«شاومينج» هزم وزير التعليم بالضربة القاضية، ومن أول جولة، أدمن الصفحة يتلقى التهانى والدعوات، طلاب يرسلون له استغاثات، وآخرون يقولون: «لولاك يا شاومينج ما كنا نجحنا». سقطت ورقة التوت عن وزارة التلقين كما كان يكتب خالى خريج كلية التربية على كراساته، تعرّت عورة أسوأ نظام تعليمى فى مجرة درب التبانة، ظهر كل القبح والقيح والدمامة والبثور والصديد فى وجه وجسد ديناصور عجوز مترهل اسمه التعليم المصرى، لذلك كنت أتمنى أن يأخذ التعليم حيزاً أكبر من حوار الرئيس مع الإعلامى أسامة كمال،
كنت أتمنى أن يعلن الرئيس أن التعليم هو أولوية استراتيجية وطنية، كنت أتمنى ألا يرضى بالاتناشر سنة التى قال إن التعليم يحتاجها لكى تتطور المنظومة، كنت أتمنى أن يفعل كما فعل مع الفريق مميش عندما أشار له باختصار مدة حفر القناة الجديدة، كان لا بد أن توجه قيمة ثلاثة أرباع صندوق تحيا مصر أو ما يساوى تمويل القناة إلى تطوير وإعادة هيكلة التعليم، فكل الجهد الرهيب الذى يُبذل فى إنشاء وتجهيز الكبارى والطرق والمساكن... إلخ سيضيع سدى ويتبخر إذا مرّ من على هذا الكوبرى جاهل وسار على الطريق أحمق لم يتعلم انضباط السلوك فى المدرسة، أو سكن فى تلك العمارات إفراز عشوائى من البشر الذين تعلموا البلطجة والغش فى مدارسهم.
الوطن كله خرج يوم الأحد فى أول يوم امتحان بملحق دين، ملحق ضمير، الطالب أراد النجاح فى الدين بالغش مثلما أراد وزير الزراعة الحج بالرشوة. الغش صار القاعدة والجهد والصدق، والالتزام صار الاستثناء، أكثر الهاشتاجات شهرة والتى بدأ سلسالها الشيطانى منذ العام قبل الماضى هو «غشاشون ونفتخر»!، عالم غريب، ابنى الذى كان فى ثانوى منذ سنتين كان يشكو لى مندهشاً بأن الكثير من جيله يرى أن الغش فى الامتحان حق واجب وفرض عين!! حاولت وقتها كأب وكمواطن أن أفهم ظاهرة استحلال الغش التى صارت وباءً مصرياً مزمناً وسرطاناً متغلغلاً عضالاً، حاولت وفشلت، دخلت على تويتر وشاهدت المهازل والمساخر والكوميديا السوداء، شاهدت انهيار أساس المبنى والنسق الأخلاقى. كود الأخلاق بالفعل صار عدماً وفراغاً وشبحاً، عندما تقرأ: «غشاشون ونفتخر»، أو «غشاشون فدائيون» أو «حنغش برضه» أو «عبيلو واديلو»، إلى آخر هذه الهاشتاجات التى تفخر بالغش وتعاند من أجل خيانة الضمير وتسعى إلى النجاح المزيف والربح السهل والفوز الذى بطعم الهزيمة والسرقة الحلال أو التى يحاولون إسباغ صفة الحلال عليها
، هل صار الغش مدعاة للفخر؟ هل أصبح الغش لا يُخجل منه ولا يجرّس صاحبه، بل هو ولد جدع وراجل؟ نعرف أن التعليم صار خارج الزمن، ونعرف أنه بيزنس دروس خصوصية وتلقين ببغاوات وقتل إبداع واغتيال مهارة وتشويه شخصية وتدمير نفسية، نعرف أنه لا صلاح للمجتمع ولا طوق نجاة للوطن ولا استقرار على شاطئ الأمان إلا بإصلاح التعليم، لكن أن نفقد أيضاً مع كل ذلك قيمة أن الغش عيب وحرام وجريمة وجُرسة، ونتقدم خطوة لنفتخر به ونتفاخر ونتطاوس ونزهو بعيالنا الغشاشين الجدعان، تخيل مجتمعاً يقول فيه الأب على باب اللجنة لابنه وهو خارج من الامتحان، معنفاً إياه: «إزاى ما عرفتش تغش من اللى جنبك يا حمار يا خيبة؟!»، هل هذا المجتمع فيه أمل؟ أم تقول لابنتها وهى تشتم المراقب وتدعو عليه، لأنه أدى مهمته ومنع الغش فى اللجنة: «إلهى يتشل ويشوفها فى عياله قادر يا كريم، المراقب الظالم اللى مرضيش يغششك»!!
أين نحن؟ هل نحن فعلاً فى مصر التى كان الغشاش فيها يُفضح ويُعامَل كالجمل الأجرب؟، إنها ليست قاعدة مصرية فقط، بل قاعدة إنسانية أن تدين وتجرم وتجرس الغش والكذب والتدليس، ولكن مصر انسلخت عن الدنيا وصار الغش فيها مؤسسة، بل صار أكبر مؤسسة وأضخم حزب، الكل يتسابق فى الفخار والزهو بأنه أول من سرّب ورقة الامتحان على النت! لا تحدثنى عن العدل أو تساوى الفرص، فالموبايل يجعل الغشاش من الأوائل، بمجرد ضغطة زر عليه سيقرأ إجابة السؤال بالتفصيل، ويعرف الحل وهو لم يفتح صفحة واحدة فى كتاب المادة، كانت امتحانات الثانوية ومكتب التنسيق آخر حصن للعدالة وتساوى الفرص، وكلنا يتذكر أن ابنة عبدالناصر لم تستطع، وهى بنت الرئيس، أن تتجاوز مكتب التنسيق أو تمر من الأبواب الخلفية وتتحايل على نظامه، صار هذا الكلام من النوادر وجلسات النميمة، الغش الآن هو الحل، الغش تفاخر به الأمم، غشاشون ونفتخر، هى دى نهايتها، فدائيون ليس من أجل قضية، بل من أجل الغش، يا خسارة، ويحيا «شاومينج».
نقلا عن الوطن
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com