بقلم: ميشيل حنا الحاج
هذه دراسة مستفيضة، وليست مجرد مقال سياسي حول مستقبل العلاقات المصرية السعودية كما ينبغي أن تكون.
تمهيد
لست من المطلعين اطلاعا كافيا على القضايا الهامة والمفصلية التي تواجهها أو تعاني منها مصر رغم ترددي مرار على القاهرة للمشاركة في معارض الكتب فيها. وكنت في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، باعث الفكر القومي العربي الذي كاد ينقرض عل يد العثمانيين الذين حاولوا طمسه، بل وأده في مسارات عثمانية يحاول الآن الرئيس أردوغان تجديد انبعاثها..
من المتابعين، بل والعاشقين للتوجهات المصرية الناصرية. أما بعد رحيل ناصر العروبة، ووصول أنور السادات الى مقعد الرئاسة، وانفراده بالسلطة بعد ابعاد علي صبري ورفاقه من القيادات الناصرية عن المشهد السياسي، وزج بعضهم في السجون المصرية...
بدأت رؤيتي عندئذ تتبدل واهتمامي يتلكأ، ثم ينقرض بعد زيارة السادات، المنتصر في الحرب كما صورت لنا، لاسرائيل بدعوى أنه يسعى لايجاد حل عادل للقضية الفلسطينية محور الصراع العربي الاسرائيلي، واذا بزيارته الاستسلامية تلك، تعزز الوجود الاسرائيلي وتزيده غطرسة وتشبثا برفضه منح أي حقوق للفلسطينيين، وأقلها حقهم في دولة مستقلة غير خاضعة لهيمنة اسرائيلية عليها.
وعادت مصر تأسرني وتبعث في الاهتمام الذي انقرض أو كاد، اثر ثورة الشعب المصري في الخامس والعشرين من يناير2011. فثورة الشعب المصري العارمة، بعثت في الأمل بالعودة الى التوجه الناصري، وفي أدنى الحالات لتوجه وطني لا يعزل نفسه عن قضايا العرب والعروبة، منهيا في أدنى الحالات، عهد السادات وما تبعه من عهد مبارك الذي لم يبتعد كثيرا عن الخط الساداتي.
الا أن انتكاسة كبرى وقعت لدى وصول الدكتور محمد مرسي، الوجه المصري لأردوغان، الى كرسي الرئاسة، مما شكل انتكاسة كبرى لما توقعناه وتوقعه العروبيون، بل وغالبية كبرى من الشعب المصري. وهنا كان لا بد من ثورة مصرية أخرى عكستها مسيرة شعبية كبرى ضمت أكثر من ثلاثين مليون مصري، أي معظم القادرين من الشعب على المشاركة في مسيرة كهذه، اذا أخذنا بعين الاعتبار وجود مسنين عاجزين، وأطفال يولد منهم خمسون طفلا كل دقيقة، فهؤلاء بطبيعة الحال، غير قادرين على المشاركة في مسيرة كهذه، تنفي وتلغي شرعية محمد مرسي بكل مؤيديه من الاخوان، والذين مهما بلغ عددهم، حتى لو كان يضم مليوني عضو كما يدعون، لا يمكن أن يضاهي عدد الثلاثين مليونا الذين شاركوا في تلك المسيرة الكبرى التي لم يشهد تاريخ البشرية مسيرة مشابهة لها.
فهذه الحركة الشعبية الكبرى الرافضة لاعادة مصر أربعة عشر قرنا الى الوراء، قد انتهت بتحول جذري في المسيرة المصرية الجديدة، أدى الى انتخابات رئاسية وضعت الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي استجابة لطلب شعبي عارم، وضع روحه على كفه عندما أقدم على عزل الرئيس مرسي عن كرسي الرئاسة...وضعته في كرسي الرئاسة المصرية، مع آمال عريضة بأن تقترب مصر في عهده، من العودة الى المسيرة الناصرية العروبية، ربما مع بعض التعديل على خطها لتجنب بعض أخطائها ان وجدت أخطاء لها.
