«قل يا أيها المنافقون لا أعبد ما تعبدون»، هذه ليست بآيات من الذكر الحكيم ولا هى صادرة من متنبئ وإنما من ضمير يرفض أن ينام وذهن لا يقبل تقديس بشر مهما بلغت ثقة الكاتب فيه أو احترامه له أو اقتناعه الكامل بصدقه ووطنيته التى لا خلاف فيها أو مزايدة عليها، والكلام هنا عن شخص الرئيس عبدالفتاح السيسى بل وصفته أيضاً.. آثر الكاتب أن ينحاز لوطنه الذى نشأ وتربى فيه لأب وأم دفعا عمرهما ثمناً لحب العاشق لوطنه و٣ من أخواله كانوا من كبار ضباط الجيش المصرى.. نشأة شاركه فيها ملايين من أبناء جيله بل وجيلين سابقين عليه عانوا من انكسار ١٩٦٧ وأعزهم الخالق بنصر ١٩٧٣، بل أصر كاتب السطور على أن يكون موضوعياً فى انحيازاته لهمّه الوطنى الذى دفع هو ثمناً له من حريته أحياناً ولقمة عيشه وأسرته أحياناً أخرى.
بين رفض قاطع من جانب ليس باليسير من الجماهير المصرية لفكرة التنازل عن جزيرتَى تيران وصنافير بخليج العقبة وبين تهليل مبالغ فى تزلفه لكونها صادرة من رئيس البلاد الذى يريد البعض وضعه فى إطار المعصوم من الخطأ أو المنزه عن كل نقص. لا يجب وضع المناقشة إلا فى إطارها الموضوعى وبناء على شهادات المعاصرين للخلاف أو النزاع المغلف بالتراضى الظاهرى، كما تجب الإشارة إلى وقائع مماثلة وتكاد تكون متوازية زمنياً أو تتطابق من حيث الظروف.
دون أن ننحى من الأذهان كل ما تمت مناقشته حول فرمان ١٨٩٢ ثم اتفاق ١٩٠٦ اللذين أسهبت الصحف والبرامج فى مناقشتهما (لا نتحدث عن موضوعية النقاش أو عمقه أو التوالى التاريخى لأعوام تبدأ منذ ١٩٥٠ وحتى العام الحالى فيما قد يسمى ولو تجاوزاً إدارة هذا الملف) هناك شهادة مهمة يتوجب الالتفات إليها للسفير سيد قاسم المصرى، أول سفير مصرى لدى السعودية بعد عودة العلاقات عام 1988 وعضو وفد مصر «الاستشارى» فى مفاوضات السلام المصرية الصهيونية، على الأزمة المثارة حالياً..
١- إنه فى عام ١٩٤٩ قامت القوات المصرية بوضع قوة مدفعية فى جزيرة تيران المصرية التى تبعد «ثلاثة كيلومترات» عن الساحل المصرى وبوضع قوة مماثلة فى جزيرة صنافير، وحذرت العدو «الكيان الصهيونى» من المرور فى المضيق، وهنا تعامل الملك عبدالعزيز آل سعود مع هذا الموقف بدهائه المعروف، فليس من الحكمة الاحتجاج على الخطوة المصرية التى لاقت ترحيباً واسع النطاق فى العالم العربى، وفى نفس الوقت هو يريد تأكيد حق بلاده فى تبعية جزيرة صنافير لها، لذلك قام بالإبراق إلى الملك فاروق مهنئاً ومؤيداً دخول القوات المصرية إلى جزيرة صنافير السعودية ومشيداً بالخطوة التى اتخذتها مصر فى مواجهة العدو المشترك، وبذلك أثبت حق السعودية فى تبعية الجزيرة لها وسار مع التيار العربى المؤيد لهذه الخطوة، ولعل هذه البرقية ما زالت محفوظة فى السجلات الملكية حتى الآن، وتمر السنون تباعاً بما تحمله من تفاصيل العدوان ثم النكسة ذهاباً إلى النصر وصولاً إلى المعاهدة والاتفاقية وما خلفته من مقاطعة عربية دامت ٩ سنوات.
