* د. "ميشيل حلمي": الإنسان يحتاج دائمًا إلى الآخر كي يخرجه من سجن الأنا، ويساعده على نضج شخصيته.
* د. "عاطف العراقي": يجب أن يفهم الجميع أن العلاقة بين الأنا والآخر، ليست علاقة تنافر وتناحر وصراع، بل علاقة تفاهم وتناغم.
* د. "نادية نظير": رفض الآخر يأتي من التربية الخاطئة للطفل.
* "ماجد أديب": حالة التعصب والانغلاق والطائفية، تستدعي أن نعيد نظرنا فى كيفية مد جسور الحوار والتفاهم مع الآخر.
تحقيق: ميرفت عياد
"الآخر".. كلمة باتت تتردد كثيرًا بين الناس دون وعي أو إدراك، مرة يقولون "رفض الآخر"، وتارة يقولون "قبول الآخر"!! وما بين الرفض والقبور رحلة يجب أن يقطعها الإنسان لينتقل من جانب الاختلاف والرفض والنفور والعداء والصراع، إلى جانب القبول والإتفاق والتناغم والتسامح والتصالح لإثراء تلك الحياة. وهذه الرحلة زادها الفكر والعقل والانفتاح والحوار مع الآخر؛ لكي نتعرف عليه، ففي المعرفة إنارة لظلمات النفس المتقوقعة حول ذاتها، لا ترى سواها، ظنًا منها أن فى هذا حمايتها وسر بقائها!!
ولأهمية معادلة "أنا والآخر" في علاج جميع الأحداث الطائفية والإرهابية والتعصب الذى تغلغل فى النفوس وبات داء نبحث له عن دواء، أجرينا لنا هذا التحقيق:
من ليس معي فهو ضدي
في البداية، قال "شكري"- موظَّف: المشكلة تكمن في الأشخاص الذين يكفِّرون الآخر، ويحقِّرون من شأنه، ويستبيحون دمائه فى بعض الأحيان! إنهم يتخيلون أنهم يملكون الحقيقة المطلقة، وإنهم على صواب وكل من يخالفهم الرأي أو المعتقد مخطئين ومذنبين. إن الآخر في نظرهم عدو يهدِّد بقائهم وأمنهم وسلامهم، رغم أنهم يستفيدون منه ويعيشون متطفلين عليه، ولولا وجوده ما حدثت تلك الثورة التكنولوجية الرهيبة التى يستفيدون منها، مثل وسائل الاتصالات الحديثة، واختراع الديناميت والقنابل والطاقة النووية، وكل الأشياء التى يستخدمونها فى تدمير الآخر، دون أن يخجلوا من أنفسهم، على حد قوله.
ورأت "سماح"- مدرِّسة- أنه منذ زمن بعيد والإنسان يؤمن بالتعددية والتنوع، حيث يرى فيهما مصدر قوة وإثراء للحياة. مشيرةً إلى أن هذا الايمان بالتنوع، نتج عنه الحرية فى التعبير عن الرأي، بل الحرية فى الاختلاف. ولم يكن هناك مبدأ "من ليس معي فهو ضدي".. هذا المبدأ الذى يدعو إلى التنافر والصراع "على حد تعبيرها"؛ لأن من الجائز أن يكون هذا الشخص ليس معي وليس ضدي، بل على الحياد. تاركًا لي الحرية فيما أراه وما أقتنع به.
حب لأخيك ما تحب لنفسك
"حب لأخيك ما تحبه لنفسك".. هكذا قال "مجدي"- مهندس- موضحًا أن هذا هو المبدأ الذى كانوا يعيشون عليه منذ زمن بعيد. ولكن هذا المبدأ المتسع، تقلَّص وتسرَّب إليه الكثير من الطائفية والانعزالية، وأصبح الحب مقتصرًا على الأخ فى الدين أو فى الأسرة، الأخ الذى يتوافق معي فى أفكاري وفي مذهبي، أما المختلف عني، سواء في الدين أو في اللون أو المستوى الإقتصادي أو الثقافي أو الإجتماعي أو الجنس، فهو عدو لا أقبله ولا أحترمه، بل وأرفضه.
وتساءلت "رضوى"- طالبة جامعية: لماذا أرى فى الآخر عدوًا لي؟ لماذا أرفضه وأكفِّره؟ لماذا استبيح دمه، وهو أخ لي في الإنسانية؟ لماذا لا أقبله واتسامح معه، وأبحث عن نقاط الإلتقاء التي تجمعنا؟ أليست الحياة فى حد ذاتها بجميع أسرارها وتحدياتها.. سلبياتها وايجابياتها.. أعبائها وأهوالها.. قادرة على أن توحِّد جميع البشر تحت لواء واحد هو لواء "البحث عن حياة أفضل"؟
الخروج من سجن الأنا
من جانبه، قال د. "ميشيل حلمي"- أستاذ علم الإجتماع: إن الطفل فى هذه الدنيا، يفتح عينيه وهو يظن أن العالم على اتساعه هو ملك له، وتستمر هذه النظرة لدى الطفل حتى تتم عملية الفطام، فيدرك بعدها أن ذاته ما هى إلا جزء ضئيل من عالم واسع ملئ بالآخرين. وهكذا يبدأ نمو الطفل من خلال شعوره بالاحتياج للتعامل مع الآخرين. وخلال مراحل العمر، يزداد وعي الفرد بذاته وبالآخرين وبالكون المحيط به. موضحًا أن الإنسان يحتاج دائمًا إلى الآخر كي يخرجه من سجن الأنا، ويساعده على نضج شخصيته، هذا النضج الذى يتزايد جدًا عندما يتحوَّل الفرد من مرحلة العطاء مقابل الأخذ، إلى مرحلة العطاء الحر حبًا واحساسًا باحتياجات الآخر. مشيرًا إلى أن الشخص كائن متفرِّد له إرادة واستقلالية وعالم خاص به. ومن هنا، فإن تعامل الشخص مع الأخرين، يعني أنهم يدخلون فى عالمه الخاص به، وبالتالى فهو يدخل فى عالمهم. ومن هنا يبدأ نوع من تبادل الخبرات، والتفاعل العقلي والعاطفي المثمر والبناء الذى يؤدي إلى ثراء فى الثروات الإنسانية لدى كل من الطرفين.