ولكن الرئيس المصري الجديد، تسلم تركة مثقلة بالمشاكل والأعباء. فالدولة غارقة في المديونية، وفي مشاكل اقتصادية كبرى، اضافة الى مشاكل سياسية أبرزها تعدد التوجهات السياسية، التي أجمعت أكثريتها الى حين على رفض بقاء مرسي في السلطة، لكنها اختلفت على ما يجب أن يكون بعد رحيله، مفرزة عشرات الأحزاب والتكتلات السياسية التي قد يتجاوز عددها الأربعين حزبا ورؤية سياسية، يتشبث كل منها بأنها الرؤية الأصح والأفضل لمصر. وهنا لا بد من القول ""كان الله في عون السيسي"، فقد ورث حقا تركة لا يحسد عليها.
الدول العربية المؤثرة وموقفها من العهد المصري الجديد
سارعت المملكة السعودية التي تقود دول الخليج وتتطلع الى قيادة العالم العربي، والى ابعاد ايران عن قيادة العالم الاسلامي، الى تقديم الدعم السياسي والمعنوي بل والمالي للنظام الجديد الذي أفرزته الثورة المصرية الثانية كما سميت (والواقع أن هذا تصنيف خاطىء يهمل الثورة المصرية الأولى في عام 1952، بحيث كانت ثورة يناير 2011 هي الثانية، وثورة الثلاثين مليون مصري هي الثالثة).وشاركت دولة الامارات والكويت، بتقديم ذاك الدعم السياسي والمالي أيضا.
وكان ذلك في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، وبعد ترحيل الأمير بندر بن سلطان عن مركز مدير المخابرات السعودية، والذي أثر كثيرا نتيجة تطرفه، في المسلك السعودي العروبي المتميز وخصوصا في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز، اذ لجأ بندر لتعزيز التمرد المسلح في سوريا، ومول حركات ارهابية ومنها الدولة الاسلامية، مما أدى الى شرخ آخر أضيف الى شروخ سابقة في بنيان التضامن العربي، كما أفرز تدريجيا حروبا متفرقة في العراق وليبيا، ومهد لحرب قادمة في اليمن. وأحسن الملك عبد الله صنعا بتدارك الأمر وعزله من منصبه، مرسلا اياه الى خانة الاهمال والنسيان.
ووجهت مباركة السعودية والامارات للثورة المصرية الثالثة، ضربة لحركة الاخوان المسلمين التي تآمرت على أمن دولة الامارات، وسعت لخلق تيار في السعودية لديه بعض الاختلاف مع التيار الوهابي السائد في المملكة، مما أدى الى قيام الملك الراحل عبدالله، الى حظر نشاطها في بلاده.
ولكن الملك عبد الله قد رحل قبل استكمال ما بدأه من خط تعزيز الثورة المصرية الجديدة، وحل محله الملك سلمان على العرش السعودي. وأجرى العاهل السعودي الجديد عدة تغييرات في بناء مركز القوى في السعودية. ويبدو أن بعض هذه التغييرات، قد أدى الى عودة التيار المتشدد الذي قاده الى حين الأمير بندر بن سلطان، والساعي لتعزيز الموقع السعودي القيادي في العالمين العربي والاسلامي. اذ نهج بعض المتشددين مرة أخرى، الى أسلوب اشعال الحروب والتوتر، فكانت حرب اليمن وعاصفة الحزم والتحالف العربي العسكري والذي لم يكن يسعى بالضرورة لمقاتلة اليمنيين من حوثيين وغيرهم، كما قيل، بل الى ردع ما وصف بالتمدد الشيعي في المنطقة، والذي قيل بأنه قد بدأ تمددا في الدول العربية الآسيوية كسوريا والعراق، ولكنه الآن بدأ يسعى لمد أذرع أخطبوطه (كما يوصف) للوصول الى منطقة الخليج، وبالذات لليمن المحاذية لدول الخليج.
