حظيت المملكة العربية السعودية، أو دولة «آل سعود» الحديثة بموروث توثيقى فريد، خلفه توافد الرحالة والمستشرقين من مختلف المشارب والاتجاهات فى بدايات القرن المنصرم، وفى المقابل كانت هناك ندرة هائلة فى الوثائق التى خطها مؤسس المملكة العربية السعودية، الملك «عبدالعزيز»، والمتمثلة فى المراسلات الصادرة عنه وإليه وما شابهها، من أدوات توثيق الحقب المتعارف عليها. واليوم.. تنفرد «الوطن»، بمناسبة الزيارة التاريخية للملك سلمان بن عبدالعزيز، بنشر بعض الوثائق والمراسلات التى خطها مؤسس المملكة العربية السعودية، وذلك بحوار مع المستشارة هايدى فاروق، مستشار قضايا الحدود والسيادة الدولية، التى تعد من أشهر جامعى الوثائق على المستوى الإقليمى والدولى.
هايدى فاروق: اللورد «هيدلى» أشهر رحالة صور الملك وحياة السعوديين منذ 100 عام
■ بداية.. ما أهم المقتنيات التى بحوزتك وتخص تأسيس المملكة العربية السعودية؟
- من أهم المجموعات التى اقتنيتها أنا وزوجى السفير مدحت القاضى، كانت مجموعة عبارة عن 6 أصول أرشيفية لرسائل بخط اليد ممهورة بالتوقيع والخاتم الشخصى للملك عبدالعزيز آل سعود، مُؤسس المملكة، ويعود تاريخها إلى عام 1902، وهذه الرسائل الست من الأهمية بحيث يمكن القول إنها نقطة تاريخية فاصلة فى تاريخ المملكة العربية السعودية، وتوثق للمعجزة التى صنعها مؤسس المملكة فوق رمال الصحراء.
■ ومن أين حصلتِ على تلك المقتنيات؟
- من إحدى المكتبات الأوروبية التى تهتم بالتراث العربى ومنطقة الشرق الأوسط، وذلك فى أثناء البحث عن تاريخ المملكة، وقد قمت بإهداء المملكة نسخة منها واحتفظت بنسخة مصورة، وتظهر الرسائل مخطوطة بيد الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، كما تم تذييل كل الرسائل بالخاتم الشخصى للملك الراحل.
■ إلام تؤرخ تلك الرسائل؟ وما الأحداث التى واكبتها وتضمنتها؟
- يُسجل التاريخ، وفقاً للوثائق التى يعود تاريخها إلى أكثر من 100 عام، أحداثاً فاصلة فى التاريخ العربى الحديث، التى تبدأ من لجوء عبدالرحمن الفيصل، والد الملك عبدالعزيز رحمهما الله، إلى الكويت، يُرافقه ابنه «عبدالعزيز» بن سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية، وهو لا يزال فى التاسعة من عمره، حيث شَب الملك عبدالعزيز فى قصر الشيخ مبارك آل الصباح فى الكويت، وتعلم فنون السياسة، وحينما كبر «عبدالعزيز» استعد للتوجه إلى أرض أجداده، «نجد»، لاستعادتها من «ابن الرشيد»، فآزره الشيخ مُبارك آل صباح فى حربه ضد ابن الرشيد، حيث توجه عبدالعزيز بن سعود إلى الرياض، تاركاً والده فى الكويت، وكان قد وضع مع الشيخ مُبارك آل صباح خطة ضد بن الرشيد، للمساعدة على استرداد أرض أجداده، فقام بتجريد حملة لتتجه غرباً لمقابلة قوات ابن الرشيد، فى حين اتجه عبدالعزيز آل سعود جنوباً حتى نجح على رأس قوته الصغيرة فى استرداد الرياض والقضاء على ابن الرشيد، فكان يُسجل الانتصار تلو الآخر فى خطاباته المتلاحقة للشيخ مُبارك، التى توثقها الرسائل التى بين أيدينا.
