ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

أشجار خريفية

القمص. أفرايم الأنبا بيشوي | 2010-11-20 00:00:00

بقلم: القمص أفرايم الأورشليمي
انظر حولك
تطلعت في طريقي إلي الأشجار من حولي في فصل الخريف.. وجدت بعضها وقد أصبحت عارية من الأوراق، وكأنها زهدت الحياة وعانقت الموت واقفة. ووجدت أوراقها اليابسة تفترش الأرض وتطأها الأقدام وتقذف بها الرياح هنا وهناك. ووجدت الأشجار دائمة الخضرة وقد تلوَّنت أوراقها، فمنها الأصفر الباهت يريد أن يلقي بنفسه عن حضن أمه الحنون، وبعضها بقي أخضر يعانق السماء في إباء ويقوى على الريح والمطر والعواصف، وقد حملته الأغصان والجذوع القوية متحديًا الطبيعة والظروف المعاكسة. أما شجيرات العنب المجاورة، فقد أصبحت بجانبي وكأنها أغصان ضعيفة جرداء من كل حياة وبريق، وتبدو للناظر أنها لن تفيد شئيًا إلا للحريق، ولكنني أدرك أنه عندما يأتي الربيع ستُورق وتزهر وتثمر من جديد.

ووجدت بعض الشجيرات وقد نمت على حافة مياة جارية، وقد صمدت أمام قسوة الطبيعة، وارتوت من حنان الماء، وبقيت خضراء تضحك علي الخريف، وتبتسم للبرد.

الحياة والخريف
هكذا تبدو الحياة في الخريف، وشتاء أوروبا البارد والممطر. وقد ينعكس ذلك علي الأحياء فيها، فيدفع البعض للتعاون والتقارب ليبعد عنهم مخاطر الطبيعة، وليشعروا بالتكاتف والتعاون في مواجهة قوى الطبيعة. وربما كان ذلك وراء وحدة "الولايات المتحدة الأمريكية" وكذلك أوروبا التي تعاني بعض الدول منها من الإفلاس، فتهب الأخريات لنجدتها. ربما يدفع الطقس البارد البعض إلى دفء المشاعر والعواطف لتعويض برودة الطقس. أما البعض الذي ينكمش ولا يمتد إلى غيره، فيعاني برودة الطقس والمشاعر.

إن تأثير البيئة والطبيعة على ساكنيها وطباعهم وسياستهم، هو علم يُدرَّس تحت عنوان علم "الجيوبلتكس". إن الكرم الشرقي والجو الأسري الدافئ والذي جاء نتيجة حرارة ودفء الطقس، هو سمة من سمات الإنسان الشرقي، وإن تأثر الآن بالكثافة السكانية والظروف الإقتصادية الصعبة التي جعلت الأنانية تتفشى والناس تحيا في غابة يأكل فيها القوي أخاه الضعيف. ولكن يبقى المصري الأصيل معطاءًا كعطاء النيل، بسيطًا٬ يمكنك قراءة داخله كإنبساط أرضه، خصبًا في أفكاره كخصوبة تربته، فاتحًا ذراعيه، كريمًا كإمتداد نيله العذب، غضوبًا متى بلغ حد الإثارة كرياح الخماسين، هادئًا مستكينًا للظلم كصبر الفلاح علي الزروع حتي تنضج، وعلي الظالم حتي يرحل. مصليًا لله أن يرفع عنه الغُمة والظلم ويهبه السلام، وهو يقول: "يا بخت من بات مظلوم ومباتش ظالم".

لقد صمد البعض وبقيوا علي مبادئهم كالأشجار المورقة المثمرة، وتأثر البعض ولم يلتفتوا إلي جيرة حسنة، ولا عشرة ستدوم! وتهاوي البعض كإشجار نبتت علي صخر، وفي خريف الحياة ماتوا، ولم يعد أحد يستطيع أن يستظل بمحبتهم أو حتي يبتعد عن شرهم.

