فى مثل هذا اليوم 18 يونيو 1913م
مع بداية القرن العشرين حاولت بقايا الإمبراطورية العثمانية صهر جميع الهويات والشعوب في البوتقة التركية وتحت الراية الفاشية التركية. سعت إلى صهر ثقافات الشعوب الكردية، العربية، الأرمينية والآسورية وغيرها والتضحية بها في سبيل سياساتها القذرة.
مما لا شك فيه إن قيادات وطليعة الشعوب ومتنوريها كانوا مصرين على خيار وحدة الشعوب وأخوتها في مواجهة جميع أساليب الاحتلال ولم يتراجعوا عن هذا الخيار. ولأجل ذلك بادروا إلى تنظيم صفوفهم وتأهيل أنفسهم لموجهة الاحتلال كتفاً لكتف. ورغم الكثير من التضحيات التي بذلت إلا أنهم حققوا الكثير من الانتصارات والمكاسب. وإذا كنا على مشارف إعلان الفدرالية اليوم في روج آفا وشمال سوريا فإن كل هذه المكاسب تحققت بفضل تلك التضحيات الجسام.
ومن هذه التضحيات التاريخية هي حادثة السادس من أيار التي اعتبر كيوم عيد الشهداء في الوطن العربي. قبل مائة عام وتحديداً في السادس من أيار عام 1916 وصلت جمعية الاتحاد الترقي إلى السلطة في تركيا كنتيجة لحالة الفوضى في أواخر عهد الإمبراطورية العثمانية. وأقدمت وقتها على إعدام 21 مثقفاً عربياً في بيروت ودمشق. وبهدف إحياء ذكرى القادة العرب يعتبر يوم السادس من أيار يوم عيد الشهداء في سوريا ولبنان وباقي دول الوطن العربي.
لنعد معاً إلى تلك الفترة ولنتعرف عن قرب على مطالب ومساعي المثقفين العرب ضد سلطات الاحتلال التركي. 1913
البحث عن الحرية
خلال أعوام 1789 و1799 اندلعت الثورة الفرنسية، الثورة التي اعتمدت على ثلاثة مقولات أساسية وهي الحرية المساواة والإخاء، وجمعت حولها الجماهير التي عانت من ظلم الاحتلال وتمكنت من إنجاح الثورة. هذه الأفكار انتشرت خلال فترة قصيرة في مختلف أصقاع العالم، وأدت إلى تنامي الحركة الثورية لدى جميع الشعوب التي عانت من ظلم الاحتلال.
من المعلوم إن الشرق الأوسط كان يقبع في تلك الفترة تحت حكم الإمبراطورية العثمانية التي كانت قد دخلت مرحلة متقدمة. ومع تقدم وتطور سلطة الإمبراطورية العثمانية تضاعفت حدة الظلم والقمع والاضطهاد ضد الشعوب. حالة الاضطهاد المتواصلة زادت من نقمة وغضب الشعوب الكردية والعربية، والتركمانية والأرمنية وغيرها، وبدأت هذه الشعوب بالبحث عن سبيل للخلاص من هذا الظلم.
في هذه الأثناء كانت الإمبراطورية العثمانية بدأت بإجراء تغييرات في البلدان التي كانت تستعمرها وذلك بهدف إنقاذ نفسها من الانهيار.iskender-emuun
وقتها ظهر تنظيمان مختلفان من حيث التوجه العقائدي. الأول هو جمعية الاتحاد والتركي بزعامة أحمد رزا. والثاني هو جمعية الإدارة اللامركزية بزعامة الأمير صباح الدين، الأولى كانت تطالب بالمركزية والدولة المركزية، أما الثانية فكانت تطالب بالإدارة الذاتية للشعوب. المثقفون العرب الذين تجمعوا حول جمعيات ومؤسسات ثقافية لتطوير الثقافة واللغة العربية كانوا أقرب إلى جمعية الأمير صباح الدين التي تطالب بالإدارة الذاتية.
حزب اللامركزية الإدارية العثماني
بعد أن حظرت الدولة العثمانية جميع التنظيمات الاجتماعية والسياسية اضطر المتنورون والمثقفين العرب إلى مواصلة كفاحهم من أجل تطور المجتمع العربي وتنظيمه بشكل سري.
التنظيم العربي الأقوى في تلك الفترة كان الجمعية القحطانية. وفي شهر أيلول من عام 1912، انشق 10 مثقفين عرب من سوريا ولبنان وفلسطين من الجمعية القحطانية وهم كل من رفيق العزام، إسكندر آمون، محب الله الخطيب، حقي العظم، الشيخ رشيد رضا، الدكتور شبلي شميل، داوود بركات، سامي الجرديني، عزب الجندي وفؤاد الخطيب، وأسسوا في العاصمة المصرية القاهرة حزب اللامركزية العثمانية.
