عندما خرجت المظاهرات فى مصر، الجمعة الماضى، احتجاجاً على الاتفاق المصرى- السعودى بخصوص جزيرتى تيران وصنافير، قمت بإحصاء الأخبار المنشورة عن مصر فى الجزء المخصص للشرق الأوسط على موقع «سى. إن. إن بالعربية»، فوجدتها تحتل 60% من أهم أخبار المنطقة.. ومع بداية كتابتى لهذا المقال كررت نفس الأمر بالنسبة لنفس الموقع يوم زيارة الرئيس الفرنسى أولاند لمصر فلم أجد ذكراً للزيارة ولا لمصر على الإطلاق.. ولكن قبل الانتهاء منه كان هناك خبران عن مصر، أولهما بعنوان: «السودان: نراقب اتفاق مصر والسعودية حول تيران وصنافير لحماية حقوقنا فى حلايب وشلاتين»، والثانى بعنوان: «السيسى لأولاند: لا يمكن قياس حقوق الإنسان فى مصر حسب المعايير الأوروبية».. الخبر الأول بداية مشكلة بين السودان الشقيق ومصر، استغلالاً للأزمة المحلية فى موضوع الجزيرتين، والخبر الثانى يتعلق بتبرير الرئيس لموضوع حقوق الإنسان أمام الرئيس الفرنسى، وأفردته كأن مصر مذنبة وتدافع عن نفسها..
هذا التوجه من قبل الـ«سى. إن. إن» ومثيلاتها تجاه مصر أصبح مفهوما وواضحا ولا يحتاج لتفسير، فهى تنتهج نفس توجه جماعات الضغط المنتشرة، والتى تحاول الدفع بمصر إلى حافة الهاوية مرة أخرى، وهو أمر كان متوقعاً وإن لم يكن متوقعاً بنفس السرعة، ولكن يبدو أن أموراً جدت جعلت العجلة تدور بشكل أسرع.
إبان ثورة 30 يونيو كنا ننظر إلى قلاع الصمود أمام الثورة فى الغرب والشرق وهى تنهار الواحدة تلو الأخرى اعترافاً بالثورة المصرية حين بدأت العلاقات تعود مع بلدان أوروبا وأفريقيا وآسيا وأمريكا.. كان الانتظار طويلاً والأمل كبيراً والموقف صعباً.. المياه كانت تعود لمجاريها نقطة تلو الأخرى ولم تكن متدفقة.. ألمانيا كانت واحدة من آخر تلك الحصون الرافضة لإرادة الشعب المصرى، ولكنها تراجعت، ولكن الحصن البريطانى الكاره لرغبة الشعب المصرى فى التخلص من طغمة نصب كميناً للرئيس السيسى فى زيارته للندن، وأطلق قنبلة تفجير الطائرة الروسية فى مصر فى هجمة مرتدة عنيفة على مصر وشعب مصر.
واليوم تبدو الصورة عكسية، فقد بدأ هؤلاء جميعاً فى هجوم مضاد وتحولت إيطاليا من حليف مهم أيد الثورة منذ انطلاقها إلى موقف معاد بشدة بسبب قضية جوليو ريجينى ومعها البرلمان الأوروبى الذى لم يبرح مكانه فى معاداته لمصر.. وانتقل العطاء إلى فرنسا، ولكنها قررت أن تغرد خارج السرب وتدعم مصر بزيارة رفيعة المستوى سبقتها زيارة وفدين ألمانيين اقتصاديين، مجموعها بارقة أمل أن الحصار لم يكتمل على مصر بعد.. ولكن.
ولكن كيف نتعامل مع هذه الشبكة المنصوبة حولنا لشل حركة البلاد وتركيعها بشكل كامل لتحقيق طلباتهم وطلبات أعوانهم؟ بداية يجب أن نعرف ما هى هذه الطلبات؟ هل هى المصالحة مع الإخوان وإعادتهم للحكم رغم أنف المصريين؟ هل هى الرضوخ لمتطلباتهم فى ليبيا وسوريا؟ هل هى التوقف عن التطوير فى بلادنا؟ لا يمكن أن تكون قضية حقوق إنسان!! بدليل ما قالته السيدة فيديريكا موجيرينى، مفوضة السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى بخصوص حقوق الإنسان فى إيران، حيث قالت إن سياسة أوروبا قائمة على مبدأ السعى للحوار مع إيران.. لم تقل الضغط على إيران.. لم تقل الدفع بإيران لاحترام حقوق الإنسان المنتهكة منذ عقود طويلة.. ذلك لأن المسألة مصالح فقط، فإيران هى بلد اللبن والعسل الجديد بالنسبة لأوروبا.
ما الذى يعنيه هذا بالنسبة لمصر؟ هل يعنى أن مصر ليست بلاد اللبن والعسل؟ على العكس هى كذلك بالفعل، ولكن يمكنها أن تنتظر بينما لن تنتظر إيران، ولذلك يتنافس الجميع على هذه الكعكة ولنغلق الباب على مصر الآن حتى ننهل من عسلها فيما بعد، وإغلاق الباب عليها لن يحدث إلا بأسلوب «سى. إن. إن» ومثيلاتها.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com