بقلم/ أسامة رءوف
أهنئكم بعيد القيامة المجيد .. قيامة المسيح التى سكبت فى قلب البشرية روح الرجاء فأدرك كل مؤمن كم وكم يود الله لحياته ولأبديته من سعادة وغني وأفراح ، لأنه لا يشاء موت الإنسان فى حزنه وضعفه وعجزه مثلما يرجو له الفرح الدائم واستحقاق المجد الأبدي مع المنتصرين ..
إن قوة الرجاء التى سكبتها قيامة المسيح فى نفوس المؤمنين يا أحبائي هى سر عزاؤهم وثباتهم وشجاعتهم فى معترك الحياة والشهادة للمسيح ، والذين لا يخشون معها سيف الغريب أو ضربة من قبل ابليس وأعوانه ، فلو دفعهم الألم إلى الانتظار سوف يظهرون بكل فرح صبرا وطاعة وخضوع ، وإن سلبتهم المحنة أموالهم وأوقعتهم فى فخ الخسارة تراهم بقوة الرجاء مؤمنين بما هو مكتوب " قبلتم سلب اموالكم بفرح عالمين في أنفسكم ان لكم مالا أفضل في السماوات و باقيا. " ، وإن تعرضوا لضيق وظلم واضطهاد نجدهم فى قوة الإيمان من وعد الله القائل " يحاربونك ولا يقدرون عليك " ، وإن اشتد بهم الحزن لا يبرح من أفواههم التسبيح للرب والفرح به بلا انقطاع .. وإن اجتازوا فى المخاطر وفُقد الأمل فى نجاتهم نجدهم يقولون بروح الإيمان والفرح والرجاء "إن عشنا فللرب نعيش، وإن متنا فللرب نموت. فإن عشنا أو متنا، فللرب نحن " وإن ضاعت من أمامهم كل فرصة للوصول إلى ما يرجونه وينتظرونه لا يبرح من أعماقهم روح الإيمان بالله " الجاعل في البحر طريقا وفي المياه القوية مسلكا " ، وإن حُورِبُوا بترك الإيمان المسيحي ومواكبة الذين أخذوا من المظهرية والعصرنة وإغتصاب حق الاخر منهجا فى الحياة تراهم منتصرين فى هذه الحرب بروح المكتوب " ادخلوا من الباب الضيق لانه واسع الباب و رحب الطريق الذي يؤدي الى الهلاك .. لأن ليس لنا هنا مدينة باقية، لكننا نطلب العتيدة " .. هذا هو الرجاء العامل فى أبناء القيامة والذين هم بسببه أصحاء فى الإيمان وأقوياء فى مصارعتهم مع الشياطين ..
لقد جاهد المسيح كثيرا خلال فترة حياته بالجسد على الأرض من أجل أن يملأ النفوس بالرجاء ، فعندما كان يعلم الشعب كان يشجعهم على التفكير فى الأجر السمائي و الحياة الأبدية ومكافأة الأبرار فى اليوم الأخير ناهيا اياهم عن اللجوء إلى العنف والمقاومة ورد الإساءة بالمثل وموجها إياهم إلى ممارسة إنكار الذات والاتكال على الله والغفران للمسيئين والصلاة من أجلهم بروح المحبة والرجاء والمثابرة ، وكل الذين تقابل معهم كان يعمل جاهدا من أجل انسكاب روح الرجاء داخلهم .. فملأ قلب اللص اليمين بالرجاء على الصليب وملأ قلب بطرس بالرجاء على بحر طبرية وملأ قلب السامرية بالرجاء عند بئر يعقوب وملأ قلب التلاميذ بالرجاء مرارا سيما أوقات ضعفهم ويأسهم ، وملأ بالرجاء أيضا قلب المرأة التى امسكت فى ذات الفعل وتلك التى جاءت فى بيت سمعان الفريسي ملتمسه منه السلام والغفران وملأ بالرجاء قلبي مريم ومرثا أختي لعازر عندما اقام هذا الأخير من الموت بعد أربعة ايام ، وكل الذين تعاملوا معه لمسوا فيه منهجه الواضح فى سكب روح الرجاء داخل الكل ..