حزب اللامركزية العثمانية نظم وبشكل سري وبالتعاون مع الجمعية العربية الفتاة المؤتمر العربي الأول في العاصمة الفرنسية باريس عام 1913. شارك فيه العديد من ممثلي الدول العربية الواقعة ضمن حدود الدولة العثمانية. واستمر المؤتمر من 18 حزيران وحتى 23 حزيران عام 1913. انتهى المؤتمر بمجموعة من القرارات التي طالبت بالإصلاح وبالحكم الذاتي وباعتبار اللغة العربية لغة رسمية وغيرها من القرارات، واستناداً إلى قرارات المؤتمر يمكن استنتاج حقيقة مفادها إن المثقفين العرب في ذلك الوقت لم يتسموا بالنزعة العنصرية العربية. بل سادت نزعة المطالبة بالإدارة الذاتية أي النظام الفدرالي.
ومن أبرز قرارات المؤتمر العربي الأول
على الدولة العثمانية أن تسمح بتكوين حكم ذاتي في الولايات العربية.
على الدولة العثمانية أن تسمح للعرب بالمشاركة بالحكم فعليا وعليها أن تضمن لهم التمتع بحقوقهم السياسية.
يجب اعتبار اللغة العربية لغة رسمية في مجلس النواب العثماني إلى جانب التركية وأيضا اعتبارها اللغة الرسمية في الولايات العربية.
تأسيس إدارات لا مركزية في جميع المدن السورية والعربية.
في الولايات العربية يجب أن تكون الخدمة العسكرية محلية إلا في حالة الضرورة القصوى.
أخذ مطالب الأرمن العثمانيين بعين الاعتبار.
أحد أعضاء المؤتمر إسكندر عامون ألقى خطبة في المؤتمر قال فيها “الأمة العربية لا تريد الانفصال عن الإمبراطورية العثمانية، نحن نطالب بحكومة عثمانية، وليس حكومة تركية أو عربية. نريد أن ينال جميع العثمانيين حقوقاً متساوية. بهذا الشكل فإن أي من المكونات مثل العرب، الترك، الكرد، الدروز أو الأرمن، المسلمين أو المسيحيين أو اليهود سوف لن يتعرض للقمع والتمييز من قبل طرف معين. ولن تقدم أية جهة على سلب حقوق جهة أخرى”.
في الخطوة الأولى لم تعلن الحكومة العثمانية عن قراراتها العدائية، ولكن كانت تمارس ضغوطات كبيرة على الشعب، المثقفين، والسياسيين العرب، الكرد، الارمن، حيث كانت تهجر الكرد، الارمن والعرب من ديارهم، وبعد المؤتمر بعامين ارتكبت المجزرة بحق الأرمن، وتم تهجير عدد كبير من الكرد من ديارهم في نفس الوقت، بالإضافة إلى ان قرابة 550 ألف عربي اضطروا إلى النزوح إلى دول كأمريكا ونمسا والفلبين ومصر خلال الـ 40 عام بسبب ممارسات وسياسات العثمانيين بحقهم.
وليشرعوا سياساتهم هذه أصدر رئيس الاتحاد والترقي جمال باشا عدة صحف، حيث أصدر في مدينة مكة صحيفتين باسم “الحجاز، وشمس الحقيقة”، كما قدم الدعم المادي لصحف “الرأي العام، الاتحاد الإسلامي، البلاغ والإقبال، لاذقية، الصفا، وبايله”، لمدح سياساتهم وإظهار ان سياساتهم هذه شرعية وجيدة، كما اصدر المدعو شكيب ارسلان وهو عربي الأصل ولكنه من مؤيدي جمال باش صحيفين باسم الشارك، والاسلام لمعادات المثقفين العرب.
البدء بحملة الإبادة
بعد بدء الحرب العالمية الأولى والهزائم والانكسارات التي لحقت بالعثمانيين الذين كانوا يحاربون إلى جانب الألمان، فتش قادة الاتحاد والترقي عن ذريعة ليبرروا هزائمهم وانكساراتهم، حيث عاد جمال باشا الذي كان قائد الجيش الرابع للعثمانيين إلى الشام بعد ان هزم في مصر وبدء يبرر خسائره وهزيمته، حيث قال ان سبب هزيمتهم هو الرؤساء العرب بالرغم من أن العرب كانوا يحاربون إلى جانبه، حيث كان يحاول أقناع من حوله بأن المثقفين غير صادقين مع الحكومة، وخاصة مصر وعدد من الدول الأخرى فقد اتهمهم بأنهم يحاولون الاستقلال ولهذا اصدر قرار باعتقال عدد كبير منهم.ebdullhemîn el zehrawî
بعد مؤتمر باريس تم إيقاف العمل بالقرارات التي كانت اتخذت من قبل الحكومة العثمانية بشكل مفاجئ، وأصدر قرار بأن يتم التحدث باللغة التركية في كافة الدول والمناطق، كما الشعب خارج تركيا اضطروا إلى التحدث باللغة التركية.