من الأشجار نتعلم
علينا أن نتعلم من الطبيعة حولنا٬ وأن نقاوم الطبيعة القاسية بالتعاون، والبرودة بدفء العواطف والمحبة الصادقة. إن الحياة بدون محبة تكون كصحراء جرداء لا خضرة فيها ولا ماء. إن البعض منا يرضى أن يسكن بجوار "لعازر" البلايا، ولا يقدِّم له حتي الفتات الساقطة من مائدته. والبعض الآخر- وإن قَلوا- يأخذ من أعوازه ليعطي بكرم للمحتاجين.. إن إشباع الإحتياج الإنساني للمحبة والتشجيع واللطف، يحوِّل الخريف أو الشتاء إلى ربيع دائم.. فهل نعمل علي إسعاد أنفسنا ومَن حولنا؟ أم نحيا خريف العمر بلا ثمر، ولا حتي أوراق خضراء؟!

لكل شيء تحت السماء وقت
علينا أيضًا أن نصبر وننتظر الرب، وتتشدد قلوبنا، ونثق في حكمة الله في الأحداث من حولنا. وإذا رأيت سلامة الأشرار ونجاحاتهم فلا تحسد عُمال الإثم ولا تغيِر من فاعلي الشر. فكما يقول الحكيم "لكل شيء زمان، ولكل أمر تحت السماوات وقت٬ للولادة وقت وللموت وقت٬ للغرس وقت ولقلع المغروس وقت". (جا 3 : 1، 2).

نحن نحتاج للحكمة والإفراز في حياتنا، فللخريف وقت وللربيع وقت، وللشتاء وقت وللصيف وقت آخر. للكلام وقت وللصمت وقت. ولابد أن نكون مستعدين للعمل والجهاد مادام لنا النور والنهار، ولابد أن نخضع لنعمة الله المنقية والممحِّصة لكي ما ننمو ونثمر في الوقت الحسن. ولنكن مستعدين مثمرين؛ لأننا لا نعرف متى يأتي رب البيت، أمساءَا أم في منتصف الليل، أم في صياح الديك؟ نصلي ليحسبنا الله حتى مع أصحاب الساعة الحادية عشر. لنكن أشجارًا دائمة الخضرة والثمار.. نصلي ليجعلنا الله أشجارًا خضراء، مغروسة علي مجاري المياة، تعطي ثمارها في حينه وورقها لا يذبل، وكل ما نصنعه فيه ننجح، لتكون كلمة الله الحية فعَّالة في قلوبنا.. وبها نتغذى ومنها ننهل ونثمر. ليزرع الله كلماتها في تربة قلوبنا الصالحة، فلا تخنقها هموم واهتمامات العالم. ولنعمل علي قلع زوان الشر وأشواك الخطية. لننزع عنا كل تكبر وثقل الخطية المحيطة بنا. لنطلب نعمة روح الله القدوس لتحل فينا. لتجري داخلنا أنهار الماء المحيي. لنثمر محبة وسلامًا وفرحًا وصلاحًا. ليكن لدينا لطف، وطول أناة وصبر. لنتعفف عن الصغائر ونكون أغنياء بالإيمان. لنكن أغصانًا حية مثمرة في الكرمة الحقيقية، ونخضع للتقليم والتشذيب ونحاسب أنفسنا. لننقب حول قلوبنا وأفكارنا وحواسنا. لنتسلح بالرجاء والإيمان والمحبة، ونطلب من رب الكرم أن يرسل فعلة صالحين. لنثمر بالصبر ونكون كأشجار الزيتون دائمة الخضرة، أو كالكروم التي تعطي ثمرها في حينه، ولا نكون عوسجًا أو أشواكًا تُقلع وتُلقى في النار. لنعمل مع صاحب الكرم، ونصلي من أجل العالم لنسمع ذلك الصوت الفرح: "نعمًا أيها العبد الصالح والأمين، كنت أمينًا فى القليل فأقيمك على الكثير، ادخل إلى فرح سيدك".

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com