يقول قيادى سلفي شهير بالنصّ إن المسيحيين في مصر أقلية مجرمة كافرة معتدية ظالمة تتعدى على حق الأغلبية! ويقول إنهم إذا بقوا على كفرهم فمصيرهم نار جهنم! ويحاول أن يؤلبهم على قيادتهم الدينية بقوله إنهم يجب أن يتحرروا من طواغيت الكنيسة لأنهم يعاملونهم كعبيد مملوكين! ويضيف أنه ليس هناك مايلزم المسلمين بمودة المسيحيين! ويصف من يدعو لودهم بأنه من أهل النفاق والزندقة! وحديثه رائج على الإنترنت بالصوت والصورة، وإنْ كان غير مؤرَّخ.
لا يجب أن تتستر هذه الكلمات تحت شعار حرية التعبير التى كفلها الدستور، والتي يناضل من أجلها دعاة الحرية، لأنها وسيلة إيضاح لخطاب الحضّ على الكراهية الذي يترتب على اعتماده وترويجه والصمت عنه تبعاتٌ كارثية على وحدة الوطن! والمفروض أن يخضع صاحب هذا الكلام للمساءلة القانونية وللمحاكمة لاقترافه واحدة من أشد الجرائم خطراً على أمن البلاد.
ولكن، كيف يمرّ مثل هذا الكلام ببساطة دون أن تتحرك أجهزة الدولة المسئولة عن تحقيق الأمن؟ أم أنهم لا يعتبرون تهديدات الأمن إلا فى رفع السلاح؟ ألا يرون أن ترويج هذا الكلام سيؤدى حتماً إلى رفع السلاح؟ وأين فيالق الدفاع التى تُسرِع فى التصدى للأدباء والفنانين والباحثين والمفكرين، على كلمة هنا وتعبير هناك وفكرة هنالك، والزمجرة عن الحياء العام والثوابت الدينية والوطنية؟
لم يعد الأمر يحتمل لا استمرار خطاب الحضّ على الكراهية ولا التقاعس في التعامل مع مقترفيه. كما لا يمكن فهم موقف وزارة الأوقاف! فقد بَدَت وكأنها كانت تستجيب للمطلب الشعبي بوجوب اتخاذ إجراء ضد المحرضين على الفتنة الذين يعتلون منابر المساجد الخاضعة للوزارة، وكانت الشكوى العامة ضد أسماء بعينها من غير المؤهلين لمهمة الوعظ، فأصدرت الوزارة قرارها بمنع غير الأزهريين من الخطابة في مساجدها، ولكنها، للعجب العجاب، قررت بعد فترة وجيزة استثناء عدد من الممنوعين! وكانت المفاجأة أن يكون الممنوعون هم بالذات بعض الأسماء التى كانت سبباً لاستصدار القرار!! ويبدو أن الوزارة لا تجد نفسها مسئولة ما دام أن هؤلاء لا يتجاوزون على المنابر أقصى ما يمكن التغاضى عنه، حتى إذا كانوا ينطلقون بخطاب الكراهية الصريح، ما دام أنه من منابر أخرى!!
وأين موقف الأزهر المنوط به حماية الإسلام والمسلمين؟ هل هذا الكلام يتفق مع صحيح الدين الذي يحميه الأزهر؟ هل يقبل الأزهر أن يكون صمته دليلاً على تبنيه لهذا الكلام؟ وهل يساعده هذا فى مهمته عبر العالم التى يدافع فيها عن الأقليات المسلمة المضطهدة فى بلاد أخرى؟ ثم، ألا يرى الأزهر أن هذا الكلام يفضى إلى فتنة في مصر يُضار منها أيضاً المسلمون المصريون؟
أما لماذا لم يصدر صوت معترض أو مُصَحِّح من حزب النور، المشارك في الانتفاضة ضد حكم الإخوان فى 30 يونيو، والمُمَثَّل فى لجنة وضع الدستور الجديد، وصاحب العضوية في مجلس النوّاب؟ فلأن الحزب يتفق تماماً مع جوهر هذا الكلام!