كما اسفر جمع محاصيل القمح والشعير لصالح العثمانيين والألمان عن انتشار حالة من الفقر بين الشعب، ووقوع الشعب بين مخالب الجوع و المرض، ولم يكتفوا بهذا القدر، فقد قام جمال باشا بنفي عدد غير معروف من العوائل من سوريا إلى الأناضول بذريعة وثائق مختومة من قبل الفرنسيين.
ولم يمضي وقت طويل على هذه الممارسات حتى تم إعدام عدد من المثقفين وطليعة الشعب بقرار من محكمة ديوان الحرب، كما قام جمال باشا بمحاكمة كل من وقف في وجهه وإعدامهم وفق محكمة ديوان الحرب وذلك في حمص، بعلبك، علايا، بيروت، شام، عكا، ناصرة، قدس، غزة، تل الشريعة، بئر السبع، خليل الرحمن، وكان يجب ان يتم محاكمة المذنبين وفق قانون العثمانيين وضمن محاكم شرعية، ولكن جمال باشا كان يقول بسبب ظروف الحرب يتم محاكمة المذنبين خارج المحكمة.
الإعدام بدون محاكمة1916
ومن المحاكم العروفة آن ذاك كانت محكمة عالية ديوان الحرب العرفي، وبعد ان برّء قاضي المحكمة العديد من المثقفين الذين لم يكن هنالك أدلة تدينهم أو لم يكونوا مذنبين، قام جمال باشا بعزل القاضي وتكليف المدعو شكري الذي كان قائداً ضمن الجيش ليدير المحكمة وعينه كرئيس أول للمحكمة، كما تم تغيير مساعدي القاضي بنفس الطريقة.
وفي نهاية المحاكمات حكمت محكمة ديوان الحرب نوت تحكم على 3 – 4 مثقفين بالإعدام، أما الباقين فكانت المحكمة تود ان تزجهم في السجن، ولكن جمال باشا رفض، وكتب بنفسه على ورقة الحكم “إعدام” إلى جانب كافة أسماء المثقفين العرب الذين تمت محاكمتهم، ووقع عليها.
نفذ الحكم على شكل مجموعتين الأولى في بيروت والثانية في الشام، وبدء تنفيذ الأحكام في الساعة الـ 04.00 بتاريخ الـ 20 من شهر آب عام 1915، وشملت نفيذ حكم الإعدام الجماعي الأول 10 مسلمين وأخر مسيحي وهم من القادة العرب وذلك في ميدان برج بيروت، أما الاعدام الجماعي الثاني فكان في الـ 6 من شهر أيار عام 1916، وشمل 17 مسلماً و4 مسيحيين، ونفذ حكم الاعدام بحق 14 من هؤلاء في بروج بيروت أما الـ 7 الآخرين فأعدموا في ساحة المرجي في العاصمة السورية دمشق.
ولم يكتفوا بهذه الأحكام، فقد أصدرت حكومة العثمانيين حكماً بالإعدام على 70 شخصاً بشكل غيابي لأنهم لم يتمكنوا من اعتقالهم.
بعد تنفيذ أحكام الإعدام هذه في الـ 6 من شهر أيار، تم إعلان هذا اليوم كيوم الشهداء في البلدان العربية وعلى رأسهم سوريا، وإلى اليوم يتم استذكار المثقفين والطليعيين العرب في هذا التاريخ، ولكن مع الأسف هذا الاستذكار وهؤلاء المثقفين لم يكونوا في نهج العقلاء والثقفين العرب الحاليين، فكما أشرنا في منشورنا هذا فإن هدف هؤلاء الطليعيين والمثقفين كان وحدة الشعوب، السلام، والأمان، ولم يرغبوا في ان يتم تفضيل مكون على أخر أو ان يحكم مكون واحد هذه الدولة وانكار حقوق المكونات الأخرى التي تعيش في هذا الوطن.
نحن نعلم ممارسات النظام البعثي، وفرضها لحكومة الطرف الواحد البعيدة عن العدالة، فمثلهم مثل الاتحاد والترقي، فبدل ان يمنحوا الشعوب حق الإدارة الذاتية، ويسمحوا للشعوب بالتحدث والتدريب لغتهم الأم، والسماح لهم بتطوير ثقافاتهم وفنهم، مارسوا سياسات الإنكار والاضطهاد والإبادة.
هذه السلطة حولت سوريا وروج آفا إلى ساحة حرب، وسمحت بتمرير كافة الألاعيب والسياسات بحق الشعب والوطن، وكانت السبب في تهجير ونزوح الملايين من الشعب عن ديارهم، وجعلت المئات يتجهون نحو التسول أمام ابواب الغرباء.
بدون شك فسبب استمرار سيلان الدموع وسفك الدماء ماء السوريين دون انقطاع حتى اليوم ناتج عن سياسات وممارسات النظام البعثي الذي ينشر الفتنة بين شعوب ومكونات سوريا، وسياسات الاضطهاد والإبادة التي يقوم بها النظام البعثى.!!
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com