ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

كاهن الأشواق

جميل يوسف | 2010-11-22 00:00:00

بقلم: جميل يوسف
لا أعرف سر مطاردة كلمات الشاعر الكبير الراحل" نزار قبانى" لى بعد كل مرة أزور فيها مدينة    "ديزنى لاند"، وبعد كل مرة أرى فيها صورة حاكم عربى فى وسائل الأعلام العربية والأجنبية وبعد كل مرة أتابع فيها حوارات العرب من "خير الأمم" بعد ان أنتهى بينهم الكلام الجميل والحوارالجميل واشتعلت اللغة شيبا.

وتذكرت يوم ألتقيت بنزار قبانى فى لوس انجلوس فى حوار طويل بعد أمسية تحريضية للشعب العربى بفندق هيلتون اقامها له التلفزيون العربى الاميركي. قال لى الراحل العزيز نزارقبانى:
مند زمن بعيد كنت أود زيارة لوس انجلوس لأدخل مدينة "ديزنى لاند" ، والت ديزنى جعل الشيخوخة مستحيلة وأعطانا وصفة شعرية ضد ترهل المشاعر وانسداد الشرايين وتخشب القلب، الرجل الدى جعل أطفال العالم ملوكا والقى ملوك العالم فى سلة المهملات ، "والت ديزنى" اخترع لنا مدينة الحلم بعد أن صارت الاحلام فى المدن العربية ممنوعة ككتاب يتحدث عن الديمقراطية.

مع والت ديزنى كان مستحيلا علينا أن نكبر ومستحيل علينا أن نحزن وننام جائعين ومقهورين. أنه أقام لنا امبراطورية من ابتسامات الاطفال، وبعده صرنا مواطنين فى "مدن الجاهلية" ، وأصبحنا ننام على القهر ونفيق على القهر، وأصبحت حياتنا مسلسلا هيتشكوكيا من أفلام الرعب. أن "هيتشكوك" هو بطلنا القومى الآن ، لا خالد بن الوليد ، ولا عمرو بن العاص ، فكل هولاء الابطال الدين أضاءوا كتب التاريخ بفتوحاتهم وانتصاراتهم لم يعودوا الآن سوى كومبارس على خشبة المسرح العربى.

بعد "والت ديزنى" انطفأ القمر ويبس الشجر وصار الواحد منا يكبر فى الدقيقة عشر قرون وصار أطفالنا ينتقلون فجأة من بطون أمهاتهم الى ملجأ العجزة. بعد والت ديزنى تحولنا الى لاجئين فيتناميين ينتقلون من قارب الى قارب ومن بطن حوت الى بطن حوت ومن فك مفترس الى فك مفترس، بعد والت ديزنى صرنا كاليتامى على باب الحاكم بأمر الله مطالبين بورقة "كلينكس" نمسح بها دموعنا. بعد والت ديزنى صرنا نقف بالطابور على أبواب وزارات الداخلية لنشحد جواز سفر أو تاشيرة خروج لآى منفى تختاره لنا دواليب اليانصيب.

جئت الى والت ديزنى متاخرا خمسين عاما، فلا أجد فيها لعبة واحدة تناسبنى بعد أن صار الخوف هو اللعبة الوحيدة التى يسمح للانسان العربى أن يلعبها.

كنت أريد أن أرى "ديزنى لاند" الكاليفورنية حتى أنسى كل "الديزنى لاندات العربية" التى تشوى الانسان العربى على نار هادئة. كنت أريد أن أستعيد دفاتر طفولتى وأقلامى والوانى وأركب القطارات التى تتحرك بالريموت كنترول ولكن القطارات المخصصة للاطفال لم تكترث لاشاراتى وتركتنى على رصيف أحزانى.

كنت أريد أن أشترى كيسا صغيرا من "الكورن" ولكن الماكينات الالكترونية رفضت أن تحقق لى نزواتى الصغيرة وأعادت لى نقودى. خمسون عاما تأخرت على ديزنى لآند وعندما جئت اليها ، جاءنى صديقى "ميكى ماوس" يمشى على عكازين بعد أن وقع معاهدات سلام مع قطط المدينة.

