احتراما لقرار النائب العام بحظر النشر في واقعة نقابة الصحفيين صدرت وطني الأسبوع الماضي خالية صفحاتها من التعرض للواقعة وتداعياتها التي شغلت الرأي العام والإعلام بعد أن تم تداولها وتأجيجها تحت عناوين مثيرة مثل الدفاع عن حرية التعبير والذود عن كرامة الصحفيين وكرامة الصحفي من كرامة الشعب المصري كله…
واستمرارا في الالتزام بأمر حظر النشر لن تنساق وطني في فتح ملف هذه الأزمة ولا في توزيع الأدوار فيها بين تبرير هذا وإدانة ذاك, لكن بينما نظل نرقب بكل اهتمام الجهود العاقلة المبذولة نحو العبور بالأزمة إلي بر الأمان, تؤرقني خواطر طالما شغلتني في أمر العمل النقابي أجد لزاما علي أن استدعيها وأكرر طرحها لأن من الواضح أن غيابها يخلق مساحة كبيرة من سوء الفهم تبتعد بالعمل النقابي نفسه عن أهدافه السامية وتتسع لتفصل بين الرأي العام المستفز الغاضب في جانب والمهنيين النقابيين في جانب آخر.
لا خلاف علي أن نشأة الفكر النقابي في الأصل كانت تلبية لاحتياج ماس لتنظيم أحوال أي فئة من المواطنين تشترك في ممارسة ذات النشاط أو المهنة أو الحرفة وكان السبيل إلي ذلك وضع المعايير واللوائح والمواثيق التي تعمل في ظلها تلك الفئة علاوة علي رعاية حقوقها ورقابة التزامها بواجباتها… وظل العمل النقابي دوما يكتسب هيبته وثقله واحترامه لدي أتباعه ولدي المواطنين الآخرين علي السواء بمقدار يقظته وصرامته في رقابة ممارسات وسلوكيات أتباعه وفرزهم وتنقيتهم أولا بأول من العابثين والمخطئين والمتجاوزين باعتبارهم يشوهون شرف وأخلاقيات ومتطلبات مهنتهم, ويتوجب تنقية المهنة منهم ذودا عن كرامتها وحماية لأقرانهم في المجتمع منهم… من هنا تأسست القناعة الأصيلة بأن مظلة العمل النقابي ليست ملاذا للتستر علي التجاوزات بدعوي الحفاظ علي سمعة المهنة بلا عوار, بل هي مسئولية مخيفة مهنيا وأخلاقيا تتطلب جهادا متصلا لطمأنة المجتمع إزاء تلك المهنة وكفاية ونقاء أتباعها.
ومن هنا تتأصل أيضا القناعة بأن لا انفصال بين المهنة وأتباعها وبين المجتمع, فالمواطنون جميعهم سواء يقفون تحت مظلة كبري تجمعهم هي مظلة الوطن وتربطهم منظومة واحدة من القوانين يخضعون لها في تشكيل حقوقهم وواجباتهم, لا تسمو عليها إطلاقا أية قوانين أو لوائح أو مواثيق فئوية مرتبطة بمظلات فرعية يتوزعون عليها تبعا لأنشطتهم أو مهنهم أو حرفهم, بل يجب أن تسطر تلك اللوائح والمواثيق بما يكمل القانون العام ولا يتعارض معه بأي صورة من الصور حتي لا ينشأ أي تناقض معه يؤدي إلي خلق مواجهة أو استعلاء أو تنازع تبعية بين القانون العام واللوائح الخاصة.
أخشي ما أخشاه أن هذه المفاهيم لم تعد راسخة وضلت الطريق في أحيان كثيرة أمام ممارسات مغلوطة تركت لتستشري مثلها مثل معظم خطايانا ونقائصنا حتي تصورت بعض الفئات أنها بسبب طبيعة عملها تستحق أن تستعلي وتتميز علي أقرانها في المجتمع ولها أن تتحصن بالتشريعات والامتيازات التي تنأي بها عن صولجان القانون.
والحقيقة أن هذا المسلك يمثل استفزازا للمجتمع يطلق في صورة صالح يراد به باطل إذ ما حاجتنا إلي امتيازات وتحصينات فئوية لمن يلتزمون بمواثيق شرف مهنتهم أو لمن تقف نقابتهم ساهرة يقظة علي رقابة أدائهم ومحاسبتهم بكل صرامة علي تجاوزاتهم؟..
إن ذلك الواقع المريض إنما ظهر ليحمي المتجاوزين والفاسدين وليتستر علي البقع السوداء التي يلحقونها بالثوب الأبيض للمهنة بدعوي الذود عن كرامة المهنة!!!.
إن العمل النقابي أيا كان لصحفيين أو محامين أو أطباء أو مهندسين… أو حتي لحرفيين أو عمال أو فلاحين,يلزم مراجعة مفاهيمه وإعادة تأصيل مواثيقه وأخلاقياته وأؤكد لكم أن الأمور سوف تنضبط وتستقيم يوم أن يرتعب كل منا من أن يقف أمام مجلس محاسبة وتأديب نقابته بدلا من أن يهرع إليها لتوفر له ملاذا آمنا من صولجان القانون!!!.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com