م/ إسحاق صبحى
من شروط تكليف اى حكومة مصرية ان تتمتع بقدرات علوية تنتمى لعالم الغيب و الجن و القوى غير المرئية و الاعمال التحتية،حكومة ذات قدرات إعجازية، تساعد المواطن على تفسير و تحقيق الاحلام و ربما تحقيق الكوابيس ايضا.
تحقيق أحلام "أحمد عز" و "أحمد أبوهشيمة" و "حسين سالم" و غيرهم فى منافسة مليارديرات العالم مثل بيل جيتس ووارين بافيت وكارلوس سليم (هما أحسن مننا فى أيه يعنى)، حلم تكديس الثروات و اقتناء القصور و ادارة حسابات بنكية عابرة للقارات و صولا الى أرقام من فئة الأصفار التسعة فما فوق، لا تدخر الدولة جهداً فى دعم هؤلاء (الشرفاء) و أصحاب رأس المال (الوطنى).
فى الوقت نفسه تسعد الحكومة بتحقيق و زيادة كوابيس المواطن الذى يعجز عن تعليم اولاده و تقض مضجعه خواطر الهروب من جحيم الاسعار و الفرار من فواتير الكهرباء و المياه و الغاز و ايجار المسكن و البحث عن الحشيش و انتشار و تفشى الجريمة و ندرة فرص العمل أضف الى ذلك العجز و المرض و مرمطة الشيخوخة وهى مشاكل تمتد ما طالت حياة الكائن المصرى و تشغل باله دقيقة بدقيقة مادام فى عمره بقية من نسمة حياة.
حكومة تختصر و تختزل طموحات مواطنيها الى الى حدود البقاء و الستر ، فأقصى ما يحلم به المواطن المسلم هو الصلاة فى البيت الحرام و يحلم المواطن المسيحى بالصلاة فى اى بيت و خلاص من دون اعتقال او سجن او تشميع او بهدلة فى المحاكم لسنوات .
حكومة ملائكية تهتم بالحفاظ على دين المواطن و أخلاقه و تهذيبه ، و تبذل كل ما استطاعت من جهد من اجل تربية رعاياها و (تعليمهم الادب)، و كيف ان الرضا بالمقسوم عبادة و العين لا تعلو عن الحاجب و أن حكمة ربك شاءت تقسيم البشر الى (سادة و عبيد) و أن اللى يبص لفوق يتعب لأن القناعة كنز لايفنى و لا يستحدث من عدم.
و دأبت الحكومات المصرية منذ نحو قرن على تركيز كل الجهود التوعوية و التنويرية فى اقناع المواطن ان الحياة الآخرة ابقى و ان الحياة الدنيا فانية زائلة و ان التفكير و الانشغال بيوم الوفاة و الجنازة اللائقة المهيبة اجدى كثيرا من الانشغال بتوافه الامور مثل المساواة و دولة القانون و الدستور و العدالة فى توزيع الدخل القومى و ميزانية الدولة و الحريات و حقوق الانسان و لا مؤاخذة الكرامة و الحاجات الغريبة دى كده ، و التى من شأنها استجلاب غضب السماء و العياذ بالله.
و فى ظل تتابع حكومات مثل هذة متشابهة الرؤية و الاهداف ، فكان من الطبيعى بروز ظواهر مصاحبة و داعمة مثل ظاهرة العرافين و الدجالين و المشعوذين و قارئى الأكف وقارئات الفنجان و ضاربى الودع و اخصائيو فتح المندل. و العلاقة بين الدولة و هؤلاء هى علاقة تكاملية على أعلى مستوى من التنسيق، فحازوا من المكانة و التقدير ما يجعلهم نجوما تتألق فى سماء الأعلام حتى امتلأت بهم شاشات الفضائيات و صارت برامج الراديو تحتفى بهم ، للدرجة التى معها لن نفاجأ بتعيين هؤلاء كمستشارين للوزراء لشئون الغيب مثلاً لما لا و هناك نواب رجال دولة و رؤساء اندية و رموز مجتمع و أعلاميين و مقدمى برامج يلجأون للناس المبروكة دى علنا و من دون ادنى خجل .
فى المقابل توفر الدولة مشكورة ، ما تيسر من السجون الفسيحة و المعتقلات المنتشرة فى انحاء البلاد لأى مواطن لا تعجبه هذة الصيغة (الحكومية) التى تصيغ حياته و مستقبل أولاده ، وهى (إى السجون) متاحة للمواطنين كافة دون تفرقة على اساس الجنس او العرق او اللون او الدين و يستحقها المواطن بمجرد ان يفتح فمه فقط.
فإذ ينكسر الانسان و ينسحق مقهوراً أمام هزيمته و عجزه عن استرداد حقوقه أو الانتقام لحياته السليبة امام عينيه ، لا يتبقى أمامه الا الانشغال بالغيب و الماورائيات، و ينسحب من الحياة موجهاً تفكيره تجاه الموت الذى سيضع خاتمة لالامه الطويلة و يمنحه السعادة الابدية المرجوة.
واليوم ، فأن أقصى ما تحلم به الغالبية الساحقة لهو تدبير ثمن "الكفن" ، فهذا على الأقل فى المستطاع و مقدور عليه ، وأحياناً للأسف عزيز المنال !.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com