الاسكندرية – ايهاب رشدى
ملايين من المصريين يتشوقون إلى كوب ماء نظيف لا يؤذى صحتهم ، أو لطعام خال من الكيماويات التى تسمم أبدانهم ، ولكن فى الإسكندرية وبالتحديد فى غرب المحافظة ، هناك أكثر من 60 ألف نسمة من المصريين كل أمنياتهم فى الحياة أن تكون نسمات الهواء التى تتسلل إلى صدورهم نظيفة . نقية .. لذلك فهم يحاربون باستماته من أجل ذلك ولكنهم لم يحصدون شيئا حتى الان سوى المرض وموت الأحباء فى صراع غير متكافئ بين المال والسطوة والفساد من ناحية ، وبين البسطاء من أصحاب الحق من ناحية اخرى .
إنهم سكان منطقة وادى القمر بغرب الإسكندرية ، تلك المنطقة العريقة التى يعود تاريخها إلى العصر الرومانى ، ولكنها تحولت بفعل مصنع أسمنت " تيتان " إلى واد غاب عنه القمر والأمل ، إلى واد الموت البطئ الذى يتسلل إلى أجسادهم من خلال أمراض الربو والحساسية والتحجر الرئوى والسرطانات .
يقع مصنع أسمنت تيتان الذى يعمل باستثمار يونانى على بعد 5 أمتار من منطقة وادى القمر حيث لا يفصله عنها سوى سور المصنع الذى لا يمنع الانبعاثات السامة التى تصدر طوال اليوم عن أخطر أنواع الصناعات ضررا بصحة الانسان وهى صناعة الاسمنت .
اعتاد أهالى وادى القمر على رؤية السحب السوداء التى تصدرها مداخن المصنع ، أما غبار الأسمنت فهو شئ ملازم لحياتهم اليومية تجده على حوائط المنازل ، وأثاث الشقق وأدوات المطبخ .
يقول هانى عقيل أحد شباب المنطقة الذين أخذوا على عاتقهم هذه القضية التى تخص أرواحهم وأرواح أطفالهم ، أن أغلب الاطفال الذين تلدهم أمهاتهم فى وادى القمر يتم وضعهم على جهاز تنفس صناعى حيث يرثون المشاكل البيئية للمنطقة من قبل ولادتهم .
أما حساسية الصدر وصعوبة التنفس فهى المرض السائد بين معظم اهالى المنطقة وهو ما يؤدى غالبا إلى التحجر الرئوى والوفاة ، وهناك حالات وفاة عديدة مثبتة بالتقارير الطبية تؤكد ذلك .
كما أن أضرار مصنع الاسمنت لم تصب فقط سكان وادى القمر بل امتدت إلى سكان مصر كلها حيث يؤثر عادم الاسمنت المنبعث من المصنع على الملح الذى تنتجه شركة المكس للملاحات بالاسكندرية والذى يستهلكه معظم المصريين فى طعامهم ، حتى ان شركة المكس تضطر لغسل الملح الذى يكتسى بطبقة من الاسمنت قبل طرحه فى الاسواق ، وعملية الغسيل هذه لا تضمن الجودة الصحية للملح بالنسبة المطلوبة .
هناك دعوى قضائية مرفوعة منذ عام 2010 أقامها أهالى وادى القمر ضد شركة أسمنت تيتان ، يطالبون فيها بنقل المصنع نظرا للأضرار الصحية والبيئية الناجمة عنه وهى متداولة فى أروقة المحاكم ، ويتابع " ابو عقيل " وبالرغم من أن لجنة المفوضين قد أوصت بنقل المصنع بعد أن أثبتت اللجنة الفنية الاضرار الجسيمة التى يسببها لسكان المنطقة إلا أن القضية لازالت محجوزة للحكم منذ عامين ولم يتم البت فيها حتى الآن وهو الآمر الذى يثير العديد من علامات الاستفهام ، عمن هو صاحب المنفعة الذى تضحى الدولة بصحة مواطنيها من أجل إرضائه .
ويقول " على القسطاوى " المحامى الحقوقى بالاسكندرية والمسئول عن تلك الدعوى أن مصنع أسمنت تيتان يعمل بدون ترخيص ، وأنه يزاول نشاطه تحت مسمى أنه محجر بالرغم أن المادة الحجرية قد أستنفذت وإزيلت عنه ، كما يشير إلى وجود تواطئ من إدارة محاجر الأسكندرية التابعة للمحافظة فى أمر المصنع ، وهو الأمر الذى جعل هذا المصنع باق حتى الآن فى رأيه .
و مما زاد الأمر سوءا ان المصنع بدأ منذ عدة شهور فى استعمال الفحم وتدوير القمامة كمصدرين للطاقة مما زادت معه اضراره ، وكان عدد من أهالي منطقة وادي القمر، قد أقاموا دعوي قضائية فى يناير الماضى ضد رئيس الوزراء ووزير البيئة ومحافظ الإسكندرية وإدارة المصنع ، لوقف استخدام الفحم في المصنع، وأكدوا في دعواهم أن وجود المصنع، مخالف للدستور ومواد البيئة التي تحظر استخدام الفحم في المصانع القريبة من الكتل السكانية، وتم تأجيل القضية المتداولة بمجلس الدولة لجلسة 29 مايو الجارى .
أما تقارير جهاز شئون البيئة بالاسكندرية فهى دائما كما يقول " ابو عقيل " تأتى لصالح المصنع وتؤكد أن لديه فلاتر تتحكم فى الانبعاثات السامة التى يبثها المصنع .
شباب وادى القمر وسكانها لن يهدأ لهم بال طالما أن مصنع الاسمنت لازال يعمل لذا فقد تواصلوا مع البنك الدولى حتى لا يتم منح شركة تيتان قروضا من جانبه ، وأثبتوا أن الشركة لا تلتزم بحماية البيئة ، وقد قامت لجنة من البنك الدولى بعمل زيارة ميدانية لوادى القمر وتقابلوا مع الاهالى وشهدوا بأنفسهم الاضرار التى يعانون منها بسبب وجود المصنع فى بيئتهم .
وفى النهاية يتساءل شباب وادى القمر كم من رئيس حى ومحافظ ووزير بيئة ورئيس وزراء ، عرضت عليهم مشكلتنا مع مصنع اسكندرية للأسمنت ، ولم نصل لنتيجة حتى الآن ، ومتى يستجيب المسئولون ويتم نقل المصنع لحماية أرواح أكثر من 60 ألف نسمة ، أم يتم التضحية بأهالى وادى القمر من أجل عيون أصحاب المصنع ومن ورائهم .
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com