ما الذى جعل كلية الطب تخرج طبيباً مثل أيمن الظواهرى وأطباء مثل زعماء الإخوان وأطباء من تجار الخلايا الجذعية وبائعى الوهم، والطبيب الذى رفض علاج ضابط واعتدى على أهله بأسطوانة الأوكسيجين لأنه من الانقلابيين، والطبيبة التى أشرفت على تعذيب مواطنين أمام الاتحادية؟!.. إلخ، ما زال كل هؤلاء استثناء من القاعدة الطبية لكنه استثناء لا يمكن تجاهله ويجب البحث عن أسبابه التى لا يمكن أن نرجعها إلى الفقر والحاجة والرغبة فى الثراء، لسبب بسيط وهو أن كثيراً من هؤلاء مليونيرات، فأيمن الظواهرى مثلاً سليل عائلتين من ذوى المكانة الاجتماعية الرفيعة، وأعرف من تجار الخلايا الجذعية نصاباً فى مصر الجديدة يحقن الخصية بأربعين ألف جنيه وآخر فى المنصورة يعالج الشلل بمائة ألف جنيه للحقنة!!
إذن الفقر ليس هو الحافز أو الدافع على الإطلاق، ناقشت هذه القضية على مائدة بحث مع بعض الأصدقاء الأفاضل من أساتذة طب قناة السويس، وتم عرض تجارب لكليات طب فى أوروبا وأمريكا تدخل وتدمج الفنون الرفيعة والفلسفة والأدب والإنسانيات والتذوق الجمالى ضمن مناهجها، منهم من حكى عن تدريس نصوص لتشيكوف وتولستوى فى روسيا، ومنهم من قرأ عن تجارب لتذوق قطع موسيقية ولوحات فنية.. إلخ، ليس ضرورياً أن نفرضها فى كتاب، فلا نريد للأمر أن يتحول بالتدريج إلى مذكرات ودروس خصوصية، إنه منهج اختيارى ومن يمر به ويتجاوزه ويستفيد منه يصبح له ميزة ويكتسب تفرداً عن زملائه، سيكون هذا هو الحافز المطلوب لطلبة كلية الطب، ولن نخترع العجلة فالتجارب الأوروبية والأمريكية موجودة وجاهزة وما علينا إلا أن نمصرها ونمنحها النفس المصرى والذائقة المصرية، طلبة كلية الطب يحتاجون فهم ما هو العلم؟ وما هو المنهج العلمى؟ وما هو العلم الزائف؟ يحتاجون تعلم المنطق والجدل الفلسفى والمغالطات المنطقية فى النقاش، لا بد من غرس التذوق الموسيقى، وللدكتور طارق على حسن أستاذى العظيم، تجارب موسيقية متميزة من الممكن أن يمنحنا تجربته فيها والاستفادة منها فى التدريس، كذلك الفن التشكيلى وتذوق اللون والخط والضوء، وللدكتور فريد فاضل طبيب العيون والفنان التشكيلى الموهوب تجارب مهمة أيضاً ويستطيع أن يساهم بعصارة تجربته فى هذا المجال،
هناك د. محمد المخزنجى ود. محمد المنسى قنديل من الأحياء الموجودين ود. يوسف إدريس من الراحلين، كلنا نعرف قيمة نصوصهم القصصية والروائية التى من الممكن أن نختار منها اقتباسات لرفع التذوق الجمالى لدى طلبة كلية الطب، ومنها قصص لها علاقة وثيقة وحميمة بإنسانيات الطب والصراع بين الحياة والموت، نريد استعادة الحكيم فى الطب وخلق مفهوم الطب التكاملى الذى يتعامل مع المريض كإنسان وليس كأعضاء متفرقة من طحال وكبد وقلب ورئة.. إلخ، نريد ربط الطالب بالمريض من أول لحظة فى الكلية وليس انتظاره حتى يلتحق بسنة رابعة وهو متسربع ومثقل بالأعباء ليقابل أول مريض ويتعامل معه كموديل بلاستيك يساعده على النجاح وحصد الدرجات، هذا التعامل النفعى يخلق فجوة إنسانية تظل مع الطبيب طيلة حياته العملية بعد ذلك ليمد خط التعامل النفعى على استقامته ويصبح المريض هو مصدر الدخل، بعد أن كان فى الكلية مصدر النجاح، الطبيب الذى لا يتذوق الجمال والإنسانيات سيستبدل الكلاشينكوف بالمشرط.
نقلا عن الوطن
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com