ولم يقف دور الرجاء المُعطي لنا بقيامة المسيح عند حد الفرح والاطمئنان من جهة ما هو قادم وعتيد أن ياتي على حياة الإنسان ، وإنما تخطي دوره لكي يخلق فى قلوب المؤمنين وفى أفعالهم حب الألم والتضحية والصبر والبذل من أجل الوصول إلى الهدف وما هو كفيل بجعل أرواحهم فى سمو وقوة وتعفف وانتصار كل حين ، وهكذا استطاع الكثيرين بفضل قوة القيامة ، ورغم صعوبات التجارب والمحن والأزمات ، أن ينتقلوا من مجد إلى مجد كل يوم ، إذ قد ملأ الرجاء قلوبهم ..
حقا ، مباركة هى قيامة المسيح التى ملأت القلوب بالرجاء الذى هو سلاح الغلبة فى زمن حروبنا ضد كل ما يعوق فرح وسلام وسعادة إنساننا الداخلى ..
وثمار الرجاء التى كفلتها القيامة كثيرة جدا ، نراها فى حياة كل الذين جاهدوا من اجل الامتلاء من روح قيامة المسيح ، فامتلأت حياتهم من التحدي و الحكمة والسلام والشجاعة فى مواجهة الموت والصدمات والمحن المتواترة .. ، وما احوج الإنسان ، كل إنسان ، لهذه الثمار القادرة أن تجعله فى فرح وسلام وارتفاع كل حين ، متحررة نفسه من كل خوف ويأس وميل رديء نحو الإنزلاق والتراجع والتدني فى معاملاته وتدابيره ، ومن ثم عدم الاحتساب فى عداد المتخلفين الذين منعهم الاستسلام لضعفاتهم من الوصول إلى الهدف ومشاركة المستحقين للطوبي والمجد ورضا الله ..
إن القيامة يا أحبائي ألبست أولاد الله ثوب الرجاء فلا سلطان لليأس أو الخوف أو القلق على حياتهم ، لأن القيامة طرحت كل هذه الأمور إلى خارج .. فما أعظم قيامة السيد التى أبدلت الخوف والقلق واليأس بقوة الرجاء وجعلت فى نقوس المؤمنين الشوق الدائم لملكوت الله وميراث الحياة الأبدية وشركة أمجاد المسيح..
ولأن الرجاء هو علامة الإتحاد والإيمان بالمسيح القائم من الموت والإنسان بطبعه يميل الى الفرح والسعادة ، فحري به أن يجلس تحت مظلة الرجاء بكل إيمان وترقب ، لأن فى فعل ذلك ربح عظيم لحياته ، وفى تجاهله لهذا الفعل خسارة لا تعبر عنها الكلمات .. وأقول إن حفظ النفس تحت مظلة الرجاء أفضل من الفرح بالثروات الطائلة ، والشبع من ثمار الرجاء أفضل من الفوز بغنائم حروب كثيرة ..
ونحن إذ نستقبل عيد الأعياد وأعظمها ، عيد القيامة المجيد ، نرفع قلوبنا إلى الله لكي يسكب فيها من قوة الرجاء وديمومته ، ما يجعلها طاهرة من أى خوف ويأس وقلق وبغضة ، مصلين فى قلوبنا وكنائسنا وبيوتنا ومخادعنا من أجل أن يشرق الرب بنور الرجاء فى قلب العالم ، ويبيد من داخل كل إنسان ضعفه وفشله فى التعامل مع التحديات والمحن وأزمات العالم المعاصرة والقاسية ، واهبا إياه قوة الرجاء والشجاعة وقدسية الرغبة والتفكير ، ومتضرعين أيضا من أجل كل المأسورين من قبل الشيطان وأعوانه من بني البشر ومن أجل كل الذين اقتنصهم الشيطان لإرادته لكي ما يحررهم الرب جميعا من قبضة إبليس وسلطانه ، لأن هذه هى مشيئة الله أن يكون لنا جميعا روح الكمال والتعفف والنصرة التى تجعلنا ننشد مع مسيحه بلحن الغلبة " أين شوكتك يا موت .. أين غلبتك يا هاوية "
كل عام وحضراتكم بكل خير ونعمة وسلام ورجاء ..
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com