. وقال فى تدوينة له عبر حسابه على تويتر إن "الله اكبر لا ترمز الى الارهاب بل هى عبارة يناجى بها المؤمن ربه".
وبالاضافة الى مناجاة الله والتسبيح بحمده، فعبارة "الله اكبر" تعطى الضعيف فرصة الاحتماء بالله الكلى القدرة. وبها يستطيع المظلوم ان يستلهم العون من الله ضد المعتدى. وهذا ما يقوله نشيد "الله اكبر" من ستينات القرن الماضى:
الله أكبر فوق كيد المعتدى
فالله للمظلوم خير مؤيد
انا باليقين وبالسلاح ساقتدى
بلدى ونور الحق يسطع فى يدى
يا هذه الدنيا اطلى واسمعى
جيش الاعادى جاء يبغى مصرعى
بالحق سوف ارده وبمدفعى
الهدف من عبارة "الله أكبر" ان تكون اداة لمناجاة الله وتمجيد اسمه واستدعاء معونته ضد الظالمين. ولكن هذا قد تغيّر عند بعض الناس لدرجة انك اذا كنت تأكل فى مطعم او تشاهد عرضا فى مسرح او تتمتع بمباراة للكرة فى استاد، ودخل فجأة من يصرخ "الله اكبر" فلن تفترض حسن نيته، ولكنك ستسقط فورا الى الارض، وتحاول ان تختبىء وراء ساتر وانت تردد "يارب استر". ترى اى اله تستنجد به لانقاذك؟ واى اله يستعدونه ضدك حتى يقتلوك؟
هذه الكائنات غير الآدمية الذين يرددون "الله اكبر" بينما يذبحون البشر ويحرقون الناس احياء، ويفجرون الكنائس والبيوت، ويبيعون ويشترون فى خلائق الله، ويدمرون الحضارة والتاريخ، وهم يظنون انهم بذلك يعلون من الله! فئة ضالة ومضللة، ولن ينجوا من قضاء الله، فسيأتى يوم فيه يتجرعون نفس الكأس الذى اذاقوه لضحاياهم، وبالكيل الذى به كالوا سيكال لهم ويزاد.
Mounir.bishay@sbcglobal.net
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com