إذا شاهدت مسلماً يصلى على الرصيف كبَّرت وقلت: «ما شاء الله، متدين يحب ربه ويؤدى فرضه فى كل مكان»، نفس العين إذا شاهدت مسيحياً يصلى فى كنيسة لم تنتهِ جدرانها بعد، أو فى منزل أو بيت خدمات، تهتف كما حدث فى العامرية: «مش عاوزين كنيسة.. مش عاوزين كنيسة»، ويسألونه عن تصريح وكأن الصلاة تحتاج إلى ختم النسر من الحى ووزارة الإسكان وقرار جمهورى.
إما أن تكون كتب التاريخ مزيفة أو أن العجائز الذين لا يملون من الحكى عن الزمن الجميل يكذبون؟!.. شىء من هذا الذى يسبق علامتَى التعجب والاستفهام لا بد أن يكون صحيحاً، وإلا بِمَ تفسر التكرار السهل للحوادث الطائفية التى تشتعل بسبب النساء أو بناء وترميم الكنائس؟
شىء ما من حكايات جدودنا عن أصدقائهم الأقباط ومغامراتهم وأطباق الطعام التى جمعت أيديهم وأوقات الشدة التى تكالبوا عليها بيد واحدة حتى قهروها لا بد أن يكون مزيفاً، شىء ما من حكايات كتب التاريخ عن مصر الغرقانة فى السماحة، والهلال الذى عانق الصليب فى وجه جنود الاحتلال الإنجليزى، ودماء جرجس التى امتزجت بدماء محمد وهى تروى «رملة» سيناء فى حرب أكتوبر لا بد أن يكون فيها كثير من المبالغة.. وهل يعقل أن تكون تلك قصصاً حقيقية ونحن نعيش فى وطن تشتعل فتنته بسبب سور كنيسة ارتفع قليلاً أو قبة كنيسة ظهرت فجأة؟
أى شىء يضير أو يصيب المسلم بوجع إذا قام المسيحى فى بلدته ببناء كنيسة أو حتى ألف؟.. لا الإسلام حرم ذلك، ولا الأخوة والعِشرة والمواطنة تقول بأن الدم والفتنة هما الرد الأنسب على تحرك سور كنيسة من مكانه أو تحويل مبنى سكنى إلى مبنى كنسى؟! هل تتخيل أن الإسلام قد يتأثر إذا زاد عدد الكنائس؟، هل تتخيل أن المسلمين فى مصر سيصبحون فى خطر إذا وقعت أعينهم على قبة كنيسة أو صليب؟، إن كنت تعتقد ذلك، أو من ساهم فى إشعال أزمة كنيسة العامرية، فكّر فى ذلك، فلا بد أن تعلموا أن الإسلام لم يتلقَّ إهانة أكبر من تلك، ولا بد أن تعودوا لمراجعة بنيان العقيدة الإسلامية، لتتأكدوا بأنفسكم أنها أقوى من إسلام شخص هنا أو تنصّر آخر هناك.
فى أزمة كنيسة «العامرية» تبدو الأمور أوضح قليلاً عن ذى قبل، خطاب دينى مشوش حول التدين إلى طقوس ظاهرية، وجعل المسلم يؤمن بأن نصرة دينه تتلخص فى زيادة عدد المساجد ومنع بناء المزيد من الكنائس، ودفع المسيحى لأن يؤمن بأن مضاعفة عدد الكنائس هو السبيل الأمثل للحفاظ على دينه وحقوقه، حتى أصبح من الطبيعى أن تجد أمام كل كنيسة مسجداً، وأصبح من الطبيعى أن تجد صراعاً مكتوماً وخفياً بين الطرفين حول من يجعل مبناه العقائدى أكبر وأجمل حتى ولو حدث ذلك على حساب آلاف الفقراء الذين أقرت الديانتان المسيحية والإسلامية بأولوية الإنفاق عليهم وكفايتهم ذل السؤال.
تلك هى حقيقة تجاور المسجد والكنيسة، تجاور لا علاقة له بالوحدة الوطنية التى تتحدث عنها الصور التى تنقل قباب وصلبان الكنائس وهى تتجلى بجوار المآذن، بل تجاور يعبر عن أصل الفتنة والصراع.
الحل إذن يكمن فى الصراحة والمكاشفة، فى أن يواجه هذا الوطن مشكلاته ويعترف بخلايا التعصب التى تنتشر فى أوصاله حتى ننجح فى محاصرتها واستئصالها، الحل يكمن فى قانون دور العبادة الموحد الذى خرج تائهاً ولم يعد، ويوجد أيضاً فى خطاب دينى مستنير ومحترم يقنع المسيحى والمسلم بأن الأديان لا تنصرها الحجارة، سواء شكلت مسجداً أو كنيسة.
نقلا عن الوطن
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com