ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

يهوذا خان أكم يهوذا ..؟!

لطيف شاكر | 2016-04-25 10:47:54

بقلم: لطيف شاكر

خيانة يهوذا من أشهر نماذج الخيانة ، رغم أنّه ليس اولها او اخرها  بالتأكيد، كان يهوذا الاسخريوطي، الذي خان معلمه، السيد المسيح، مقابل ثلاثين قطعة من الفضة، وهو ما يفسر استخدام العديد من المعاجم اسمه كأحد مرادفات كلمة خائن. ليس هناك لعنة أكبر من أن يكون اسم شخص ما هو الأساس الذي تشتق منه كلمة الخيانة ذاتها، لكن عبقرية الشعوب التي يخونها بعض قادتها، أبدعت في تحويل اسم من يخونها الى نعت قبيح الدلالة، وأحياناً اشتقاق مفهوم ذي دلالات بشعة من الاسم كوسيلة للعقاب والتوبيخ الأبدي

لا تحتل خيانة يهوذا للسيد المسيح المرتبة الأولى بين كل الخيانات فقط. لقد أصبح هذا الخائن ، في المخيلة والثقافة الإنسانية  يرمز لا لخيانته للسيد المسيح فحسب ، بل لكل حالات الخيانة الكبرى كالتنازل عن الوطن أو خيانة الشعب وأبناء الجلدة او خيانة الزوجة والاهل فالخيانة لاتتجزأ . ربما لهذا السبب اختار دانتي   صاحب «الكوميديا الإلهية»، أن يطلق اسم هذا  الخائن  على الحلقة  التاسعة ، من القسم السفلي للجحيم، التي خصصها مسكناً أبدياً للخونة.

  يقول  شكسبير لاحقاً هذه الخيانة محفورة  في الوعي الإنساني من خلال عمله «يوليوس قيصر»، لتصبح عبارته «حتى أنت يا بروتوس»، دلالة إلى الخيانة العظمى وقريبة كثيراً في رمزيتها من قبلة يهوذا للسيد المسيح. قبلة الموت، التي يذكرها شكسبير، كدلالة للخيانة
هناك في كلّ اللغات وكلّ الثقافات وكلّ أشكال التعبير، إجماع على بشاعة الخيانة وقبحها، واتفاق على لعنة الخونة. وهذه اللعنة، كما يبدو من كتب التاريخ والأدب والفن والفولكلور، تلاحق الخونة بكلّ اللغات، وفي كلّ الثقافات وبكلّ الأشكال الأدبية والتعبيرية، وتدوم ما دامت اللغة والثقافة والشكل التعبيري. وغالباً ما يكون متفهماً تماماً، في هذه التعبيرات، شكل نهايتهم.

 تكون أحياناً بعضاً من عقوبة مستحقة، وإن كانت مقززة، كعقوبة أوغولينو الذي قضى آخر أيامه في السجن مع أبنائه جائعاً واضطر، حسب رواية دانتي، إلى أكل لحمهم. ربما أراد دانتي أن يشبّه من يخون شعبه بمن يأكل لحم أبنائه، أو أراد أن يزيل أي فارق بين من يخون شعبه ومن يأكل لحم أبنائه، الفعل الذي لا يمكن تخيله أو تخيل ما هو أبشع منه أبداً.

  الخونة دائما  تلاحقهم  اللعنة  حتي ولو بعد حين ، دخلوا التاريخ كرمز فريد للانحطاط. فأصبح هؤلاء، لاحقاً، مادة للتحقير في الأعمال الأدبية، والفنية، والتاريخية، كأنّه إصرار من التاريخ، على ضرورة استمرار عقاب هؤلاء الخونة والاستمرار في توبيخهم إلى الأبد. هكذا فعل شكسبير ببروتوس لاحقاً، لتحل عليه اللعنة مع كل قراءة أو أداء لـ«يوليوس قيصر»، بأي لغة وأي رؤية أو شكل وفي أي زمان أو مكان.   يقول دانتي في الأنشودة الثامنة من الجحيم، «كم من أناس يحسبون أنفسهم هناك ملوكاً جبارين ويكونون هنا كالخنازير في الزبل جالبين لأنفسهم أشنع الازدراء».

و يظل توبيخ من يخون شعبه وعقابه، عبر تحوّله إلى رمز لأقذر فعلة ممكنة، دليلاً، ليس على بشاعة الفعل أو على شكل ما من أشكال العدالة الأخرى التي لم يتحدث عنها    دانتي فقط، لكن على قدرة الشعوب على تجاوزهم وتجاوز تأثيرات فعلتهم بمرور الزمن، والاستمرار في الوقت ذاته في فضحهم وتوبيخهم. فحتى يهوذا، صاحب أصل كلمة الخيانة، لم يستطع أن ينجو بفعلته الشنيعة ويحقق مبتغى أسياده.

