بقلم : زهير دعيم
في خضم الأحداث المتسارعة والمتصارعة في كلّ بقعة من بقاع الأرض ؛ ...أحداث عمودها الفقريّ العنف المعربد والمستشري ، فهنا رصاص يقنتص ارواح زهرات الدنيا تحت غطاء وهميّ يدعى " شرف العائلة " وما من شرف فيه.وهناك تفجيرات وأشلاء وقطع رؤوس وبتر أطراف ودماء تسيل في الكنائس والمعابد، وهنالك في عرض البحر قراصنة ، يسرقون وينهبون ويقتلون، ناهيك عن الاحتلال والعداء والحقد والتهديد والوعيد والبغضاء والسرقات.
في ظلّ هذا الوضع الرهيب ، المُحبِط والشّرّير لا أجد أمامي إلا أن أتفيأ ظلال شجرة الموعظة على الجبل ، لاشرب الماء الزُّلال الذي يروي النفوس العطشى فيملؤها طمأنينة وهدأة بال ٍ ورجاء ، وأغمس لُقمتي من صحن الحياة ، فتشبع نفسي وتهدأ كما الطفل الصغير في حضن أمّ رؤوم.
لا أتعب ولا أملّ ، ولن أتعب وأنا امتدح الموعظة على الجبل وصاحبها وبانيها على صخرة حياته.
هناك من الحكماء والمُشرّعين والانبياء !!!!والكُتّاب من ملأ ويملأ الدّنيا بكلمات القِيَم ، ولكن إنْ أنتَ فحصت سيرة حياته وجدتها على النقيض من ذلك، فالمحبّة التي ينادي بها جوفاء ، والشّرف أعرج والمروءة مُرآة والأحلام كوابيس ....إنّه ممثِّل ليس إلا...إنّه مُحابٍ..أمّا يسوعنا فقد قَرنَ القول بالفعل ، ومزج الفرح بدمه والخلاص بآلامه .
بحثتُ في أعماق وطيّات الفلسفة البشريّة منذ بدء التّاريخ ، وغُصتُ في بطون الأدب والشِّعر ، ونقّبت في ثنايا التشريع البشري ، علّني أجد من قال حرفًا أو حركة من القول السّامي :
"سَمِعْتُمْ أنَّهُ قِيلَ: عَينٌ بِعَينٍ وسِنٌّ بسِنٍّ. 39أمّا أنا فأقولُ لكُم: لا تُقاوِموا مَنْ يُسيءُ إلَيكُم. مَنْ لطَمَكَ على خَدَّكَ الأيْمنِ، فحَوِّلْ لَه الآخَرَ. سَمِعتُم أنَّهُ قِيلَ: أحِبَّ قريبَكَ وأبغِضْ عَدُوَّكَ. 44أمّا أنا فأقولُ لكُم: أحِبّوا أَعداءَكُم، وصَلّوا لأجلِ الَّذينَ يضْطَهِدونكُم، 45فتكونوا أبناءَ أبيكُمُ الَّذي في السَّماواتِ. فهوَ يُطلِـعُ شَمْسَهُ على الأشرارِ والصّالحينَ، ويُمطِرُ على الأبرارِ والظّالمينَ. فلم أجد، فكلّ افكار الدنيا بشرية ، محدودة ، مؤطّرة ، أمّا الموعظة على الجبل فهي فوق البشر ، وفوق العقول وفوق منطق البشر ، المنطق الذي عهده العالم : " العين بالعين والسنّ بالسّنّ " و "أحبب قريبك وابغض عدوّك " .لقد قلبه السيّد وقلب موازينه وعقول اهله .
حقًّا ؛ شجرة الموعظة كرمة خضراء ، مُثقلة بالعناقيد الطيّبة واللذيذة ، فهلاّ هربنا من العنف بالوانه ، ومن التفجير والشرّ وأبيه ولُذنا بشجرة الحياة ؛ كرمة الوجود فشربنا وأكلنا ورنّمنا ونمنا تحتها والطمأنينة ملء التفكير والعيون.
هلاّ بنينا بيوتنا على الصخر ، تاركين الرمل للامواج تداعبة تارة وتجرفه أخرى ، وتأخذه في مهبّ الرّيح.
هلاّ بنينا إيماننا على الصخرة الحقيقية ؛ صخرة الدهور .
جرّبوا ، تذوّقوا ...فلن تندموا، فالثمر حلو المذاق وبالمجّان.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com