ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

مقترح إقامة كنفدرالية فى السودان .. حل عبقرى أم مأزق استراتيجي؟

أخبار سويسرا - بقلم: د. حسن أبو طالب | 2010-11-16 09:05:16

فى اقل من اسبوع واحد شدد وزير الخارجية المصرى ابو الغيط ثلاث مرات متتالية على أن المبادرة المصرية التى قدمت للسودان شمالا وجنوبا لانشاء كنفدرالية هى "لغرض حماية الإستفتاء ونتائجه أيا كانت" وللحيلولة دون العودة إلى العنف والحرب، وهى إجمالا مبادرة صادقة من أجل السودان وشعبه.

ردود الفعل الاولى ليست واضحة بعد، فالشمال وعد بدراسة الفكرة أما الجنوب فيميل إلى اعتبارها كأن لم تكن. وفى خلفية الصورة خطة طريق أمريكية قدمت للخرطوم تشجع على إجراء الإستفتاء فى موعده مع وعد برفع السودان من لائحة الارهاب وتخفيف المقاطعة الامريكية. وكأن الولايات المتحدة تقول صراحة إنها مع انفصال الجنوب وتقسيم السودان، وأنها تعارض الطرح المصرى بتأجيل الإستفتاء لفترة قصيرة من الوقت، لا تتجاوز ستة أشهر.

وبغض النظر عن التدخلات الامريكية والإغراءات التى يقدمها الغربيون لحكومة الجنوب الراهنة، فالموقف الامريكى يعنى أنه يطارد الإقتراح المصرى، ولا يهمه كثيرا مسألة الإستقرار سواء فى الجنوب أو فى الشمال، وذلك عكس الفكرة المصرية.

اقتراح نابع من قلق
الإقتراح المصرى نابع من قلق شديد من أن إجراء الاستفتاء قبل توافر شروط واضحة وملزمة للطرفين قد يطيح بأى فرصة للاستقرار فى كلا البلدين، ونابع أيضا من حرص على مساعدة السودانيين على تخطى المرحلة المقبلة بأقل قدر من الخسائر لهذا الطرف او ذاك.

وحسب الرؤية المصرية، فإن موعد الاستفتاء المحدد له التاسع من يناير 2011 حسب نص اتفاق نيفاشا ليس موعدا مقدسا لا يجوز تغييره، فالمهم هو كيف سيتم الإستفتاء وهل توافرت شروط النزاهة والقبول من كل الاطراف المعنية، وهل حسمت القضايا الفرعية والاجرائية والرئيسية التى تحيط بإجراء الاستفتاء، وهل يمكن قبول نتائجه وهناك من سيشكك فيه وفى إجرائه أصلا؟

حياة السودانيين هى الأهم
الأصل فى الرؤية المصرية أن حياة السودانيين واستقرارهم أكثر أهمية من أى موعد، يمكن تأجيله لبعض الوقت فى ضوء تفاهم ملزم وخطة محددة للوصول إلى اتفاقات نهائية للقضايا محل الخلاف فى فترة التأجيل التى يمكن ان تصل إلى ستة اشهر وحتى يونيه 2011.

من يتأمل الطرح المصرى يدرك أن القاهرة تتخوف من أعمال عنف واسعة المدى يمكن أن تحدث إذا ما تشكك الكثير من السودانيين فى الطريقة التى قد يُجرى بها الإستفتاء، او تبين لهم أنه لم يتوافق مع القانون السائد والمبادئ المتفق عليها فى اتفاقية نيفاشا نفسها.

ويمتد التخوف المصرى من أن تثور اعمال عنف واسعة المدى بين الجنوبيين انفسهم إذا كانت نتيجة الإستفتاء هى الانفصال واتمام سيطرة الحركة الشعبية على مقدرات الدولة الوليدة، وبالتالى تتعرض هذه الدولة الجديدة فى الجنوب إلى انتكاسة كبرى فى أولى مراحل وجودها، وهو ما سيؤثر على مستقبلها وعلى علاقاتها مع جيرانها. وتدرك مصر أيضا أن هناك انقسامات فى داخل الجنوب ما بين القبائل الكبرى وما بين القوى السياسية، وهناك توجهات تدافع عن وحدة السودان، وقد لا تقبل بسهولة الإنفصال مما قد يدفعها الى الاشتباك مع الدولة الجديدة، وهو ما سيؤثر حتما على الاستقرار وعلى قابلية هذه الدولة للحياة.