وشاركت مصر في التحالف العربي، ولكن مشاركتها ظلت محدودة رغم مخاوفها من أن يؤدي الصراع الى اغلاق باب المندب اليمني، الذي يشكل ممرا حيويا لمرور السفن عبره من والى قناة السويس المصرية التي يظل حرية الملاحة عبرها، أمرا حيويا لمصر.. ومحدودية المشاركة المصرية كان مردها انشغال مصر بمشاكلها الداخلية، وخصوصا حالة الارهاب التي تتسبب بها حركة الاخوان المسلمين المحظورة، لكن المتمسكة بشرعية بقاء مرسي في مقعد الرئاسة ورفضها للتغيير الثوري الذي وقع. هذا اضافة الى سبب أخر أكثر جوهرية، وهو تواجد الحركات الارهابية في سيناء والتي تلحق يوميا تقريبا، خسائر بالجنود ورجال الشرطة المصرية.
فمصر بحاجة لكل ما يتوفر لها من قدرات قتالية وعسكرية لاجتثاث هذين الخطرين الهامين اللذين يهددانها، وهما خطر الطموح الاخواني، المعزز (بخطر حماسي) يعزز الخطر الاخواني، والخطر الارهابي الذي يزداد تناميا في سيناء، أضف اليهما خطر التواجد الارهابي الذي يتعزز يوما بعد آخر في ليبيا المجاورة، والتي يهدد توسع تواجد الدولة الاسلامية فيها، بتزايد مخاطر الارهاب على مصر، فلا يعود مقتصرا على صحراء سيناء، ليمتد الى المناطق المصرية المحاذية للحدود المصرية، وبعدها الى داخل عمق الأراضي المصرية.
التحالف الاسلامي بعد التحالف العربي
ولكن التطلعات السعودية، والتي ربما عززتها نسبيا التغييرات الجديدة في مواقع المسؤلين، مما أدى الى وصول بعض الطموحين الساعين لتعزيز المركز القيادي للسعودية، باعتباره أولية ضرورية كخطوة لتأكيد الدور السعودي كدولة كبرى قيادية في العالمين العربي والاسلامي ...فهؤلاء، وجدوا من الضروري انشاء تحالف عسكري اسلامي الى جانب التحالف العربي الذي اقتصرت مهمته على الحد من التمدد الشيعي في اليمن ومن ثم في الخليج، ليشمل التحالف الجديد، الحيلولة دون تمدد خطر آخر هو خطر الدولة الاسلامية التي وجدت جذورها في العراق، لكنها تمددت الى سوريا، ومن ثم الى ليبيا، وبعدها الى اليمن، ويهدد الجالس على مقعد الخليفة فيها "أبو بكر البغدادي"، بايصالها الى الأردن والسعودية، بل والى أوروبا المسيحية قبل الاسلامية منها، كما لاحظنا من تفجيرات باريس وبلجيكا وعملية المستوصف الطبي في بيرناردينو في ولاية كاليفورنيا الأميركية.
وهكذا برزت فكرة انشاء تحالف عسكري اسلامي يقف الى جانب التحالف الأميركي، ومن ثم التحالف الروسي، في مقاتلة الدولة الاسلامية. والمطلوب من مصر الآن أن تشارك فيه فعليا بقواتها، ولا تكتفي بمشاركة رمزية ومحدودة كما فعلت في التحالف العربي، رغم بقاء كل الأسباب (السابق ذكرها) التي استدعت محدودية المشاركة المصرية في التحالف العربي قائمة، مما أدى الى بعض الفتور في العلاقة المصرية السعودية، كاد يحول الموقف السعودي من مصر، الى موقف استراتيجي لم يعلم أحد الى أي مصير سينتهي.
ولكن السعودية التي تدرك تماما أن التحالف الاسلامي لن يكتسب قوة وفعالية بدون مشاركة أكبر دولتين اسلاميتين، كباكستان ومصر لكونهما من يمتلك جيوشا كبيرة العدد والاستعداد، قد شجعها على نبذ الفتور مع مصر، ومد يد ود وصداقة حميمة مرة أخرى لها، كما فعل من قبل الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز. فباقي المنتسبين للتحالف كجيبوتي، وجزر القمر، والأردن، وفلسطين (التي لا تملك جيشا لمقاتلة اسرائيل وتكتفي بمقاتلتها تارة عبر أطفال الحجارة، وتارة عبر شباب الخناجر)، وغيرها من الدول الاسلامية الصغيرة الداخلة في التحالف، كلها دول ضعيفة، وربما سارعت للانتماء لذاك التحالف، تطلعا منها للحصول على مساعدات مالية واقتصادية سعودية وخليجية.