كيان إنساني راقٍ
وتأسف د. "عادل حليم"- مستشار العلاقات الأسرية- على رؤية الناس دائمًا للإنسان من الخارج، من حيث هيئته ووضعه الإجتماعي والإقتصادي والثقافي، دون النظر إلى قيمة هذا الشخص الداخلية، وهي أنه مخلوق على صورة الله ومثاله. مؤكدًا أن الله يرى كل شخص فى هذا الكون مهمًا وذا قيمة مهما كان مستواه الثقافي أو الإجتماعي، أو حالته المادية أو الصحية، أو جنسه أو لونه. وتساءل: فإذا كانت هذه نظرة الله للبشرية، فهل ننظر نحن للإنسان كشخص له أهميته، مهما كانت عيوبه أو مميزاته؟ أم ننظر إليه على أنه مجرد شئ ذو فائدة مادية أو إجتماعية أو معنوية لنا، فنطمع فيه ونستخدمه بأي شكل من الأشكال التي تجرِّده من قيمته ككيان إنساني راقٍ؟!
الوعي الثقافي والإجتماعي والأخلاقي
وأكّد د. "عاطف العراقي"- أستاذ الفلسفة بكلية آداب جامعة القاهرة- أن نقيض مصطلح "الآخر" هو "الأنا" التي تعكس صفة فطرية يولد بها جميع البشر على حد السواء، وهذه الأنا- أي الإنانية- لها العديد من السلبيات التي يمكن السيطرة عليها والتقليل من مخاطرها، عن طريق الوعي الثقافي والإجتماعي والأخلاقي الذى ينمِّي لدى الإنسان صفة المحبة والعطاء. مشيرًا إلى أن هذه "الأنا" أو "الذاتية" توجد منها أنواع تميل إلى التعصب والتمركز حول أفكارها ومعتقداتها خاصة الدينية، وتبتعد تمامًا عن الإنصاف أو الحيادية ولا تقبل الآخر. وقد يصل بها الأمر إلى تكفيره أو نفيه أو تصفيته. وقال: يجب أن يعي هؤلاء أن العلاقة بين الأنا والآخر، ليست علاقة تنافر وتناحر وصراع، بل علاقة تفاهم وتناغم وإثراء للحياة البشرية.
وسائل الاعلام والمناهج التعليمية
وعرَّفت د. "نادية نظير"- استشاري الطب النفسي- الآخر بأنه ذلك الشخص المختلف في الدين أو اللون أو الجنس أو النوع. وهذا الاختلاف يولِّد نوعًا من رفض الأنا للآخر. موضحةً أن هذا الرفض يأتي من التربية الخاطئة للطفل، فى حالة تبني الآباء الأفكار التعصبية ضد الآخر، أو تمجيد الذات وتضخيمها، وكثرة نقد الآخرين، والبخل الشديد وعدم المجاملات. وبالتالي عدم القدرة على العطاء للآخر، والانعزالية، وعدم غرس قيم التعاون والمحبة، وعدم احترام الجيران والزملاء المختلفين، وعدم مشاركة الآخرين فى الأفراح والأحزان، والأنانية الشديدة والبحث عن المصالح الشخصية. هذا بالإضافة إلى وسائل الإعلام والمناهج التعليمية التى تعمل على خلق جيل لا يقبل أو يحترم أو يعترف بالآخر. مشيرةً إلى أن هناك نوع من الرفض للآخر ناتج من خلل نفسي واضطرابات فى الشخصية، مثل الشخصية البارونية، والتى يمثل الآخر بالنسبة لها عدو حسود غيور متربص بها. والشخصية النرجسية التى يمثل الآخر بالنسبة لها حشرة لا يساوى شيئًا. والشخصية الهيستيرية التى يجب على الآخر أن يدور فى فلكها ويعجب بها وإلا تحوَّل إلى عدو لها. والشخصية الاعتمادية التى تعتبر الآخر سندًا ودعامة يجب الارتكاز عليه.
بقائي هو شرط بقاء الآخر
وتساءل "ماجد أديب"- مدير المركز الوطني لحقوق الإنسان: من هو الآخر؟ هل هو الشخص المختلف عني؟ واستطرد: إذًا فالبشرية كلها بالنسبة لي "آخر"، ولكن هذا الآخر ينتمي إلى النوع الإنساني مهما كان مختلفًا في الدين أو اللون أو الجنس أو الموطن. ومن هنا، فإننا جميعًا بشر وإخوة في الإنسانية، يجب أن يحافظ كل مِنَّا على الآخر؛ لأن بقائي هو شرط بقاءه. موضحًا أننا حكمنا على الآخر بقسوة دون أن نسمع رأيه، ونسينا أننا عندما نسلب حرية الآخر ستُسلب حريتنا. وأضاف: إن حالة التعصب والانغلاق والطائفية، تستدعي أن نعيد نظرنا فى كيفية مد جسور الحوار والتفاهم مع الآخر، وأن نواجه الفكر بالفكر وليس بالسلاح والموت، فالحياة على اختلاف وتباين وتناقض موجودتها، تستطيع أن تضم الجميع فى تناغم يُثري الحياة البشرية الجديرة بالبقاء والتقدم..
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com