قال لى نزار وملء عينيه الحزن:
أمام هدا الخراب الكبير الدى يتراكم على امتداد الخريطة العربية، أصبحت قصائدى تتميز بنبرة الغضب والجنون ، ان الغضب والجنون هما المحوران الأساسيان لما أكتبه من شعر فى هده المرحلة. فسامحونى ادا لم أكن مهدبا أو مؤدبا أو رقيقا كنسمة صيف ، فانى لم أعد قادرا على الكتابة بنصف أصابعى ولا على الصراخ بنصف صوتى ولا على الاحتمال أمام أى سلطة أو أى سلطان.

ففى هدا الزمان المالح الدى تتحكم فيه الخوارج والمماليك وملوك الطوائف ، وتمتد فيه عصور الانحطاط ، يتوجب على الشاعر أن يواجه أهل الكهف بالسلاح ولا يتحول الى قط من ورق.
ياصديقى كيف يغنى المغنى بعدما خيطوا له شفتيه ؟

وقرأ لى نزاروقتها مجموعة من قصائده الطويلة ، قصائد لا عقل لها هى حصيلة تمزقه، وغضبه وضياعه وشكره وقرفه وكرهه وحبه وجنونه ، قرأ لى كاهن الأشواق كل القصائد الشريرة وكل القصائد القديسة ، وكل القصائد المتداولة كالنقود ، وكل القصائد المطاردة كالأفيون. ولا أعرف أيها السادة لمادا مازال صوت نزار يدوى فى أدنى هده الأيام بهاتين القصائدتين:
 السيرة الداتية لسياف عربى ، و عزف منفرد على الطبلة .

يقول نزار فى "السيرة الداتية لسياف عربى"
أيها الناس أنا الأول والأعدل
والأجمل من بين جميع الحاكمين 
أنا بدر الدجى وبياض الياسمين
وأنا مخترع المشنقة الاولى
وخير المرسلين
كلما فكرت أن أعتزل السلطة ينهانى ضميرى
من ترى يحكم بعدى هؤلاء الطيبين
من سيشفى بعدى الأعرج والأبرص والأعمى
ومن يحيى عظام الميتين
من ترى يخرج من معطفه ضوء القمر
من ترى يرسل للناس المطر
من ترى يجلدهم تسعين جلدة
من ترى يصلبهم فوق الشجر
من ترى يرغمهم أن يعيشوا كالبقر
ويموتوا كالبقر
كلما فكرت أن أتركهم
فا ضت دموعى كغمامة
وتوكلت على الله وقررت بأن أركب الشعب
من الان الى يوم القيامة

ويقول نزار فى قصيدة " عزف منفرد على الطبلة " :
الحاكم يضرب بالطبلة
وجميع وزارات الاعلام                                                                                              تدق على دات الطبلة
وجميع وكالات الأنباء
تضخم ايقاعات الطبلة
والصحف الكبرى والصغرى
تعمل أيضا فى ملهى تملكه الدولة
لا يوجد شىء فى الموسيقى
أبشع من صوت الدولة
الدولة تحسن تأليف الكلمات
وتجيد النصب وتجيد الكسروتجيد الجر
تجيد استعراض العضلات
لايوجد شعرا أردأ من شعر الدولة
الدولة مند بداية هدا القرن
تعيد تقاسيم الطبلة
طبلة   طبلة  طبلة
وطنا عربيا تجمعه يوم ولادته طبلة
وتفرق بين قبائله طبلة
أفراد الجوقة والعلماء وأهل الفكر
وأهل الدكروقاضى البلدة
يرتعشون على وقع الطبلة

نحية الى الشاعر الكبير نزار قبانى على حرائقه واشتعالاته الشعرية التى مازالت كلماته رغم وحشة الفراق ومر والام الرحيل ومرورالسنين ، تؤكد لنا كل يوم بأنه أصبح بحق صوت ضميرنا الدى لا ينام وبأن الكلمة الحرة والفن الجميل لا يموت وهو بمثابة حلقة العاب نارية يختلط فيها رماد الشاعر ورمادنا فى قارورة واحدة. أيها الأصدقاء ما هو الشعرادا لم يسقط الطغاة والطغيان. وما هو الشعر ادا لم يحدث الزلزال فى الزمان والمكان.
هل عرفتم سرحبى وتعلقى ووحشتى وشوقى لكلمات كاهن الأشواق

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com