فى الأول من يونيو تعيّد الكنيسة بمجيء السيد المسيح إلى أرض «مِصر»، وهو العيد الوحيد الذى يُحتفل به فى «مِصر» فقط، وقد كان هٰذا اليوم يوافق بَدء الفعّاليات لزيارة دولة رئيس الوزراء المجريّ السيد «ڤيكتور أوربان» مع وفد مجريّ كبير، لإجراء مباحثات وتوقيع عدد من الاتفاقيات بين البلدين.
تُعد «المجر» إحدى أهم الدُّول الصديقة لـ«مِصر» على مر التاريخ، وقد عبّر دولة رئيس الوزراء المجريّ عن الصداقة التى تربط بين البلدين فقال: «... بين مِصر والمجر صداقة قديمة... صداقة قديمة ومجربة: كنا ندعُم إحدانا الأخرى دائمًا فى المحافل الدُّولية، وكنا ندعُم إحدانا الأخرى من أجل تحقيق أهدافنا الداخلية السياسية... لم يكُن هناك أيّ خلاف بين البلدين فى خلال السبعين عامًا الماضية...» أ. هـ.، وفى ظل هٰذه الصداقة العريقة، تأتى العَلاقات الثنائية بين البلدين فى عديد من المجالات على رأس أولويات المسؤولين واهتماماتهم.
وعبْر تاريخ العَلاقات الدّولية، حملت «المجر» تقديرًا كبيرًا لـ«مِصر» ولجُهود قادتها، وكثيرًا ما عبّرت تصريحات المسؤولين فيه عن تقديرهم للدور المِصريّ على المستويات كافة. وجاءت الدكتوراه الفخرية التى أُهديت لفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى من قِبل «جامعة كورڤينوس» المجرية فى «بودابست»، عام ٢٠١٥م، تجسيدًا لذٰلك التقدير، من أجل جُهوده فى النُّهوض بالدولة المِصرية علميـًّا وثقافيـًّا واقتصاديـًّا، فى واقعة هى الأولى من نوعها فى تاريخ الجامعة! إذ أهدت شهادة الدكتوراه الفخرية لرئيس جُمهورية أجنبية.
وتأتى كلمة دولة رئيس الوزراء «ڤيكتور أوربان» تعبيرًا عن استمرار هٰذا التقدير لدور فخامة الرئيس فى العمل على إقرار السلام الذى لا يؤثر فى «مِصر» ومنطقة الشرق الأوسط فحسب بل فى «أوروبا» وبلاده، فقال: «نود أن نعبر عن تقديرنا الكبير للعمل الكبير الذى يقوم به فخامة الرئيس من أجل أن يكون فى أوروبا وفى المِنطَقة استقرار، وهٰذا الشيء محوره أن نجاح رئيس جُمهورية «مِصر» هو من مصلحة «أوروبا» ومن مصلحة «المجر» أيضًا...» أ. هـ.
وبدأت العَلاقات الدبلوماسية الرسمية بين «مِصر» و«المجر» عام ١٠٢٨م بعد انفصالها عن الإمبراطورية النمساوية. وفى عام ١٠٣٠م، كانت أول بَعثة دبلوماسية بين البلدين، وشهِد عام ١٠٤٨م إيفاد أول سفير مِصريّ إلى «المجر»؛ ومنذ ذٰلك الحين والعمل المشترك بين البلدين يقارب بين الشعبين على الأصعدة كافة، فى صداقة قاربت بين سمات الشخصيتين المِصرية والمجرية مثلما عبّر سعادة د. «بيتر كيفك» سفير «المجر» فى «مِصر» عندما ذكر أن السعى نحو الحرية والاستقلال يُعد من السمات المشتركة بين الشعبين المِصريّ والمجريّ، وهٰذا ما عكسته الثوْرات فى الدولتين.
وفى إطار توطيد العَلاقات المِصرية المجرية، شُهِد تبادل زيارات للرؤساء وعديد من رؤساء الوزراء وكبار المسؤولين فى البلدين، من أهمها لقاءات الحوار بين فخامة الرئيس «عبدالفتاح السيسي» ودولة رئيس الوزراء المجرى «ڤيكتور أوربان»: الأولى فى يونيو عام ٢٠١٥م فى «بودابست»، والثانية فى سبتمبر من العام نفسه بـ«أمريكا» على هامش اجتماعات الجمعية العامة «للأمم المتحدة»، والثالثة فى يونيو عام ٢٠١٦م فى «القاهرة».
أمّا على الصَّعيد السياسيّ، فقد اهتمت الدولتان الصديقتان اهتمامًا مشتركًا بعدد من القضايا الدُّولية كالإرهاب، والعمل على إحلال السلام، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، إضافة إلى قضايا مِنطَقة الشرق الأوسط مثل قضيتَى «سوريا» و«ليبيا» وغيرهما. وقد أشار دولة رئيس الوزراء فى كلمته أن أحد أسباب التعاوُن هو إيجاد سبل لمكافحة الإرهاب الذى يهدد الجميع. وعبّر فخامة الرئيس فى كلمته عن أهمية مكافحة الإرهاب، والاهتمام بقضايا المِنطَقة فجاء فيها: «... كما تناولتْ مباحثاتنا التطورات فى مِنطَقة الشرق الأوسط و«أوروبا» حيث توافقنا فى الرؤى على أهمية الاستمرار فى التشاور على جميع المستويات الرسمية، لتنسيق المواقف وتبادل وِجهات النظر إزاء التحديات الكبيرة التى تواجهنا... وتبادلنا الآراء مع دولة رئيس الوزراء بشأن عدد من القضايا الإقليمية الملحة والمؤثرة فى الاستقرار والأمن فى منطقتَى الشرق الأوسط و«أوروبا»، وعلى رأسها الأزمة السورية والأوضاع فى «ليبيا»، بما فى ذٰلك جُهودنا فى عودة الأمن والاستقرار إلى هٰذا البلد الشقيق. وفى هٰذا السياق تناولت المباحثات رؤيتنا للتصدى لخطر الإرهاب والتطرف باعتبارهما التحدى الأساسيّ الذى يعترض تطلعات شُعوب هٰذه المنطقة، من أجل مستقبل أفضل...». أ. هـ.
