بقلم : حامد الحمداني
الهجمة الوحشية الشرسة التي تعرض وما زال يتعرض لها المواطنات والمواطنون المسيحيون الأصلاء، والذين لا يستطيع أحدًا إنكار أنهم أبناء هذا الوطن الأولين، على أيدي زمرة حقيرة لا دين لها، ولا تحمل أية قيم إنسانية أو أخلاقية، زمرة مسخرة من قبل أيادي خارجية لا تمت للوطن والمواطن العراقي بصلة، والتي استنكرها اشد الاستنكار أبناء شعبنا العراقي بكل قومياتهم وأديانهم وطوائفهم، ووقفوا جميعًا إلى جانب المسيحيين الذين عاشوا بينهم أخوة متحابين كعائلة واحدة في هذا الوطن، الذي هو ملك الجميع، وكان المسيحيون على مدار التاريخ وطنيون مساهمون بفعالية في رفع شأن"العراق"، ومسالمون لا يحملون ضغينة ضد أحد، ويتمتعون بخلق عالي، ويكنون المحبة للآخرين، ولا تعرف قلوبهم الكراهية والأحقاد.
إن مجزرة كنيسة سيدة النجاة الرهيبة بحق المصلين المسيحيين ورجال الدين المسالمين، والتي أسفرت عن استشهاد 42 فردًا من النساء والرجال والأطفال، وإصابة العشرات بجروح بالغة، وإثارة الرعب والخوف بين المواطنين المسيحيين من خلال عمليات تفجير مساكنهم، وسياراتهم، وحملة الاغتيالات المتواصلة تتطلب إجراء تحقيق دولي بغية الوقوف على منفذي هذه الجرائم والذين يقفون وراءهم ويدعمونهم بالمال والسلاح، حيث باتت القضية أكبر من عملية إرهابية هنا وهناك، بل هي عملية إجرامية منظمة، واسعة النطاق لتهجير ملايين المسيحيين من أرض أجدادهم منذ آلاف السنين، فهي والحالة هذه تعتبر بحق جريمة ضد الإنسانية، وينبغي أن يتولى التحقيق بهذه الجريمة محققون دوليون على مستوى عالٍ من الكفاءة، بغية الوصول إلى الجهة التي تدفع هذه العصابات الفاقدة لصفة الإنسان، وتجاوزت في غيها وإجرامها كل الحدود، وإحالتهم ومن يقف وراءهم إلى محكمة دولية، وإنزال العقاب الصارم بهم ليكونوا درسًا لكل من تسول له نفسه العبث بالنسيج الاجتماعي للعراقيين، وإثارة النعرات الدينية والطائفية والعنصرية المقيتة.
إن الولايات المتحدة تتحمل كامل المسؤولية عن الأوضاع المأساوية التي حلت بـ"العراق"منذ احتلاله عام 2003 وحتى يومنا هذا بحكم احتلالها لـ"لعراق"، وهي قادرة دون أدنى شك لو شاءت الوصول إلى المستفيد من عملية تهجير المسيحيين من وطنهم ووطن أجدادهم منذ فجر التاريخ، حيث لم يعد هناك أدنى ثقة بالأجهزة الأمنية المخترقة من قبل ميليشيات الإرهاب المعروفة والجاهزة للقيام بأي دور إجرامي مطلوب لحساب من يدفع الثمن.
أن على الأمم المتحدة أن تأخذ على عاتقها مسؤولية تشكيل الهيئة التحقيقية، بالتعاون مع الحكومة العراقية التي ستشكل قريبًا وبأسرع وقت، قبل أن تتفاقم المحنة، وتتحول إلى حركة نزوح جماعية واسعة النطاق، وما تسببه من مصائب وويلات ومعانات لا حدود لها لمئات الألوف من النازحين.
إن على الأخوة المسيحيين أن يثبتوا أقدامهم بأرض أجدادهم، وأن لا ترهبهم هذه العصابات المنحطة الفاقدة لكل القيم الإنسانية، والتي ستنتهي لا محالة إلى قفص الاتهام، لتعترف عن من دفعها ومولها وجهزها بالسلاح لتنفيذ جرائمها البشعة ، وسينال كل مجرم جزاء ما اقترفت يداه.
إن الشعب العراقي يقف بكل قومياته وأديانه وطوائفه إلى جانبكم في هذه المحنة ولن يتخل عنكم أبدًا، فأنتم جزء أصيل من النسيج الاجتماعي العراقي، وسيكون عونًا لكم في المساهمة بالكشف عن المجرمين وأسيادهم وتقديمهم للعدالة.
إننا نقدر صعوبة الظروف التي تمرون بها اليوم، وعظم التضحيات، ولقد عشنا مثيلاً لها بين أعوام 1959 و1963 في مدينة"الموصل"على أثر فشل انقلاب العقيد"الشواف"، وقيام العناصر البعثية، وجانب من القوميين بتلك الحملة الإجرامية من الاغتيالات من قبل عناصر حقيرة مدفوع لها آجرها، ومسنودة من الأجهزة الأمنية، حيث لم يكن يمر يوم واحد دون اغتيال ما بين خمسة و عشرة مواطنين أبرياء، فكانت حصيلة تلك الحملة الإرهابية المنظمة أكثر من ألف شهيد، وهجرة حوالي 30 ألف عائلة من"الموصل"إلى"بغداد"والعديد من المدن الأخرى، وكان القتلة معروفون تمامًا لأبناء الموصل، وكذلك مموليهم، وقد تحدثت عن تلك المحنة في كتابي [ صفحات من تاريخ العراقي الحديث] الجزء الثاني بكل تفاصيلها، وكيف كانت تلك الجرائم تجري تحت سمع وبصر الحكومة وأجهزتها الأمنية دون أن تتخذ أي إجراء سوى القبض على جثث الضحايا.
ستنتهي محنكم لا محالة، وستعود الحياة إلى مجاريها الطبيعية، وستبقون دائماً وأبدًا أخوات وأخوة وأبناء وأحفاد أعزاء على قلوبنا، فخورون بكم، وبحبكم للوطن والمواطن وللإنسانية جمعاء.
المجد والخلود لشهداء كنيسة سيدة النجاة، وسائر الشهداء المسيحيين الآخرين في"الموصل"و"بغداد"والمدن الأخرى، والخزي والعار للقتلة المأجورين وكل من يقف وراءهم، دولاً ومنظمات وأفراد.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com