فقد أعلن قيادى من الحزب، في غمار حملة الانتخابات البرلمانية الأخيرة، أنهم لم يضعوا على قوائم حزبهم عدداً من الأٌقباط إلا اضطراراً وإذعاناً لما يفرضه عليهم القانون! وقال بصريح العبارة إنه لو كان لهم الخيار لما رشحوا قبطياً واحداً، بل ولما قبلوا أن يكون الأقباط على قوائم الأحزاب الأخرى!
وقد مَرَّ هذا الكلام أيامها في سلام!
وقبلها أشعل السلفيون فى إحدى محافظات الصعيد اضطرابات رهيبة اعتراضاً على تعيين محافظ قبطي! واستجابت لهم الدولة!
وقبل شهرين تظاهر التلاميذ فى إحدى المدارس بتحريض من المدرسين السلفيين احتجاجاً على تغيير اسم مدرستهم وتسميتها باسم شهيد قبطى من ضحايا الإرهاب!
وقبل أيام تظاهرت التلميذات في مدرسة أخرى، أيضاً بنفس التحريض، رافضات لتعيين ناظرة قبطية في مدرستهم!
هل يدرك المسئولون أن هذه الأحداث جسام، وأنها أخطر من سدّ النهضة الإثيوبى، وأكثر كارثية من حشود داعش على الجبهة الغربية؟ ذلك لأن كلاً من السدّ وداعش يستهدفان، عن بُعد، إثارة الاضطرابات الداخلية وزعزعة التماسك الوطني، أما هذه الأحداث فإنها تضرب مباشرة في قلب المجتمع.
وفي الوقت الذي تتحقق فيه بعض الخطوات الإيجابية الناتجة عن زيارة الرئيس السيسى للكاتدرائية المرقسية للتهنئة بعيد الميلاد المجيد، وفي الوقت الذى يبدو فيه رضا عام عن تقنين التمثيل القبطى فى البرلمان، تأتي تصرفات السلفيين لتُخَرِّب ما تحقق وتهدد بتبعات خطيرة.
ولابد فى هذا السياق من الإشادة بموقف قداسة البابا تواضروس عندما وقعت الاعتداءات الهمجية على أكثر من 60 كنيسة في يوم واحد، في سابقة لم تحدث في تاريخ مصر الممتد، وكان تعليقه يومها بأن الإصابة لم تصب سوى الحجر، وأن الأقباط سوف يؤدون صلواتهم مع المسلمين في مساجدهم، أو يؤدونها فى الشارع. وهى كلمات دخلت التاريخ، وكان لها على الأرض تأثير مباشر فاعل في تهدئة الرأى العام الملتاع، خاصة الأقباط الذين أحسوا بالظلم الفادح.
وهو موقف وطني بامتياز، حتى دون مقارنة مع أي شىء آخر، ويتعاظم تقديره بالنظر إلى ما فعلته جماعة الإخوان، في نفس التوقيت، عندما هرعت إلى أمريكا وأوروبا تطلب التدخل في شأن وطني لإعادتهم للحكم ضد إرادة الشعب المصري!
أما وأن أجهزة الدولة لم تتصرف بشكل عاجل وجاد إزاء هذه المخاطر، فإن المسئولية على مجلس النواب أن يتحرك، على الأقل بسؤال الحكومة عن هذا الانفلات الخطير وعن معالجتها له، وعن سياستها فى حماية البلد من كوارث متوقعة.
هذه العقلية السلفية، إذا لم تكن تشارك عن وعي في خطة تطويق البلاد والضرب في وحدة شعبها، فهي تسوق نفسها، أو لا تعي بأن هناك من يسوقها، لإنجاز الجانب الهام من الخطة.
وقد يكون من أكبر المخاطر أن ينشأ جيل من الأطفال المسيحيين المصريين على أنهم مقهورون في دولة ضعيفة تعجز عن تنفيذ الدستور الذي ارتضاه الشعب، والذى يُقرّ (المادة 53) بالمساواة بين المواطنين فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، وبأنه لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة ..إلخ، وبأن الدولة تلتزم باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وبأن القانون ينظم إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض.
المطلوب من مجلس النواب أن يضع مهمة إنشاء هذه المفوضية في صدارة قائمة الأولويات.
نقلاً عن دار الأخبار
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com