بقلم: جرجس بشرى
أثار التقرير السنوي الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية بشأن أوضاع الحريات الدينية حول العالم، ردود أفعال عنيفة من قِبل الحكومة المصرية متمثلة في وزارة خارجيتها؛ حيث أكَّدت الخارجية المصرية أن التقرير مرفوض من حيث المبدأ، وقال "حسام زكي"- المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية- أن "مصر" معنية فقط بما يصدر عن الجهات والأجهزة التابعة للأمم المتحدة، وتؤكِّد رفضها التام قيام أي دولة بتنصيب نفسها وصيًا على أداء دول مستقلة ذات سيادة.
ومن الملفت للنظر والانتباه، أن الحكومة المصرية بدلاً من أن تأخذ هذه الإنتقادات الدولية مأخذ الجد، نجدها تشجب وتدين وتنفي وجود تمييز ضد الأقليات الدينية في "مصر" من مسيحيين وبهائيين وشيعة وغيرهم، وتدَّعي أن مثل هذه التقارير تُعتبر بمثابة تدخُّلاً سافر وغير مقبول في شئون "مصر" الداخلية، وتطاولاً على سيادتها الوطنية على أراضيها، وكأنها تخاطب رأي عام جاهل أو مجتمع دولي لا يعي ولا يفهم أن هناك علاقات واتفاقيات دولية مُبرمة بين "مصر" و"الولايات المتحدة الأمريكية"، وهذه الاتفاقيات تُلزم الحكومة المصرية بتحسين أوضاع حقوق الإنسان بها، خاصةً فيما يتعلق بأوضاع الحريات، لدرجة أنه بعد التقرير الصادر عن الخارجية الأمريكية، والذي انتقد أوضاع الحريات الدينية في "مصر"، صرَّح مساعد وزير الخارجية الأمريكية لحقوق الإنسان "مايكل بوزنر" أن بلاده ستظل تثير قضية حقوق الإنسان، وحقوق الأقليات الدينية مع المسئولين المصريين بشكل علني وفي الإجتماعات المغلقة، وقال إن ملف حقوق الإنسان بـ"مصر" يحظى بأهمية كبرى من قبل حكومة "الولايات المتحدة الأمريكية".
ومما يدعو للدهشة، قول المتحدِّث الرسمي لوزارة الخارجية المصرية- بحسب تقرير صحفي نشرته صحيفة "ميدل إيست أون لأين"- ردًا على انتقاد التقرير الصادر عن الخارجية الأمريكية بشأن أوضاع حقوق الإنسان في "مصر"، إن التقارير التي تصدرها الخارجية الأمريكية تقدِّم من حيث المضمون صورة غير متوازنة عن أوضاع الحريات الدينية في "مصر"، إتساقًا مع ميلها للاعتماد إما على تقارير إعلامية أو على مصادر غير حكومية تعوزها المصداقية، دون أن تسعى لإبراز وجهة النظر الأخرى!
ويبدو هنا أن الخارجية المصرية لا ترغب في توجيه منظمات المجتمع المدني أو وسائل الإعلام المصرية أو المواقع القبطية، اللوم والانتقادات للحكومة المصرية على الانتهاكات التي تحدث بحق الأقليات الدينية في "مصر"، من أقباط وبهائيين وشيعة، أو تريدها أن تغض البصر عن الانتهاكات التي تحدث بحق الأقليات الدينية المصرية بحجة حماية السيادة الوطنية لـ"مصر"، مع أن العولمة والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان- أو بمعنى أدق عولمة قضايا حقوق الإنسان- قد تخطَّت المفاهيم البالية والتقليدية التي تتعلق بمفهوم السيادة الوطنية!
يبدو أن الحكومة المصرية، بناء على البيانات والتصريحات الصادرة عن وزارة الخارجية المصرية- كانت تأمل في أن يستند التقرير الصادر عن الخارجية الأمريكية، إلى تقارير مسيَّسة صادرة عن الحكومة المصرية!!!.. تقارير تتجاهل الانتهاكات وتصوِّر الحكومة المصرية للعالم على أنها راعية للديمقراطية والحرية الدينية وحقوق الإنسان!