أما دول الخليج الأخرى الخمسة المشاركة أيضا في التحالف، فهي تملك الكثير من الأسلحة الحديثة التي تبتاعها سنويا بمليارات الدولارات من مصانع الحليفة الأميركية، لكنها لا تملك المقاتلين، أو العدد الكافي منهم للدخول في حرب جدية، خصوصا السعودية التي تشارك قواتها فعلا في التحالف العربي وفي عاصفة الحزم، وقد لا يكون بوسعها المشاركة مشاركة فعلية وجدية في حروب أخرى قد يجد التحالف الاسلامي نفسه مضطرا لخوضها قريبا لتأكيد جديته وكونه قوة ضاربة حقيقية،كحرب ضد بورما (نيانمار) مثلا، دفاعا عن المسلمين المضطهدين هناك.
وقد لاحظ المراقبون أن دولة الامارات، بعد أن خسرت بعض جنودها في اليمن، توجهت الى المشاركة في تلك الحرب بمقاتلين مستأجرين من تنظيم((Black Waters الذي يضم مقاتلين محترفين، لكن مهماتهم الأساسية التي تدربوا عليها، هي حراسة الشخصيات الهامة أكثر من الخوض في معارك عسكرية على الأرض. أما السودان الذي يملك جيشا قويا نسبيا، لكنه جيش يقاتل في حروب داخلية أبرزها دارفور وكردوفان، ويواجه مشاكلا مع النوبيين في الشمال، واضطرابات في دولة السودان الجنوبي تؤثر عليه وتضطره لابقاء جزء من القوات السودانية في مواقع من حدوده الجنوبية. فالقوات السودانية قد تكون قادرة، كما فعلت على أرض الواقع، بارسال بضعة آلاف للمشاركة في القتال الجاري في اليمن، أما المشاركة في جبهات أخرى اضافية قد يضطر التحالف الاسلامي الى فتحها، قد يكون أمرا مستبعدا ومحفوفا بالمخاطر.
وهكذا، يعود التقدير الحقيقي لتفعيل التحالف الاسلامي، الى الحاجة الى القوات العسكرية المصرية والباكستانية، اضافة الى القوات السعودية المسلحة تسليحا جيدا، دون التعويل على قوات اسلامية أخرى كالقوات الأندونيسية مثلا، البعيدة نسبيا في موقعها، والمنشغلة حكوماتها بتطوير اقتصادها وتنمية أحوال شعبها، أكثر من تطلعها لخوض حروب حتى ولو كانت لأهداف اسلامية، رغم أن الاسلام هو الدين السائد فيها. وهذا يبقي عبء ذاك الحلف على المصريين المنشغلين أصلا، وعلى الباكستانيين الذين لا يقلون انشغالا بقضايا داخلية، وعمليات قتالية أحيانا ضد خركة طالبان - باكستان، اضافة الى العديد من العمليات الارهابية المتكررة ضد الشيعة والمسيحيين من مواطنيها، مما اضطرها رغم انتمائها لذاك التحالف، عن عدم استعدادها لارسال قوات برية فورية، مع استعدادها لارسالها على عجل، اذا تعرضت السعودية لخطر جدي.
طبعا هناك القوات التركية العسكرية، وهي قوات كبيرة وقادرة. ولكن هناك عدم ارتياح عربي لها بسبب دورها المشبوه في سوريا والعراق، بل وفي تعزيز نشوء واستقواء الدولة الاسلامية. أضف الى ذلك ارتباطها بحلف الناتو كأولية، وانشغالها بمقاتلة ألأكراد في بلادها، اضافة الى مواجهتها لتفجيرات ارهابية في بلادها، وانشغالها أيضا بعلاقات متوترة مع روسياالاتحادية، وسعيها الواضح لفتح جبهة أذربيجان- أرمينيا، ربما اعتمادا منها على التحالف الاسلامي لمساندتها في جبهة كهذه اذا فتحت. فهي على أرض الواقع، قد لا تكون قادرة في نهاية المطاف على تقديم دعم عسكري للتحالف الاسلامي، بل قد تحتاج قريبا الى دعمه لمواجهة كل الجبهات التي فتحتها على نفسها.
