ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

التنوير والإنتاج والقانون والإعلام

كمال زاخر | 2016-05-16 08:51:15

التنوير فعل تغيير، والتغيير يواجَه دائماً برفض ومقاومة، خصوصاً فى المجتمعات المتخلفة والتقليدية والمنعزلة عن الحراك الطبيعى (عوامل الانقطاع المعرفى). وهى مجتمعات تعتقد رغم ذلك، وربما بسبب ذلك، أنها لا تحتاج لتنوير لأنها لديها ما هو أفضل، «اليقين المطلق»، لذلك تجدها تستخدم «أفعل» التفضيل فى وصف نفسها ومجتمعها، فهى فى عينى نفسها الأفضل والأحسن والأعظم، وهنا تأتى مسئولية التنوير.. الإلحاح فى طرح مشروع التحديث والأنسنة، والمثابرة فى الطرح باتضاع وصبر ووعى.

وهى مسئولية كل من أدرك الحالة العامة الذهنية والفكرية السائدة التى أنتجت التخلف والفقر والتعصب والكراهية والتشرذم، والتى انعكست سلباً على مفهوم العمل والإنتاج والمهنية والكفاءة، وتُرجم هذا فى تراجع المنتج المحلى وفقده للقدرة التنافسية، فكان أن خرج من الأسواق العالمية حتى تلك التى كان له فيها نصيب قبلاً، وتراجع عن سد احتياجات السوق المحلية، فكان لا بد أن يصرخ ميزاننا التجارى من العجز والاختلال السلبى بين كفّتيه، وكان لا بد أن يتعاظم التضخم وتقفز أرقام الدين الخارجى وفاتورة خدمته، والدين الداخلى أيضاً، وتحول الاقتصاد من الإنتاج إلى الريع. وتفشت البطالة الفعلية والمقنَّعة.

لا يصح التهكم على المجتمع كما يفعل «الفيسبوكيون»، ويعدونه خفة ظل، لأن هذا يكشف قدراً من أزمتنا وعن حالة استعلائية تتلبّسهم، ويكشف عن أن النخب قد انعزلت عن الهمِّ العام، وتشوشت وتشوهت، ولم تبرح مواقعها التى تشكلت وفق معطيات الثورة الصناعية والأيديولوجية، ويكشفها إصرار كثيرين من كوادرها على تقديم حلول تقليدية فى ثنائيات لم يعد لها مكان، اليمين واليسار، الجيش والمدنى، بينما ثورة المعلومات والتواصل لديها حلول مختلفة.

أضف إلى ذلك أن تيارات الإظلام (الدينى والسياسى) لا يمكن أن يحققوا رؤيتهم إلا فى مجتمعات منقطعة عن التنوير، ومعهم ترسانة من الآليات الغيبية المدغدغة لوجدان القاعدة العريضة (المغيبة ابتداء) ويعيدون إنتاجها والضغط بها بشكل دورى، فى انتهازية فادحة، وفى سبيل تحقيق حلمهم ومشروعهم المفارق لحركة الزمن، وهو حلم ماضوى رجعى تخريبى، يستبيحون كل الطرق لذلك، يمارسون القتل والكذب وبث الفرقة بعقل بارد و«ضمير» مستريح!!

وهنا تطل السياسة برأسها، ويجد المستنيرون أنفسهم مطالبين بموقف إيجابى يدعم وحدة الوطن من خلال القنوات السلمية والمشروعة، فى تقدير للضغوط العاتية التى تمارَس على الدولة وعلى الرئيس، فسقوطها وسقوطه البوابة الرئيسية لعودة نظامَى دولة الفساد والدولة الدينية، المتحالفتين الآن، وهذا يعنى بغير مواربة إيذاناً بتفكيك مصر ليكتمل المخطط الذى بشرت به خرائط ومشاريع الشرق الأوسط الجديد.

ونحن لا نبدأ من فراغ، فلدينا بنية أساسية محكمة فيما نملك من مؤسسات رسم حدودها الدستور، وحدد طبيعة وأبعاد العلاقة بينها، على رأسها المؤسسات الثلاث، القضائية والتنفيذية والتشريعية، بعيداً عن انعكاسات المرحلة الانتقالية، المرتبكة بحكم طبيعتها، وبالرغم من الموروث الثقيل المكبل لحراكها. ونحن مطالبون، من خلالها، بإعادة الاعتبار للقانون وسيادته بحزم وحسم، لا نملك رفاهية الالتفاف حوله، وبغير مواربة أرى أن رئيس الدولة، بوصفه حكماً بين السلطات، يؤمن بهذا وأعلنه بوضوح فى أكثر من كلمة له فى حركته المكوكية والدائبة بين المشروعات الكبيرة التى يعلن عنها تباعاً.

بقى أن نعيد هيكلة منظومات الإعلام الذى كاد أن يفقد بوصلته، ونعيد بعث آليات الثقافة التى تملك إعادة رسم الخريطة الفكرية للشارع ودعم تيار التنوير كما عرفه العالم بعيداً عن وهم الخصوصية القاتلة للإبداع ومساعى الخروج من النفق، وقد آن أوان تحرير الإعلام الرسمى، وعلى قمته التليفزيون الرسمى، المكبَّل والمتراجع، فمنه تبدأ مسارات التنوير، السؤال: من يعلق الجرس؟
نقلا عن الوطن

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com