ولا يمكن أن نستبعد القلق من وصول أعداد كبيرة من السودانيين مرة اخرى إلى مصر كملاذ لهم من العنف والتردي المحتمل فى الجنوب. وهو ما حدث فعلا فى فترة بداية حكم الإنقاذ فى السودان نهاية الثمانينات وطوال التسعينات من القرن الماضى، حيث وصل عدد السودانيين من كل ولايات السودان الذين فضلوا انتظار تحسن أحوال بلادهم فى أرض المحروسة إلى ما يقرب من أربعة ملايين نسمة، وظل الأمر على هذا النحو حتى حدثت انفراجة بين القاهرة والخرطوم، نهاية التسعينات، وهدأت الاوضاع نسبيا فى ربوع السودان، فبدأت جموع السودانيين بالعودة مرة أخرى إلى أرض الوطن.

وظيفة الكونفيدرالية
ووفقا لشرح الوزير أبو الغيط فإن فإن إنشاء كونفيدالية فى السودان يعنى أن يقبل الطرفان نظاما دستوريا قانونيا يعنى بوجود علاقة خاصة بين دولتين لكل منهما شخصيته الدولية، حتى إذا حدث الإنفصال بين الشمال والجنوب وتشكلت دولة جديدة فى الجنوب وظلت هناك قضايا لم تُحل بشأن الحدود أو منطقة ابيي أو تقسيم مياه النيل أو عوائد النفط أو غير ذلك، يظل الحوار قائما تحت مظلة دولة واحدة إلى أن تكتمل كافة شروط الانفصال السلمى التام.

وبذلك يتحقق شرط ضمان إجراء الاستفتاء فى جو سلمى وبما يسمح لكل الاطراف ان تقبل نتيجته بإيجابية وبصدر رحب، وبالتالى تنتفى الرغبة فى الانتقام او فى الرفض العنيف لقرار الانفصال إن كان هو خيار غالبية الجنوبيين.

وليس بخاف هنا أن الأولوية المصرية كانت دائما للسودان الموحدة والوحدة الجاذبة، غير أن المؤشرات الظاهرة والباطنة لا توحى إطلاقا بأن هذين المبدأين لهما نصيب معقول فى نفوس الجنوبيين، لاسيما قياداتهم البارزة (مثل سليفا كير نفسه وبان أقوم) التى تطلق التصريحات صريحة التحريض والداعية إلى الإنفصال بأى شكل وأيا كان الثمن الذى قد يدفعه الجنوب نفسه.

ومعروف أن مصر لم تكن ترغب أبدا فى تضمين اتفاقية السلام للعام 2005 أى بند أو إشارة إلى حق تقرير المصير للجنوب، وأنها كانت تعمل من أجل التركيز على حماية الوحدة وحقوق المواطنة والحفاظ على التعددية الهائلة فى السودان عرقيا ودينيا وسياسيا وعشائريا وهكذا. ولذا كانت المفاجأة كبيرة حين قبل الطرفان الأساسيان مبدأ حق تقرير المصير، وعندها أصبح على القاهرة أن تتكيف مع الوضع الجديد، وأن تعمل على تطبيق خيار جعل الوحدة جاذبة. ويبدو أنها ستكون المرة الثانية التى ستجد القاهرة نفسها مضطرة إلى التكيف مع قرارات الجنوب بصدر رحب وعقل مفتوح.

عيوب الاقتراح
ولكن الإقتراح المصرى لا يخلو من بعض العيوب؛ أولها انه يجئ فى فترة زمنية قصيرة للغاية من موعد الإستفتاء المحدد فى اتفاق نيفاشا، ومن هنا فهو أشبه بفرصة تقدم فى اللحظات الاخيرة قبل الحدث الأهم، ولما كان اقتراح الكونفيدرالية له جوانبه القانونية والدستورية والسياسية والمالية، وغير ذلك من ترتيبات تتطلب وقتا للفحص والدراسة واتخاذ القرار المناسب.