تساؤلات حول الأهداف المعلنة والمسببة لتشكيل التحالف الاسلامي
الهدف الفوري والمباشر المعلن لتشكيل التحالف الاسلامي، هو محاربة الدولة الاسلامية. وخطت السعودية خطوة فورية من أجل تحقيق ذلك، بارسال طائرات الى قاعدة انجرليك التركية للمشاركة في هذه العملية. بل وأعلنت عن مباشرتها الاستعداد لارسال قوات برية الى تركيا، كما تردد لوهلة في الأنباء، بهدف القيام بعملية سعودية تركية مشتركة لمقاتلة الدولة الاسلامية في الرقة، أي في عاصمة تلك الدولة، على أن تنطلق القوات المشتركة عبر الأراضي السورية بغية الوصول الى الرقة.
لكن شكوكا ثارت لدى البعض حول أهداف هذه الحملة، فأعتقدوا أن هدفها الحقيقي هو مقاتلة القوات السورية النظامية كخطوة للتخلص من الرئيس بشار الأسد. وهنا بادر "العسيري" الناطق باسم وزارة الدفاع السعودية، الى نفي هذه التكهنات، قائلا بأن التحالف يسعى فعلا لمقاتلة الدولة الاسلامية، ولكن في نطاق التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، ليشترك معها، وفي اطار عملها، في مقاتلة الدولة الاسلامية عندما يحين الوقت الملائم لتحقيق خطة كهذه باجماع ومشاركة دولية، دون قيام السعودية منفردة أو بمشاركة تركية في تنفيذ عمل كهذا. ولم يعلم أحد بعد، ان كانت لدى التحالف خططا أخرى تستدعي التعجيل بتشكيله، طالما أن القرار الدولي بمقاتلة الدولة الاسلامية في عقر عاصمتها المعلنة وفي الموصل أيضا، لم يوضع بعد موضع التنفيذ أو يحدد موعده بشكل نهائي وحاسم.
تطلعات الملك سلمان لمشاركة مصرية والمقابل لها
وازاء نفي الشكوك التي أثيرت حول أهداف التحالف الاسلامي وتبييض صفحته، بات من الطبيعي أن تكون الخطوة التالية لتعزيز ذاك التحالف، محاولة اشراك مصر فيه مشاركة جدية، لا مجرد مشاركة لفظية أو صورية، علما أن مصر لم يعرف عنها المشاركة سابقا بأحلاف كحلف بغداد، أو الحلف المركزي، فلم توقع مسيفا الا على معاهدة الدفاع العربي المشترك الذي تحبذ مصر تفعيله عوضا عن التحالف الاسلامي. وهكذا جاء العاهل السعودي الى مصر، مادا يد الصداقة والمودة، باعتبار أن مصر هي الشقيقة الكبرى، وتشكل الجناح الآخر لطير اسمه العالم العربي والذي سيقود العالم الاسلامي الذي سيعززه التحالف الاسلامي.
وقدم العاهل السعودي الكثير من الدعم المالي والاقتصادي لمصر تأكيد للنوايا الحسن, فوقع على اتفاقات عدة مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، منها اتفاق لبناء جسر عبر البحر الأحمر يربط البلدين، ويساعد على انتقال العمالة المصرية الى السعودية، وينشط التبادل الاقتصادي، ويشجع على ترويج سياحة السعوديين الى المنتجعات المصرية في سيناء. كما وقعا اتفاقا للتجارة الحرة بين البدين، واتفاقية أخرى لتأسيس صندوق استثماري بقيمة 60 مليار ريال (أكثر من 12 مليار دولار)، اضافة الى بناء جامعة الملك سلمان، ومغريات أخرى كثيرة لا شك ستساعد مصر على الوقوف على قدميها ماليا واقتصاديا، وتخفض عنصر البطالة فيها، اضافة الى منافع أخرى كثيرة. وتأكيدا للتوجه لمحاربة الارهاب كهدف أساسي للتحالف، التقى العاهل السعودي بالبابا تواضروص وكذلك بشيخ الأزهر، داعيا للوسطية والاعتدال والتعايش مع الآخر، كمبادىء ضرورية لمكافحة الارهاب، وخصوصا لمقاتلة الدولة الاسلامية.