٢- أصبح السفير سيد قاسم أول سفير لمصر بعد استئناف العلاقات، والجدير بالذكر فى هذا الصدد أن الأمير سعود الفيصل، وزير خارجية السعودية فى ذلك الوقت -الكلام على عهدة سعادة السفير طبقاً لشهادته عبر صفحته على موقع فيس بوك- «تحدّث مع الدكتور عصمت عبدالمجيد فى شأن جزيرة صنافير، حيث إن الأوضاع تغيرت بعد معاهدة السلام ولم تعد الظروف الخاصة التى سمحت لمصر بالتمركز بها قائمة وطلب تبادل خطابات بشأنها لتأكيد تبعيتها للسعودية، وقد قمت بنفسى بتسليم رسالة من الدكتور عصمت عبدالمجيد إلى الأمير سعود تتضمن اعتراف مصر بتبعية جزيرة صنافير للسعودية».
فى كل تلك المراحل الطويلة التى أشرت إليها، لا أحد يثير من قريب أو بعيد تبعية جزيرة تيران لمصر ووقوع تيران داخل المياه الإقليمية المصرية، وحتى مطالبة السعودية باعتراف مصر بتبعية صنافير للسعودية دون ذكر تيران تُعد قرينة على لذلك.
تلك هى الشهادة، وتجدر مناقشة وقائع مماثلة وتكاد تكون متوازية زمنياً أو تتطابق من حيث الظروف وتحديداً فيما يتعلق بمحاولات المملكة العربية السعودية لإعادة ترسيم حدودها السياسية مع دول الجوار وتحديداً فى دول شبه الجزيرة التى دأبت «المملكة» على فرض سطوتها عليها ترهيباً فى أحيان أو كسراً للإرادة بأشكال متعددة فى أحيان أخرى، وهو ما قد يُحسب لصالحها إن أردنا الإنصاف بالتحليل الواقعى للعمل السياسى أو هو ما قد يُحسب عليها إن أسرفنا فى الكلام عن القومية العربية والأخوة الوطنية التى لا تضع لها المملكة أى اعتبار.
لنأخذ اليمن كحالة جديرة بالدراسة والبحث كما أشار لها الأستاذ عبدالبارى عطوان فى مقاله المؤرخ ١١ أبريل ٢٠١٦ بصحيفة «رأى اليوم» وخاصة بعد رفض حكومتها العدوان الأمريكى على العراق فى ١٩٩١، حيث قررت السعودية معاقبة اليمن على تلك الخطوة وقامت بسحب امتيازات عمل كانت ممنوحة لليمنيين بحيث لا يعانون من رقّ الكفالة عند العمل داخل المملكة بل وقامت بطرد ما يقترب من مليون موظف وعامل يمنى، فبعد حصار اليمن اقتصادياً، وطرد السلطات السعودية أكثر من مليون يمنى كانوا يعملون داخل أراضيها؛ مما أسفر عن أزمة يمنية اقتصادية فاقمت من أزمة البطالة وحرمت حوالى مليون أسرة على الأقل من تحويلات هؤلاء المالية، ما ساهم فى تعطيل جانب ضخم من الحراك الاقتصادى اليمنى المبشر آنذاك بعد وحدة الشمال والجنوب.
هنا تدخل السلطات السعودية على خط المواجهة السياسية مع الرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح لإجباره على ترسيم الحدود والقبول بخط 19 الذى يعطيها مساحة واسعة من الأراضى، وليس على أساس خط 17 الإنجليزى، الذى كانت تصر عليه الحكومة اليمنية الأخطر من ترسيم الحدود، وحصول السعودية على ما تريد من أرض.
