تفاقمت مشكلة التعليم العام فى مصر ووصلت إلى درجة غير مسبوقة من التدهور على النحو الذى تجلى فى الكوارث التى وقعت خلال امتحانات الثانوية العامة هذا العام، من تسريب للامتحانات إلى غش جماعى وفريد بطرق شيطانية استخدمت فيها التكنولوجيا الحديثة وزرع سماعات فى الأذن عن طريق أطباء. كيف وصلنا إلى هذا القاع وتحولت امتحانات الثانوية العامة، التى كانت تحظى بالهيبة والقداسة فى البيوت المصرية، إلى مهرجان الغش الجماعى يشارك فيه مسئولون وأولياء أمور؟ كيف تبدلت الوزارة والحكومة وباتت تتعامل مع تسريب الامتحانات والغش على أنها ظواهر طبيعية لا كارثة سياسية وأخلاقية؟
فى تقديرى أن تدهور التعليم فى مصر جاء محصلة طبيعية لمناورات ومساومات أنور السادات، وتوظيف التعليم فى خدمة أغراضه السياسية وألاعيبه الإقليمية، فقد جاء السادات إلى السلطة فاقداً للشرعية فى عيون الكثيرين مجرداً من الكاريزما، وهى هبة إلهية، فبحث عن سبل لتثبيت أركان حكمه ووجدها فى التحالف مع جماعة الإخوان المسلمين، ففتح أبواب السجون وأخرجها منها، ثم أبرم الصفقة مع السعودية ووافق على عودة قيادات الجماعة الهاربة هناك وفتح أمامها المجال للعمل بكل حرية، وفى هذا السياق سمح السادات للجماعة بالسيطرة على مفاصل العملية التعليمية بالكامل. تدريجياً فرضت الجماعة سيطرتها الكاملة على العملية التعليمية بدءاً من مناهج الدراسة وصولاً إلى المعلم، فقامت الجماعة بتغيير مناهج التعليم لاسيما التاريخ والروايات لتصبغ عليها الصفة الدينية، وبمرور الوقت نقلت طريقة الأزهر فى التعليم، أى التلقين والحفظ دون تفكير، إلى التعليم العام.
ظل التعليم العام فى مصر محافظاً على جودته النسبية حتى نهاية السبعينات، وما إن بدأ العقد التاسع من القرن الماضى الذى شهد مقتل السادات وتولى مبارك السلطة حتى تهاوى التعليم المصرى العام تماماً، فقد كانت بذور السادات المرة قد أثمرت ثمارها وبدأت تسقط على رؤوس الجميع، فبات التعليم المصرى العام بالكامل تحت سيطرة الجماعة بل والتنظيمات الأكثر تطرفاً، وساهم المناخ العام الطائفى فى إضفاء مسحات جديدة من تديين التعليم واعتباره نوعاً من الجهاد عبر حشو المناهج بنصوص دينية وتزييف التاريخ ومعه وعى الأجيال المصرية الجديدة، وكان منطقياً أن ينتقل التأثير إلى الجامعات المصرية التى بدأت أيضاً فى مسيرة تزييف الوعى لا سيما فى الكليات النظرية والتضييق على المصريين المسيحيين فى الترقى وتقليد المناصب التى يستحقونها بل وحرمانهم من الالتحاق ببعض الأقسام مثل قسم النساء والتوليد بكليات الطب.
كان منطقياً أن يقود هذا الاتجاه إلى حالة من التدهور الشامل فى العملية التعليمية فى البلاد، حيث انتشرت الدروس الخصوصية، وأسقط الأهل والطلبة المدرسة من حساباتهم، ودخل الجميع فى سباق على الحصول على الامتحانات والغش الفردى والمجتمعى وشارك الأهالى فى عمليات الغش الجماعى، ودخل مسئولون فى سباق الغش والبحث عن سبل تمكن أولادهم من الغش.
تدهور التعليم العام فى مصر هو جزء من مناخ عام فاسد غشاش ومنافق أيضاً، جزء من توظيف التعليم فى الحسابات والمصالح السياسية حتى وصل الأمر إلى توظيف الامتحانات فى الكيد أو الحشد السياسى، مناخ عام فاسد أفسد كل شىء فى البلاد وفى المقدمة التعليم، والإصلاح يبدأ من فوق بإصلاح النظام والمناخ السياسى وتاريخ قيم العدل والقانون وأيضاً المحاسبة والشفافية.
نقلا عن الوطن
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com