تواصلت سياسة التصعيد الإيطالى ضد مصر على خلفية قضية الشاب الإيطالى الذى تم تعذيبه وقتله فى القاهرة قبل نحو ثلاثة شهور.
بالطبع ما تعرّض له الشاب الإيطالى جوليو ريجينى يمثل جريمة بشعة، لوقائع الخطف، التعذيب، القتل، ثم إلقاء الجثة على طريق مصر إسكندرية الصحراوى، ما مثّل تحدياً للدولة المصرية وأجهزتها الأمنية لا سيما أن واقعة الخطف جرت فى الخامس والعشرين من يناير، فى الذكرى الخامسة للثورة، وإلقاء الجثة كان يوم الثالث من فبراير فى يوم كان مفترضاً أن يشهد توقيع عدة اتفاقات مصرية إيطالية.
توقيت الخطف وترك علامات تعذيب شديد على الجثة وتوقيت إلقائها على الطريق كان محبوكاً بدقة لتوجيه أصابع الاتهام لأجهزة الأمن المصرية من ناحية، وتوقف التعاون المصرى الإيطالى المتصاعد لا سيما فى مجالى الغاز والبترول بعد نجاح شركة إينى الايطالية فى تحقيق كشف الغاز الضخم فى المياه الإقليمية بالبحر المتوسط من ناحية أخرى.
وعلى الرغم من غموض الجريمة وصعوبة فك خيوطها، وأن الجرائم من هذه النوعية عادة ما تظل دون حل لفترات زمنية طويلة وربما للأبد، فإن الحكومة الإيطالية سارت فى اتجاه التصعيد مع مصر، رضخت لضغوط جماعات أكاديمية، بريطانية تحديداً، بعضها مرتبط بقيادات إخوانية مثل مها عزام فى جامعة كمبريدج والفريق العامل معها والذى حرص على توجيه الاتهام لأجهزة الدولة المصرية على النحو الذى جعل والدة الضحية تقول «عذبوه وقتلوه كما لو كان مصرياً».
تضامن البرلمان الأوروبى مع إيطاليا وأصدر بياناً قاسياً بحق مصر، وتضمنت دول أوروبية مع إيطاليا وعملت على التصعيد ضد مصر وكانت بريطانيا فى مقدمة هذه الدول.
وعلى الرغم من إبداء مصر أسفها لما جرى للضحية، ووعدها بالكشف عن الجناة، وتقديم كافة أشكال الدعم والتعاون الكامل مع الجانب الايطالى، فإن الرد الإيطالى كان مواصلة التصعيد ضد مصر وتقديم قوائم من الطلبات بعضها يمس صميم الأمن القومى المصرى وينتهك السيادة المصرية على النحو الذى رفضته الحكومة المصرية.
فى المقابل تعاونت السلطات المصرية بشكل كامل مع الجانب الإيطالى، ورغم ذلك لم يتراجع التصعيد الإيطالى الذى وصل إلى مستويات غير مسبوقة بل غير مطروقة فى تفاعلات الدول حتى فى مستويات الصراع والعداء المرتفعة، ومن قبيل ذلك توجيه السلطات الإيطالية لاتحاد كرة القدم بأن ترفع الفرق الإيطالية شعارات تدعو إلى الكشف عن الحقيقة فى قضية مقتل ريجينى، وهو تصعيد أتصور أنه غير مسئول وغير مبرر على الإطلاق، فالتصرفات الإيطالية من هذا القبيل والاتهامات المتكررة دون دليل عملى إنما تكشف عن حالة غير منطقية من جانب الحكومة الإيطالية، إن الشعبين والبلدين ليسوا أسرى عداء تاريخى أو صراعات قديمة، كما أن إيطاليا هى الشريك الأوروبى الأول لمصر، وتُعد إيطاليا من أوائل الدول الداعمة لثورة الثلاثين من يونيو، وكان التعاون بين القاهرة وروما يسير نحو معدلات قياسية غير مسبوقة، وهو الأمر الذى ينبغى على الحكومة والمؤسسات الإيطالية التوقف أمامه وإمعان النظر فيه وعلاقته بقضية قتل ريجينى، ومن حيث توقيت الخطف وإظهار الجثة وطبيعة التعذيب الواقع عليها والتى تقول جميعها إن من قتل ريجينى ومثّل بجثته وأظهرها يوم توقيع اتفاقات مشتركة غاية فى الأهمية، هدفه وقف التصاعد فى علاقات البلدين، بل وضرب العلاقة المتطورة بين الحكومتين، وهو ما تحقق بالفعل، علينا تأمل ذلك بعناية والبحث عن صاحب أو أصحاب المصلحة فى ذلك، وفى نفس الوقت نقول للجانب الإيطالى: كفى تصعيداً، فنحن لا نريد تدهور العلاقات أو نسج حالة عداء شعبى بسبب التصعيد الإيطالى المبالغ فيه وغير المبرر والذى يمكن أن تكون له ردود فعل سلبية فى علاقات البلدين.
نقلا الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com