لست مندهشة لاحداث المنيا، بل مندهشة لاندهاش البعض لهذه الاحداث و كأن الثمانين كنيسة التى احرقت منذ عامين قد أشتعلت فيها النيران ذاتيا و كأن كائنات هبطت من كواكب اخرى هى التى اعتدت على دير الراهبات و اقتادتهن الى الشوارع مكبلات الايدى.
ارجوكم كفاية اندهاش ….
لا يهم اسم القرية فى المنيا التى اشتعلت فيها الاحداث و قتل بعض مواطنيها و احرقت ديارهم. كذلك لا يهم سبب اندلاع هذه الاحداث. ما يهم هو ان المعتدى عليهم كالعادة اقباط و السبب كالعادة اشاعة كانت او حقيقة فهى كافية لحل سفك دماءهم و حرق ممتلكاتهم و تهجيرهم من بيوتهم. و لم لا؟ اليس النصارى هم كفار القرية و حلال قتلهم و سبى نساؤهم، و كأنهم هم (المعتدون) خلقوا من نطفات مقدسة؟
ها هى الثقافة السلفية التى حلت على المجتمع و نخرت فى جنباته على مدار ما يزيد على اربعة عقود تحصد ثمار تطرفها. ما يثير الدهشة بالفعل انه لا يزال الكثيرون يجادلون ان ما يحدث ليس من الدين. اذا كانوا بالفعل يصدقون هذا، فلما كانوا عن الحق خارسون كل هذه الاعوام لم يعترض احد خلالها على احتلال الشيوخ لمنابر المساجد و شاشات التليفزيون و بث سموهم من خلالهم.
ان ما يحدث فى المنيا او اسيوط او سوهاج او اى اماكن اخرى بها تجمعات الاقباط ليست حوادث فردية ينفذها مختل عقليا بل هى جرائم منظمة ترتكب ضد الاقباط مع سبق الاصرار و الترصد. جرائم تركتبها عصابات سلفية اختطفت الدين و اتخدت منه سلاحا سخرته لتدمير البشرية و المواطنة.
هؤلاد المعتدين نهلوا افكارهم من علماء دين اعتلوا المنابر و دوى نعيقهم فى مكبرات الصوت فى خطب الجمعة داعيين على فناء الكفار من النصارى و اليهود ؟ الم يخرق هذا النعيق اذان الجميع عبر مكبرات صوت المساجد و شاشات القنوات الاسلامية و التى تبارى شيوخها فى نشر الفكر المتطرف؟
الم تصل هذه الافكار الى مسامع الكل من خلال شرائط مسجلة تباع على الارصفة فى انحاء البلاد؟ الم يستمع احد المجادلين الى اصوات هذه الشيوخ الجشة تزلزل صيحاتهم جوانب المواصلات العامة التى يركبونها. الم تباع الكتب التى تبعث على الكراهية و الحقد و تنشر القبح و الفساد فى معارض كتب اسلامية يرتادها الالاف فى وضح النهار؟؟
لماذا لم تثار حفيظة احد لسماع هذا الهراء على مدى اربعة عقود. بالرغم من تشويه صورة الدين على يد شيوخ التطرف الا ان احدا لم يعترض، بل بالعكس اصابت اسهم الاتهام باهانة رجال الدين كل من حاول انتقاد هؤلاء الشيوخ الذين اوشحهم اتباعهم برداء القداسة الذى عصمهم من الخطأ و هم يقودونهم الى الضلال تحت اسم الدين..
ما يبعث على القلق و ليس الدهشة ان احداث المنيا اتخذت منعطفا جديدا عما سبقها من احداث. فى خضم الاحداث الاخيرة تعدت مجموعة من رجال القرية على امراة قبطية مسنة فى السبعين من عمرها و جردوها من ملابسها فى الطريق العام و داروا بها فى شوارع القرية.
ثقافة سبى النساء الغير مسلمات، و التى روج لها الاعلام الداعشى من خلال تعامله مع النساء اليزيديات اللاتى وقعن فى قبضتهن، لم تعد تعيش فقط فى خيالات عقول مريضة و لكنه تم تطبيقه عمليا بالفعل فى قرية المنيا. انها ثقافة كره و تكفير الاخر و كره المراة التى نهلت منها اجيال عديدة على يد شيوخهم. و مع انتشار ثقافة التطرف التى نخرت فى عقول الشباب حتى انهكتها و اهلكتها، اندثرت الاخلاق و استبدلت بممارسة العقائد.
اصبح الدين ظاهرى بلا جوهر دعائمه الغضب و العنف و مقوماته تحريم الفنون و القراءة و الموسيقى و البهجة و الجمال و الحب ليحل بدلا منهم كره كل من هو مختلف عنهم فى الفكر و العقيدة ، و الحقد ، و القبح ، ومقت للحياة، والعداء للنفس وللغير. استعاضوا عن الخطا و الصواب بالحلال و الحرام لانهم لا يعترفون بالاخلاق التى تتعارض مع النص الدينى . استعاضوا عن قانون الدولة بالعقاب الالهى فلم يعد هناك احترام للقانون او لمن يضعه او لمن يتبعه، او لمن يطبقه.
حادث المنيا لن يكون الاخير للاسف طالما الرؤوس لا زالت مدفونة فى الرمال. الرافضون لربط مسببات الاحداث الطائفية بالاسلام لانها من منظورهم لا تمثل الاسلام الوسطى المعتدل الذى يتبعونه هم فى الحقيقة يعترفون ضمنيا بوجود اسلام متشدد غير معتدل، فالدين لايفصل على مزاج من يتبعه. النصوص التى تحرض المتطرفين فكريا موجودة بالفعل، والاعتراف بانها الدعامة الرئيسية لانتشار التطرف هو اول الطريق لاصلاح هذه الافكار و انقاذ صورة الدين الاسلامى الذى تم تشوييه عالميا على ايدى هذه العصابات السلفية. يجب ان ينقح الدين من كل الافكار التى لا تواكب العصر، وهذا كان مطلب اسلام البحيرى الذى بسببه تم حبسه.
حادث المنيا لن يكون الاخير، ستندلع المزيد من الاحداث المماثلة فى قرى اخرى لا يهم اسمها، بسبب اشاعات جديدة لا يهم تفاصيلها، وسيقومون بحرق و تهديد و قتل و تهجير عائلات مسيحية و التعدى على المزيد من النساء لا يهم اسمائها، وسيتبع ذلك جلسات صلح يعقبها رفع شعارات يحيا الهلال مع الصليب ..
و عندما يحدث كل ذلك، ارجوكم لا تندهشوا ….
نقلا عن حركة مصر المدنية
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com