ومن إيجابيات تقرير الحريات الدينية الصادر عن الخارجية الأمريكية هذا العام، أنه وجَّه انتقادات لاذعة للحكومة المصرية بسبب التمييز الفردي والجماعي الذي يُمارس ضد الأقباط والبهائيين، خاصةً في الحصول على وظائف حكومية، كما انتقد التقرير عدم إصدار القانون الموحَّد لبناء دور العبادة للآن، وتعرُّض بعض القرآنيين والشيعة للإحتجاز، وتعرُّض المتحوِّلين من الإسلام إلى المسيحية للعديد من المضايقات أبرزها رفض السلطات الرسمية منحهم وثائق هوية جديدة مدوَّن فيها تحوُّلهم إلى المسيحية.
وفيما يتعلق بالبهائيين المصريين، انتقد التقرير رفض الحكومة المصرية إصدار شهادات زواج جديدة لهم. كما جاء بالتقرير أن العام الماضي سادته حالة من الاحتقان الطائفي في المجتمع المصري، تجلَّت في عدد من الحوادث الطائفية أبرزها حادث "نجع حمادي". كما أكَّد التقرير على قلق "الولايات المتحدة الأمريكية" من حوادث الفتنة الطائفية التي شهدتها "مصر" العام الماضي .
ومن أهم ما رصده التقرير هو التطرُّق لتعداد الأقباط والأقليات الدينية الأخرى في "مصر"، حيث أشار التقرير إلى أن تعداد الأقباط في "مصر" يتراوح ما بين 8 % :12 % من سكان "مصر" الذي يبلغ 86 مليون نسمة، وأن تعداد الشيعة أقل من 1 %، وتعداد اليهود 125 شخصًا معظمهم من كبار السن.
وأوضح التقرير المعاناة التي يعانيها المتحولون من الإسلام للمسيحية. وقال إنه بالرغم من أن الدستور المصري ينص على حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية، إلا أن هذا لا يطبَّق على المسلمين الذين يريدون التحوُّل إلى دين آخر. وانتقد الحزب الحاكم في تهميشه للأقباط في المجالس النيابية. وقال إنه نادرًا ما يرشِّح الحزب الوطني الأقباط لتمثيله في الإنتخابات النيابية! كما انتقد حادث ذبح الخنازير.
ويُؤخذ على تقرير الخارجية الأمريكية، أن به شبهة تسييس، بدليل أنه أشاد بالقضاء المصري لإصداره عددًا كبيرًا من الأحكام التي أدانت جرائم فتنة طائفية اُرتُكبت ضد مواطنين مسيحيين، مع أن القضاء المصري لم يصدر أحكامًا رادعة حتى هذه اللحظة ضد الجناة الذين ارتكبوا مذبحة "نجع حمادي" التي هزَّت الرأي العام المصري والعالمي.
كما أن التقرير لم يتطرَّق لبعض حوادث الأسلمة القسرية للفتيات القبطيات القاصرات بعد تغرير بهن من قبل بعض المتطرفين الإسلاميين التابعين لجماعات منظَّمة لهذا الشأن.
كما يُؤخذ على التقرير أيضًا، تجاهله لمخاطر جلسات الصلح العرفي في الأحداث الطائفية، وعدم إعمال سيادة القانون مع المجرمين، وإتِّباع الحكومة المصرية سياسة الإفلات من العقاب مع معظم الجناة. والدور السلبي الذي تنتهجه الحكومة المصرية مع المتضررين في حوادث العنف الطائفي، وعدم تعويضهم وفقا للقانون.
كما غضَّ التقرير البصر عن المظاهرات التي قام بها متطرفون ضد الكنيسة القبطية وقداسة البابا "شنودة"، ودور الأمن السلبي في التعامل مع هذه المظاهرات.
ومن هنا نخلص إلى أن تقرير الحريات الدينية الصادر عن الخارجية الأمريكية، تغاضى عن بعض الانتهاكات الحادثة بحق الأقليات الدينية في "مصر". وهو ما يجعله أقرب إلى التسييس منه إلى الواقع الفعلي المعاش؛ إلا أنه برغم شبهة التسييس التي تحوم حوله، فإنه تطرَّق لبعض الانتهاكات الحادثة بحق الأقليات الدينية بنوع من المصداقية والشفافية!
ومطلوب من الحكومة المصرية، أن تتعامل بمرونة مع هذه التقارير، بدلاً من إتِّباع أسلوب الشجب والاستنكار التي دأبت عليها عقب صدور مثل هذه النوعية من التقرير، مع العلم بأن هذا التقرير يدين انتهاكات حقوق الإنسان ليس في الدول العربية وحسب، بل وفي "أمريكا" ذاتها و"أوروبا"!!!
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com