يحتفل المَسيحيُّون فى "مِصر" غدًا بـ"عيد الشعانين" المعروف بـ"أحد السَّعف" وهو الأحد الذى يسبق "عيد القيامة" مباشرة، عندما دخل السيد المسيح إلى "أورُشليم" راكبًا على جحش فى مشهد احتفالى شعبى كبير، وقد فُرشت له القُمصان، واستُقبل بسعف النخيل وأغصان الشجر وهتافات "أُوْصَنّا لابن داوُد" من جماهير التلاميذ والشعب والأطفال خاصة.
لقد استُقبل "السيد المسيح" من عدد كبير من أفراد الشعب، احتفَوا به ملكًا متوجًا، وكانوا يهتِفون له هتافًا ارتجت له المدينة كلها، وقال الفَريسيُّون بعضهم لبعض: "اُنظروا! إنكم لا تنفعون شيئًا! هوَذا العالم قد ذهب وراءه!"؛ لقد جذب السيد المسيح البشر بمحبته الشديدة لهم، إذ كان يخرج إليهم كل يوم ويجول بينهم يصنع خيرًا: فنراه يشفى مريضًا أتى إليه، أو مُقعدًا حمله أصدقاؤه ووضعوه أمامه كى يُبرأه، ويصرخ إليه أعمى فى الطريق فيستجيب لأنينه ويهبه البصر، أو يستجيب لنبضات قلب أب مكلوم على ابنه يعذبه شيطان فيعتقه من سلطانه واهبًا له الراحة، ويناديه البُرْص المرذولين فى ذٰلك الزمان من أجل مرضهم أن يتحنن عليهم ويُطهرهم من برصهم فينالون منه الشفاء، ثم نراه يقترب من نعش ابن وحيد لأرملة فيقيمه من الموت ماسحًا أحزان قلبها، ويقترب إليه الأطفال فيَقبلهم بحب وقلب وديع قائلًا: "دعُوا الأولاد يأتون إلى ولا تمنعوهم..". أيضًا لم يتوقف السيد يومًا عن تعليم الشعب وتلاميذه بما يحتاجونه لأجل حياة بارة صالحة أمام الله؛ وهٰكذا صارت زمن خدمته ـ الذى استمر ما يزيد على ثلاث السنوات ببضعة أشهر ـ مليئًا بأعمال المحبة والتعليم والرحمة.
وفى تواضعه، لم يبحث السيد المسيح عن كرامة أو مجد، بل حين دخل إلى "أورُشليم"، رَكِب على أتان وجحش بن أتان! فيقول "زكريا النبيّ": "هوَذا ملككِ يأتى إليكِ. هو عادل ومنصور وديع، وراكب على حِمار وعلى جحش ابن أتان". وفى دخوله "أورُشليم"، يقدم السيد المسيح تعليمًا سبق أن قدَّمه فى "العظة على الجبل": "طوبى للوُدعاء، لأنهم يرثون الأرض"، ولٰكنه فى هٰذه المرة قدَّمه عملًا وقُدوة إذ بتواضعه ووداعته جذب إليه قلوب البشر فالتفَّوا حوله كملك متوج على قلوبهم. إلا أن هناك من رفضوا تلك الجاذبية الفريدة، وسعَوا للتخلص من شخصه المبارك!! مِثل الفريسيِّين: إذ محبتهم للذات والسلطة أعمت أعينهم عن الحق والمحبة المقدمة إليهم، ومثل "يهوذا الإسخريوطيّ": الذى خان السيد لأجل محبته للمال؛ وهٰكذا جاءت نهاية أولٰئك وذاك قاسية جدًّا إذ سلكوا طريق الكبرياء ومحبة العالم.
إن دخول السيد المسيح إلى "أورُشليم" يعِيد أفكارنا إلى ذٰلك الحب الذى قدمه إلى كل إنسان، وهٰذا التواضع العظيم الذى سار به بين البشر ليكون أعظم مثال لنا فى طريق الحياة؛ ولْتظل كلماته ووصاياه سراج الدرب: "... وتحب الرب إلٰهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك، ومن كل قدرتك. هٰذه هى الوصية الأولى. وثانية مثلها هي: تحب قريبك كنفسك. ليس وصية أخرى أعظم من هاتين».". • الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى.
نقلا عن اليوم السابع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com