■ وهل هناك وثائق أو صور غير منشورة تتعلق بتاريخ المملكة؟
- أود أولاً أن أتطرق إلى أشهر الرحالة الذين وثقوا تاريخ المملكة، والذين تعد وثائقهم مرجعاً معروفاً للمؤرخين، ثم أنطلق من المعلوم إلى المجهول، حيث سأكشف لأول مرة عن رحالة زار المملكة وحلّ بمكة والمدينة وينبع، وقام بتصوير كل ما قابله، وهو اللورد الإنجليزى هيدلى، وصوره التى اقتنيتها ولم يتم نشرها من قبل.
■ لنبدأ بالمعلوم إذن.. من هؤلاء الرحالة والمصادر؟
- من هؤلاء الرحالة المعروفين عبدالله فيلبى، أو بالأحرى فإن اسمه هارى سانت جون بريدجز، وهو مستكشف ورجل استخبارات بريطانى، وُلد فى سيلان عام 1885 وكان صديقاً لجواهر لال نهرو وزميلاً له فى دراسته، وسافر إلى نجد للقاء «ابن سعود»، حاكم نجد، عام 1917، بتكليف من الحكومة البريطانية، فوجد نفسه وقد وقع تحت تأثير شخصية «ابن سعود» الجذابة فبدأ دراسة الإسلام ليعتنقه ويصبح اسمه فيما بعد «عبدالله»، ولدينا فى قائمة الرحالة جورج أوجست والين، وهو من أوائل المستكشفين الأوروبيين لجزيرة العرب، وهو خريج جامعة هلسنكى عام 1829، وحضر إلى مصر وتعلم على أيدى رجال الأزهر الشريف ثم غادر مصر إلى شبه الجزيرة العربية، حيث زار الجوف وحائل، التى عشقها كثيراً، ومن الرحالة أيضاً جيرالد دو جورى، الذى حل بالرياض عام 1934 مقبلاً من جدة، وذلك لرصد مشاهداته عن العاصمة الرياض والتعرف على الملك عبدالعزيز، حيث قام على أثر هذا اللقاء بتأليف كتابه «اللقاء مع عملاق فى حجم جبل» وكتابه «فى البر مع الملك عبدالعزيز».
■ هذا عن الرحالة المعروفين.. ماذا عمن وثّقوا للمملكة ولم تنشر للآن وثائقهم؟
- أهمهم هو اللورد هيدلى، واسمه كاملاً هيدلى رولاند جورج آلينسون، المولود فى لندن 19 يناير 1855 والمتوفى بلندن عام 1935، وكان أحد النبلاء البريطانيين الذين ينحدرون من أسرة ملكية، ومن سلالة ملوك شمال ويلز، والذى درس فى جامعة كمبريدج وتخرج منها مهندساً وعمل فى بناء الطرق فى الهند، كما كان شخصية علمية اشتهرت فى مجال حماية السواحل، وعرف أيضاً كرياضى وملاكم، وفى 16 نوفمبر 1913 أشهر إسلامه، وقام فى 1914 بتأسيس الجمعية الإسلامية البريطانية، وسمى عقب إسلامه باسم «رحمة الله فاروق»، وقد زار اللورد هيدلى مصر فى مطلع القرن العشرين، ويروى محرر مجلة «المنار» حرارة استقبال المصريين له بقوله: «ولم تستقبل مصر رجلاً منذ عودة سعد باشا زغلول كما استقبلت بالأمس اللورد هيدلى»، وغادر «هيدلى» مصر إلى مكة والمدينة، وهناك التقط العديد من الصور النادرة للمدينتين وللملك «عبدالعزيز»، وهى من المجموعات النادرة جداً وغير المنشورة، التى أفخر بوصولى لها، واقتنائها، ومنها صور الحجيج لعرفات، وتوضح «طريق السعى» والطريق المؤدى إلى المدينة المنورة، وبين الطريقين مبنى الشرطة القديم، كما تصف الصورة المبانى الخشبية الجميلة المصنوعة من خشب التيك المحفور لمنازل مكة القديمة، وتصف كذلك موكب ملك الحجاز بالتفصـيل.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com