ثم كانت الضربة السعودية الثانية حين تنازل الرئيس اليمنى السابق عن اتفاقية الطائف التى كانت تنص على «استئجار»، وليس امتلاك، السعودية لمدينتَى جيزان ونجران، وأجزاء من إقليم عسير، لمدة مائة عام انتهت مدتها بعد عام 2000، وأصبحت المدينتان سعوديتين رسمياً.
ولكنها، وبطبيعة الحال، لم تلتزم بالشق الاقتصادى من الاتفاق إلا جزئياً، الأمر الذى أحدث مرارة وشعوراً بالخذلان لدى اليمنيين ترجمته الحرب التى انطلقت شرارتها بتوغل جماعات الحوثيين داخل هذه الأراضى اليمنية سابقاً والسعودية حالياً لأكثر من مرة منذ أكثر من ٨ أعوام.
دون الابتعاد عن المذكور عاليه، يعود الكاتب لمنافقى الحاكم ومختلقى المبررات والذين ذهبوا فى شطط التزلف لمرتقى يصعب منه العودة حين تحدثوا عن سيناريوهات مصرية سعودية للالتفاف على معاهدة كامب ديفيد لتأتى تصريحات وزير الخارجية السعودى «عادل الجبير» بأنهم ملتزمون بكل الاتفاقيات الدولية التى أبرمتها مصر بشأن تيران!!
هنا يأتى دور الأسئلة المشروعة التى توجه إلى حاكم البلاد.
١- هل شكلت يا سيادة الرئيس لجنة من أهل الاختصاص لبحث كل شاردة وواردة حول الجزيرتين قبل أن تضعنا جميعاً فى بؤرة هذا الاحتقان؟
٢- هل قرأت، فخامة الرئيس، التقرير الذى تقدمت به لجنة الخبراء حول نفس الأمر فى عام ٢٠٠٦؟
٣- هل تثق فى نوايا المملكة إلى هذا الحد، حتى بعد أن تقرأ ما فعلته مع اليمن؟
٤- هل لديكم، سيدى الرئيس، تقرير واف حول ما حدث مع أشقائنا الإماراتيين (واحة البريمى وحقل الشيبة وشريط العديد)، والكويتيين (المنطقة المحايدة)، والبحرينيين (حقل السعفة) والقطريين (مخفر الخفوس)؟
٥- إن سلمنا «لا قدّر الله» بفرضية ملكية الجزيرتين للمملكة وأن مصر ورئيسها الحالى لا يغبنون حقاً ولا يستولون على أرض.. فهل ستعيد إلينا «أم الرشراش»؟
٦- هل بلغك، أيها الرئيس ذو الرأى الرشيد، ما بدر من إساءات متبادلة بين شعبَى الدولتين بعد منحتكم الكريمة؟!
٧- هل لاحظت، فخامتكم، أن المملكة لم تحترم الدستور المصرى وحق الشعب فى الاستفتاء على قراركم المفاجئ (والذى سيُرفض بمشيئة الله) وانطلقت بتصريحات على لسان مسئوليها وكأنها تسلمت رسمياً الجزر المصرية؟
٨- هل يتكبر الرئيس أو يترفع عن الاعتراف بالخطأ ومن ثم الرجوع عنه؟!
٩- أخيراً، تُرى ما الذى يدور فى ذهن فخامتكم عن شعبيتكم المتزايدة بين صفوف الجماهير، خاصة بعد تنازلكم الوافر عن جزيرتينا المصريتين (على الأقل حتى الآن)؟
يقول الكاتب قوله هذا ويستغفر الله لكل من نافق لأجل حفنة ريالات ورحلتَى حج وعمرة من زملائه غير الأعزاء ويسأل الله الهداية لإخوانه المواطنين الذين يصنعون الفراعنة ثم لا يلومون أنفسهم، ويغسل الكاتب يده من دم كل مقاتلى مصر (فقط) الذين سالت دماؤهم الطاهرة دفاعاً عن تيران وصنافير وأم الرشراش.
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com