حظيت حرية الاعتقاد بحماية دستورية فى مصر منذ بداية الدولة المصرية الحديثة وبعد ثورة شعبية جارفة لتحرير الدولة من الاستعمار (ثورة ١٩١٩) فارتبط الاستقلال بالحرية، وتمت الصياغة بحسم لا يقبل الشك، فالنص جاء على النحو التالى، حرية الاعتقاد مطلقة، وتبعها بالطبع التأكيد على حرية الرأى والتعبير، فالاعتقاد أمر باطنى داخلى عقلى فلا بد من التعبير عنه بحرية دون خوف من رقابة أو تجريم، فمنذ دستور ١٩٢٣ وحتى الدستور القائم وفى المادة ٦٤ منه تم التأكيد على حريتى الاعتقاد والتعبير والرأى وكافة أشكال التعبير السلمى سواء الفردى أو الجماعى.
التهديد الأكبر لحق الاعتقاد وحرية التعبير هو المادة ٩٨ من قانون العقوبات، وهى مادة مستحدثة تمت إضافتها للقانون عام ١٩٨٢ عقب اغتيال الرئيس الأسبق أنور السادات بناء على فتاوى صدرت بتكفيره، فضلاً عن تصاعد التوتر الطائفى (الإسلامى - المسيحى) فى هذا العهد، الذى بدأ بأحداث الزاوية الحمراء ثم تصاعد بعد ذلك إلى أن أصبحت جماعات العنف المسلح تستخدم الدين من خلال تأويلات متشددة وتستخدم القوة لفرض تصوراتها المعتقدية على المجتمع، فجاءت هذه المادة لمواجهة هذه الظاهرة، إلا أن الصياغة الفضفاضة لهذه المادة أدت إلى إساءة استخدامها واستخدامها ضد حرية الاعتقاد، فضحايا هذه المادة أغلبهم من المفكرين والمثقفين المصريين، فمؤخراً حوكم بموجبها إسلام بحيرى وفاطمة نعوت وتم صدور أحكام بالحبس ضدهما، بالإضافة إلى كاتب روائى وخمسة أطفال مسيحيين مثلوا مسرحية تتناول أفكار تنظيم داعش، وهناك بالطبع بلاغات عديدة ضد كتاب ومثقفين مصريين ما زالت تنتظر الإحالة.
مؤخراً تقدم أعضاء من البرلمان بمشاريع لإلغاء هذه المادة لتعارضها الشديد مع الدستور المصرى وانتهاكها للحق فى الاعتقاد إلا أن وزارة العدل المصرية فاجأت الجميع بإعلان أن هذه المادة خط أحمر، أى إنها غير قابلة للإلغاء، ورغم أن البرلمان صاحب السلطة المطلقة فى التشريع ولا معقب عليه ولا يجوز للحكومة ممثلة فى وزارة العدل أن تضع أمام البرلمان خطوطاً حمراء، لكن الغريب هو اتجاه البرلمان لاستطلاع رأى الأزهر والكنيسة، ورغم احترامى وتقديرى الشديد للمؤسستين فإن هذا الاتجاه أيضاً يتناقض مع صلاحيات البرلمان الدستورية.
على البرلمان أن يمارس صلاحياته ومناقشة القوانين التى تعد انتهاكاً لحقوق دستورية، مثل قانون التظاهر ومواد قانون العقوبات المتعلقة بجرائم النشر، التى ما زالت تشكل انتهاكاً جسيماً للحقوق والحريات، أيضاً هناك حزمة من التشريعات المطلوبه لضمان تطبيق الدستور المصرى وإنفاذ أبواب الحقوق والحريات وسيادة القانون.
هذه المادة يجب أن يتم إلغاؤها ليس فقط لتناقضها مع الدستور ولكن أيضاً لأنها تتناقض مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التى وقعت عليها مصر وصدّق عليها البرلمان.
إزاء هذا المأزق إن لم يستطع البرلمان إلغاء هذه المادة احتراماً للدستور وقيم حقوق الإنسان، فعلى الأقل من أجل حماية المثقفين والمفكرين من مصير السجن أو النفى الاختيارى وإذا لم يتم الإلغاء فهناك بديل هو تعديل المادة لكى تجرم جريمة الكراهية والتحريض عليها والعنصرية مع تحديد دقيق لعناصر الجرائم المادية والمعنوية تحديداً دقيقاً لا يؤدى إلى إساءة الاستخدام وإرسال المزيد من المثقفين إلى السجن.
نقلا عن الوطن
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com