بقلم: منير بشاى
ما أكتبه في هذا المقال بديهي ومنطقي، وكنت أتمنى أن يكون واضحًا في أذهان الناس دون ما حاجة إلى تذكيرهم به. ولكن ما يجرى في"مصر"في هذه الأيام لا يخضع إلى منطق، ولا يقبله عقل ولذلك أجد لزامًا أن أكتب فيه.
تأتينا الأخبار المأسوية المتكررة من"مصر"مثل ما حدث في"ديروط"و"فرشوط" وأخيرًا في قرية"النواهض"أن قبطيًا أتهم أنه على علاقة بفتاة مسلمة، وبدون تحقيق أو محاكمة أو سماع أقوال الجاني أو المجني عليه (إن كان هناك جناية أصلاً) أو سماع شهود الإثبات أو شهود النفي، يتم الحكم علي القبطي من الغوغاء بالإدانة بل ويتم تنفيذ الحكم، وهذا كله بدون قانون وبعيدًا عن القضاء والنيابة والأمن والشرعية.
ولكن أكثر من ذلك أن المؤسف حقًا أن الحكم الجائر لا يطبق على الشخص المشتبه فيه فقط، مع أن هذا في ذاته ظلمًا، بل وينفذ أيضا على كل مسيحي القرية بأكملها وضد أناس قد لا يعرفوا عن الموضوع شيئًا، ولا تربطهم بالمشتبه به صلة، لم يشجعوه على فعلته، ولم يسهلوا له ما أرتكبه، ولم يوافقوه على هذا التصرف، بل يشجبوا هذا الفعل بكل ما أوتوا من قوة. والنتيجة أن يقوم مسلموا القرية ضد المسيحيين، ويحرقوا بيوت الجميع وأيضًا يحرقوا محلاتهم التجارية مصدر رزقهم.
والشيء الوحيد الذي يشارك فيه المسيحيون، ذلك الشخص أنهم ينتمون لنفس الطائفة. ولا أقول أنهم ينتمون لنفس الدين لأن الدين المسيحي لا يوافق على ارتكاب مثل هذه الفواحش، وبالتالي فإن من يرتكبها يعزل نفسه تلقائيًا عن الدين المسيحي وعن مجموع المسيحيين، فلا هو في فعلته جزءًا من المسيحية أو واحدًا من المسيحيين، ولا يتحملون مسئولية أفعاله وبالتالي لا يجب أن يدفعوا ثمنها.
وحتى نكون عادلين نؤكد أن هذا المبدأ ينطبق على العكس. فالأعمال الإرهابية التي يقوم بها البعض ممن ينتمون للدين الإسلامي هم وحدهم الذين يجب أن يتحملوا مسئوليتها، ولا يجب التعميم وإدانة كل مسلم على وجه الأرض بأنه شريك في الجريمة، إلا إذا كان مؤيدا لها أو من أسهم في الجريمة سواء ماديًا أو معنويًا.
وكواحد من أقباط المهجر الذين دائمًا يوضعوا في قفص الاتهام، وتلصق بهم التهم بأنهم يسيئون إلى المسلمين ويتلفظون بكلمات نابية ضد الدين الإسلامي وضد رموزه. دعني أؤكد أن الغالبية الساحقة من أقباط المهجر لا تعمل هذا ولا توافق على هذا الأسلوب أو تشترك فيه.
ولكن إذا كان هناك قلة من المحسوبين على أقباط المهجر يفعلون هذا فإن عددهم غالبًا لا يزيد عن أصابع اليد الواحدة من مجموع أقباط المهجر، الذين يصل عددهم إلى حوالي ٢مليون. هؤلاء معروفون بالاسم وليس المهم ذكر أسمائهم بل فضح أعمالهم وشجبها. ولكن هؤلاء يعيشون في مجتمعات تبيح حرية التعبير وهم يستخدمون هذه الحرية للتعبير عن أفكارهم بطريقتهم الخاصة، التي لا تلقى تأييدًا من مجموع أقباط المهجر بل تقابل دائمًا بالاستنكار والاستهجان من الجميع وإن كانوا لا يملكون سلطة إيقافهم لأن القانون يعطيهم حرية التعبير.
ولكن ما أريد أن أوضحه أن تصرفات هذه القلة لا يجب أن تنعكس على جموع الأقباط، من أقباط المهجر أو حتى أقباط الداخل، لأن مجموع الأقباط يلتزموا بالمبادئ المسيحية التي تنهاهم عن الإساءة للآخر أو التحقير من معتقده أو إهانة رموزه.
صحيح أن لكل إنسان الحق في اختيار معتقده وتفضيله على غيره من المعتقدات، وأيضًا من حقه الدفاع عن معتقده وتقديم الدليل على صدقه. هذا الحق مكفول للجميع ولكن يجب أن يتم بطريقة مهذبة وعلمية وبدون تجريح.
إن مبادئ الدين الإسلامي وكذلك الدين المسيحي تؤكد مسئولية الفرد عن ما يفعل، وأن هذه المسئولية لا يجب أن تطال من لم يشترك في الفعل حتى وإن كان ينتمي إلى نفس العقيدة أو لنفس العرق. فالمبدأ الإسلامي كما جاء في القرآن يقول: "لا تزر وازرة وزر أخرى" سورة فاطر ۲۲:۱٨، والمبدأ المسيحي كما جاء في الإنجيل يقول: "كل واحد سيحمل حمل نفسه" غلاطية ٦:٥ والمعنى من النصين أن كل واحد مسئول عن تصرفاته الشخصية فقط، وليس مسئولاً عن تصرفات الغير. وما عدا ذلك هو ظلم لا يقره دين أو عرف أو أخلاق.
وعلى العقلاء أن لا يقفوا كالمتفرجين وهم يشاهدوا هذا الاعتداءات التي ترتكب ضد الأبرياء بالجملة، وكأن الأمر لا يعنيهم. فكلنا مسئولون أمام الله أن ندين الظلم ونؤيد الحق وأن نكون رسل حب وعدل وسلام في المجتمع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com