مات يهوذا قبل أن يموت الرب يسوع المسيح، أطلق حكم الموت على نفسه قبل أن يطلق بيلاطس حكم الموت صلباً على يسوع، كان يسوع يمشي طريق الألام من أجل خلاصنا نحن الخطأة ومن أجل خلاص يهوذا نفسه من خطيئته التي إرتكبها بحق المسيح، لكن يهوذا لم يدرك ذلك في حينها، لقد شعر بالذنب والإحباط، لم ينتظر قليلأً حتى يتوب وعاقب نفسه بالموت شنقاً، حيث التف حبل المشنقة على رقبته قبل أن يعلق الرّب يسوع على خشبة الصليب ثم مات يهوذا وبقي في قبره، ومات الرّب يسوع بعده وقام في اليوم الثالث، مما جعل يهوذا يعاني من الدينونة والعذاب إلى الأبد، ويملك الرّب يسوع في مجده الى الأبد.‏

 هل يهوذا فقط هو الخائن؟ لقد رأينا هتاف الشعب ليسوع حين دخل أورشليم “هوشعنا لإبن داود” مستقبلينه ملكاً على أورشليم، ورأينا نفس المشهد عند محاكمة يسوع يطالبون بقتله وبصلبه، أليس هؤلاء الناس هم شركاء أيضاً في هذه الخيانة، الفرق أن يهوذا باع ضميره وعقله مقابل المال وأسلم المسيح، أما الشعب خانوه بالهتاف مؤيديين الشيوخ والأحبار ليصلب، خانوه وهم لايدركوا أن المسيح آتى إلى هذا العالم ليخلصهم
لقد مرت الأيام وما زلنا نتذكر هذه الخيانة العظمى التي ارتكبها يهوذا ، إنها ليست الخيانة الوحيدة في التاريخ لكنها الأعظم، لننظر إلى أنفسنا قليلاً، سنجد بيننا كثيراً من الناس يرتكبوا الخيانات، ليس فقط يهوذا الذي خان، إنما البشر أيضاً، ففي عالمنا هذا كثيراً ما نرى صديق يخون صديقه، إمراة تخون زوجها، زوجاً يخون إمرأته، عامل يسرق صاحب العمل، أراضي تُسلب من أصحابها، أوطان تُدمر بهدف تقويض الأمن والاستقرار في الوطن ، يقاتل الخائن  مع طرف آخر ضد بلاده، يخطط لقتل رأس الدولة، يتخابر مع دول أخرى ويسرب لها أسرارها هي بضعة أمثلة شائعة لما يمكن إعتباره خيانة عظمى.

ورغم أن الخيانة في المفهوم اللغوي تعني الغدر وعدم الإخلاص وجحود الولاء   إلا أن مفهومها - كمصطلح - قد شابه الغموض، تبعاً لتطور مفهوم الدولة، وتطور النظم السياسية. ففي ظل النظم الاستبدادية - قديماً وحديثاً - جرت العادة -من الناحية السياسية- على أن الخيانة تعني إلقاء التهمة على الخصوم السياسيين في الدولة للتنكيل بهم والحكم عليهم وإبعادهم عن مسرح الحياة السياسية. وفي ظل النظم الديمقراطية الحديثة التي أصبحت الدولة شخصية قانونية متميزة عن شخص الحاكم، وأصبح الحاكم منوطاً به حماية هذه الدولة والمحافظة عليها، فإنه -وإن كان غير مسئول جنائياً كمبدأ- يصبح مسئولاً عن جرائم الخيانة العظمى، وأصبح مفهومها يعني " العبث بأمن الدولة الخارجي والداخلي والتآمر على حقوق المواطنين، وتسليم البلاد للأجنبي، أو خلق حالة من الفوضى تسهل تدخل الدول الأجنبية في شئون الدولة

أليس كل هذا.. نوع من أنواع الخيانات، أليس كل هذه ضمائر ميتة، ترتكب الخطايا كل اليوم، إذاً يهوذا ليس وحده الخائن، إن الخطيئة التي عملت في يهوذا وتغلغلت في قلبه، توجد في كل واحد منا، وقد تنمو وتتكاثر قبل أن ننتبه لها، فالقتل خيانة  والكراهية خيانة والتعصب خيانة والحقد خيانة والغدر خيانة  وعدم الامانة خيانة ...وهكذا  وإذا لم ندرك محبة الله لنا  فنحن خائنون لله.

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com