أما العيب الثانى فهو أنه لم يحدث تمهيد كاف لطرح الفكرة، التى وإن عكست حرصا مصريا على وحدة السودان حتى فى اكثر صورها الدستورية مرونة، فإن الإقتراح بدا كمفاجأة كبيرة على الشماليين والجنوبيين معا.

وثالثا فإن الفكرة المصرية تبدو وكأنها بلا دعم عربى لها، وهو ما يرسل رسالة للجنوبيين بأن عدم التجاوب مع المقترح لن يؤدى إلى حرج فى علاقات الجنوب مع الكثير من البلدان العربية، والتى لا يهمها ما الذى يحدث فى السودان ككل.

ورابعا لم يتم استقطاب الموقف الأمريكى لتأييد المقترح المصرى.

انقسامات فى الجنوب
ومن يتأمل الخريطة السياسية فى الجنوب يتعرف على انقسامات رأسية وافقية كبيرة، ذلك أن اندفاع قيادات الحركة الشعبية الحاكمة فى الجنوب نحو الإنفصال يجد معارضة من بعض قوى وقيادات جنوبية، منها من انشق عن الحركة الشعبية، مثل لام اكول وقلواق قاى والجنرال فاولينو ماثت وجورج اطور وغيرهم، وذلك لأسباب عديدة أبرزها الخلاف الموضوعى مع الحركة ككل بشأن طريقة إدارة الجنوب والتركيز على الانفصال وتوتير العلاقة مع المؤتمر الشعبى الحاكم والشريك فى اتفاقية نيفاشا للسلام.

هذا الخلاف ظهر جليا فى صورة فشل مؤتمر الحوار الجنوبى الجنوبى، والذى استهدف أن يوحد رؤى القوى الجنوبية قبل إجراء الاستفتاء، ولكن الرياح لم تأت كما اشتهى الـسـّفـِـنُ (ربّان السفينة). وبالتالى فإن عدم التواصل مع القوى الجنوبية المختلفة حول مغزى وأهداف الاقتراح وعوائده السياسية والمعنوية على الجنوب قبل الشمال، ضيع فرصة ثمينة - وقد تكون أخيرة - للحفاظ على شكل مرن للوحدة السودانية.

وضع حرج إقليميا
أما إقليميا فإن بروز دولة جديدة منغلقة جغرافيا ولا مخرج لها إلى البحر، سيجعلها دائما بحاجة إلى دعم دولى، والمؤكد هنا أن الولايات المتحدة ودولا أوروبية كثيرة تراهن على الإنفصال وتقسيم السودان نكاية فى حكم الإنقاذ الذى أتى بالفريق عمر البشير ورفاقه منذ 30 يونيو 1989 وحتى الآن، وهو أمر من شأنه أن يُغير جذريا خريطة الإقليم جغرافيا واستراتيجيا، وأن تفتح الدولة الوليدة ذراعيها للولايات المتحدة وحلفائها الكبار فى العالم، مما سيجعلها نواة لنفوذ إسرائيلى، سيضر حتما بمصالح مصرية عريضة وأساسية (لا يجوز التهاون فيها من وجهة نظر القاهرة).

هذه الزوايا المتقاطعة للفكرة المصرية، وبالرغم مما فيه من جوانب مضيئة بالنسبة لمبدأ وحدة السودان، لكنها كشفت عن مأزق استراتيجى وقع فيه كل السودانيين، يمكن تلخيصه بأنه مأزق التشرذم وليس التوحيد، ومأزق رغبة الجنوبيين فى الانفصال وممارسة سلطة مطلقة فى زمن يكره كل صنوف الشمولية والتسلط على حياة الناس. وهنا يبقى للإقتراح المصرى وجاهته فى إثبات حرص مصر على بلد جار وشقيق عزيز، بينما أهله يرفضون.. الهدية!؟.
نقلًا عن  swissinfo.ch

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com