وتهتم «المجر» بتدعيم التنمية فى «مِصر»؛ فذكر فخامة الرئيس فى كلمته: «أود أن أُعرب عن تقديرى لما لمستُه من اهتمام دولة «المجر» الصديقة بالمشاركة فى عملية التنمية الجارية فى «مِصر»، من خلال تكثيف العمل المشترك وتعزيز عَلاقات التجارة والاستثمار بين البلدين، بما يحقق المصلحة المشتركة للشعبين المِصريّ والمجريّ.» أ. هـ.؛ وهٰكذا أصبح التعاوُن الاقتصاديّ أحد الأسباب المهمة الموطدة لعَلاقة الشعبين التى يعود تاريخها إلى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى حيث تنامت بدرجة كبيرة. وقد أشارت كلمات دولة رئيس الوزراء إلى اتجاه العالم نحو نظام اقتصاديّ جديد، وأن على كل من «مِصر» و«المجر» أن تحتل المركز المناسب لها فى ظل هٰذا النظام الجديد. ويأتى تعزيز العَلاقات الاقتصادية من خلال: مضاعفة معدل التبادل التِّجاريّ، وحفز الشركات المِصرية والمجرية إلى تعزيز التعاوُن كلٍّ مع الأخرى بما يحقق مصالحهما المتبادَلة.
وفى إطار مناقشة فرص الاستثمار بين الشركات المِصرية والمجرية، حضر ضمن الوفد المجريّ ممثلو ٧٠ شركة مجرية لمناقشة التعاوُن فى مجالات كثيرة منها: الزراعيّ، والصناعيّ، والعسكريّ، والنقل، والتمويل والسياحة، والإعلام، ومجالات أخرى. وأكد دولة رئيس وزراء «المجر» أن بلاده تود التعاوُن مع العناصر الاقتصادية المحلية فى «مِصر».
وعن التعاوُن الثقافيّ والتعليميّ، تُعد المجر من الدُّول التى تهتم بالتاريخ الفرعَونيّ وتدرّسه لطلابها فى المراحل الدراسية المتنوعة، وكثيرًا ما تُضيف معارض لتراثه، وكان لها جُهد كبير فى مجال الاكتشافات الأثرية المهمة فى «مِصر» إذ قد بدأت البَعثات المجـرية للحفريات أنشطتها فى «مِصـر» قبل زمن بعيد قد سبق بَدء العَلاقات الدبلوماسية بين البلدين إذ يعود لعام ١٠٠٧م؛ وقد حققت تلك البَعثات اكتشافات مهمة بمناطق «شارونة» بـ«المنيا» و«الفَشن» و«طيبة»، وكذٰلك كان لها الفضل فى اكتشاف «مقبرة دجيحتمس» أحد النبلاء، وفى هٰذا المجال، شارك وزير التعليم والثقافة المجريّ فى نوڤمبر عام ٢٠٠٠م فى افتتاح معرِض للآثار المِصرية التى اكتُشفت من خلال خبراء الآثار المجريِّين، فى احتفال بالذكرى الثانية بعد المئة على إيفاد أول بَعثة أثرية مجرية إلى «مِصر». ويوجد تعاوُن قائم بين «الهيئة العامة للآثار» وقسم المِصريات بـ«جامعة إيلت» المجرية.
وعلى مستوى حوار الحضارات والثقافات، تحرِص «المجر» على المشاركة كل عام فى المؤتمر السنويّ الذى يعقده «المجلس الأعلى للشُّؤون الإسلامية» فى «القاهرة»، بضيفين هما د. «فُودور شاندور» أستاذ اللغة العربية بـ«جامعة إيلت»، ود. «توشكا لاسلو» رئيس قسم الدراسات الشرقية بـ«جامعة ﭘازْماني».
وعلى المستوى التعليميّ، تقدم «المجر» ١٠٠ منحة سنوية للطلاب المِصريِّين فى المجالات العلمية المتنوعة، فقد جاء فى كلمة دولة رئيس الوزراء: «... اقترحت مئة منحة تعليمية لطلاب مِصريِّين. وهناك مئة طالب مِصريّ يدرُس فى «المجر» حاليًّا. ونحن متجهزون لزيادة عدد المنح، ومتجهزون لتوسيع أوجُه التعاوُن. وأيضًا نرسل طلابًا إلى «مصر» ليكون هناك تعاوُن بين البلدين فعّال فى المجال التعليميّ.» أ. هـ.
وقد وقّعت «مصر» و«المجر» على مذكرات تفاهم واتفاقيات وخطاب نيات اشتملت على مجالات عديدة. وقد زار دولة رئيس وزراء «المجر» كلًّا من الأزهر والكنيسة خلال زيارته التاريخية. وفى «مِصر الحُلوة» الحديث لا ينتهى...!
الأسقف العام رئيس المركز
الثقافى القبطى الأُرثوذكسىّ
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com