ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

رحيل مُؤرِّخ وعالِم قبطي

القمص. أثناسيوس فهمي جورج | 2010-10-29 12:57:17

بقلم: القمص أثناسيوس ﭼورﭺ
نستودع اليوم بين يدي الخالق القدير نفس المؤرخ القبطي سمير فوزي جرجس الذي مات موت الأبرار وكانت آخرته كآخرتهم.... نهنئه بسلامة الوصول إلى بيته الأبدي٬ مع كل بني الملكوت حيث الوطن السماوي الأفضل والبهاء الذي لا يُنطق به ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم عنه. انطلق بعد أن جاهد وحفظ الدرس وقدم تراث الكنيسة كفِعل حي في التاريخ... نقله للأجيال الآتية حياة في التاريخ٬ مؤكداً على أن التراث لا ينطلق من التطلع إلى الوراء فقط٬ إنما يستمر ويمتد من الجذور إلى المستقبل.... فالماضي عنده مدرسة بابها مفتوح إلى الأمام٬ لذلك درس التاريخ واكتشفه ووعي عمقه٬ ووثق حياة الكثير من الأولين في وحدة فكرية٬ تساهم في جعل الكنيسة حاضرة في التاريخ مُطلّة على المستقبل عملاً وفعلاً....

كان صبره ودأبه وغيرته هي المعجن الذي يعجن فيه قمح التاريخ وحنطته ليُخرجها رغيفاً وخبزاً للحياة. عانى المعرفة معاناة وعاش تواضع العلماء فقدم ولأول مرة السير الموثقة(للقديسة ڤيرينا)و(الكتيبة الطيبية)و(القديس موريس)و(القديس ڤيكتور)و(الرهبان الأقباط السبعة بأيرلندا)٬ فكان خير خلف لخير سلف. ولا شك أن تلك الأبحاث التاريخية الشاقة استنزفت منه الكثير لكي تخرج للنور وتحمل رسالة التنوير والشهادة٬ كذلك لا ننسى إسهاماته الحضارية التي تتعلق بدور الأقباط الكرازي وإصداره الموسوعة القبطية ذات السبعة أجزاء. والكثير من الأوراق البحثية المحفوظة في المكتبات العالمية٬ والتي حرص أن يقدم من خلالها فلسفة التاريخ القبطي٬ موضحاً معاني أحداثه التاريخية ومدلولاتها الإلهية - (ليس عودة إلى الماضي بل حياة الحاضر في ضوء الماضي) – فالمسيح هو معنى التاريخ ومحوره٬ وهو البداية والنهاية٬ الألفا والأوميجا.

تمتع راحلنا العزيز بالسَجيّة المسيحية الحية٬ فجمع بين الأمانة والإبداع الصائب٬ الأمين لوديعة الإيمان.... لذا جاءت أبحاثه تتسم بروح مزدوجة: الأمانة للتاريخ الماضي٬ والإبداع في الحاضر٬ بمقدرة جعلته يصنع التاريخ صنعاً جديداً٬ خاصة لأنه كان ضليعاً في اللغات٬أميناً للتقليد ومبدعاً فيه.
كان يبذل قصارى جهده لتسليم التقليد للجيل اللاحق تسليماً يحمل بصمات الحاضر المتأثر بالماضي والمتجه نحو المستقبل.... فكان واعياً غيوراً باحثاً في مشاهدة العناية الإلهية ويد الله في التاريخ٬ لذلك قدم دراسات تاريخية وحّدت ما جزّأه الزمان وما ينساه ويتجاهله التاريخ وما يؤدي إلى موت الحضارة.

يحق علينا أن نشهد لراحلنا بأنه أنعش ما لابُد أن نعيشه ونحياه٬ وأوصلنا بتراثنا الأصيل٬ وأعاد ذاكرتنا التي تربطنا بالآباء الأقباط المهاجرين في القرون الأولى٬ والذين كانوا رسل سلام وبناء ومحبة وكل ما للمسيحي٬ لا شك أن هؤلاء القديسين يستقبلونه اليوم في العُرس الأبدي وهو في معيّة هؤلاء الشهداء الذين سجل سِيَر شهادتهم الحمراء٬ وقد قدم هو شهادته البيضاء بالتعفف والتضحية وأعمال المحبة والوداعة٬ منصتاً للهمسات الإلهية وقد نال رضى ربنا القدوس.
كذلك لن تنسى له كنيسته أنه حافظ على ذاكرتها حتى يكون المستقبل له أصالة الماضي٬ نتلمّس فيه وعود الله وكم صنع بنا ورحمنا. فالحاضر هو ثمر الماضي وأساس المستقبل.
تحية للراحل عدلي أبادير الذي عرّفني بالمؤرخ الكبير٬ وكلاهما من فخر القبط في هذا الجيل٬ نياحاً لهما٬ فذكراهما لن يغيب٬ ولتكثر لنا النعمة والتعزية٬ وليعوض الله الأقباط فيهما خيراً٬ ولله المجد على كل شيء.

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com