هل هناك اتفاقات سرية لحلول حقيقية للمعضلات المصرية؟
ولا شك أن مصر بحاجة قصوى لكل ما وقع عليه الطرفان السعودي والمصري من اتفاقات، على أمل ألا يكون ثمنها الجزيرتين صنافير وثيران، علما بأن الحكومة المصرية لا تتمتع بحق دستوري في اقرار أمر كهذا. فالتنازل عن أراضي الدولة، هو قضية سيادية ويفترض الدستور اقرارها من قبل البرلمان بغالبية مميزة قد تقتضي موافقة 75 بالمائة من الأعضاء عليها. ومع ذلك فهي تذكر بالنزاع العراقي الكويتي في التسعينات حول جزيرتي وربا بوبيان، اللتين كانتا أحد أسباب الغزو العراقي للكويت ازاء تشبث الكويت برفضها منح العراق السيادة عليهما.
ومع ذلك، ومهما كان سبب الاعتراف المصري بالسيادة السعودية على الجزيرتين، والتي أثارت احداهما (ثيران) حرب عام 1967، فان مصر بالدرجة الأولى بحاجة لشيء أكبر من العون المالي والاقتصادي. فهي على أرض الواقع بحاجة لمساعدتها في اسكات جموح الاخوان المسلمين والعمليات المؤذية التي ينفذونها ضد أبناء الشعب المصري. كما تحتاج الى توقف النشاط الارهابي في سيناء عبر توقف امدادهم بالمال والسلاح أيا كان مصدرهما، اضافة الى توقف التآمر من قبل حماس على الشقيقة مصر، وهو التآمر المدعوم من تركيا، مما يتطلب بالتالي توقف تركيا عن التآمر ضد مصر. فأي تحالف ذاك الذي تشارك فيه مصر، عندما يكون أحد المشاركين فيه يتآمر على أمنها ويشجع اثارة الاضطراب ضد حكومتها.
ولا يعلم أحد بعد، ان كان قد رافق التوقيع على كل تلك الاتفاقات، تعهدات مكتوبة أو وعود شفهية سرية، بأن تسعى المملكة لمعالجة كل القضايا التي تعكر صفو المصريين، وتقلق أمنهم، لتتمكن مصر من تقديم دعم عسكري ما لذاك التحالف أذا اقتضت الضرورة مشلركتها في ذلك، على أن تكون المشاركة في قضايا عادلة، ولا تشكل اعتداء على الآخرين.
نعم تحتاج مصر لكل ما تقدمت به المملكة مشكورة من مساعدات ومشاركات على الصعيد المالي والاقتصادي. لكن الهدية الأكبر لها، سوف تكون بتحقيق الأمن والاستقرار فيها. اذ عندها، سيكون التحالف مجديا للقضية العربية وللقضية الاسلامية، وخصوصا اذا اقتنعت السعودية برؤية مصرية مطالبة باجراء بعض التعديل على موقفها من الوضع في سوريا، وترك مصير الرئيس الأسد للشعب السوري ليقرره. فاسرائيل هي العدو الحقيقي للعالمين العربي والاسلامي، وليست سوريا.
مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب – برلين
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي – واشنطن
كاتب في صفحات الحوار المتمدن – ص. مواضيع وأبحاث سياسية
عضو في رابطة الكتاب الأردنيين – الصفحة الرسمية
عضو في رابطة الصداقة والأخوة اللبنانية المغربية
عضو في مجموعة مشاهير مصر
عضو في صوت اللاجئين الفلسطينيين
عضو في مجموعات أخرى: عراقية، سورية، لبنانية وأردنية
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com