ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

تجربة مثيرة لصحفية مصرية في إدارة الهجرة الألمانية

دويتشه فيليه - أميرة محمد | 2010-11-28 22:02:33

المسلمون ورحلة البحث عن حق الإقامة: واجبات... وحقوق
كنا في طريقنا لإدارة شؤون الهجرة لتمديد إقامتي، حينما قالت لي "لاورا" بتردد وخجل "أرجو ألا تأخذي الأمر على محمل شخصي، ستكون هناك أسئلة في استمارة البيانات ربما تثير حفيظتك، لكن صدقيني إنها مجرد إجراءات روتينية أمنية".

قالت "لاورا" عبارتها وكأنها ألقت بعبء ثقيل، اضطررت إلى تبريره منعا لحدوث مشاكل، لكنها فوجئت بضحكي وأنا أجيبها "لا تقلقي، منذ أحداث 11 سبتمبر، وأنا معتادة على مواجهة العديد من الأسئلة التي أجدها في واقع الأمر مثيرة للضحك أكثر ما هي مثيرة للسخط". وبالطبع أعرف تمام المعرفة دواعي وخلفيات حزمة التدابير الأمنية الصارمة المتخذة في ألمانيا والدول الغربية بعد تلك الأحداث والتي تسعى لتضييق هامش مناورة المتطرفين والكشف المبكر لمخططاتهم الإرهابية. ولكن حينما وجدت نفسي معنية مباشرة بتلك التدابير اختلف الأمر وصارت مشاعري تتراوح بين السخرية والغضب.

"لاورا" شابة ألمانية تعمل في شركة متخصصة لخدمات الأجانب والوافدين الجدد، بدءً من استقبالهم في المطار، مرورا بإيجاد مسكن مناسب، ووصولا إلى مساعدتهم في إجراءات التسجيل لدى السلطات المحلية، ومد التأشيرة والحصول على الإقامة.

تتيح لها وظيفتها فرصة التعارف عن قرب على أجانب كثيرين، أثناء اصطحابهم لمبنى إدارة شؤون الهجرة التابعة لمدينة بون، غرب ألمانيا. وأحيانا تتوطد العلاقات لتأخذ بعدا إنسانيا إلى حد ما، وهنا ينشأ الحرج، لأنها تجد نفسها مضطرة لتبرير بعض الإجراءات الحكومية، التي قالت هي نفسها إنها لا ترى دائما "جدواها وفعاليتها"، رغم تفهمها للمخاوف الأمنية التي تقف وراءها.

هل أنت إرهابي؟
تأشيرة الاتحاد الأوروبي.. إجراءات صارمة
كان اليوم مشمسا على غير العادة، وكانت "لاورا" تقود سيارتها في الطريق إلى وسط مدينة بون، بينما جلت أنا بخاطري لأتذكر تلك الورقة الإضافية التي تم إلحاقها في الأعوام الأخيرة باستمارة طلب الحصول على تأشيرات دول الاتحاد الأوروبي، والتي أصبح ملؤها تعهدا إلزاميا في بعض السفارات الأجنبية بالقاهرة.

هذه الورقة المثيرة للجدل تثير سخط البعض، وسخرية البعض الآخر في آن، عبارة عن استمارة باللغة العربية، يستند إلى المادة 54 من البند السادس من قانون الإقامة. وتنص نسختها المستخدمة في السفارة الألمانية بالقاهرة على أنه "سيتم إبعاد أي أجنبي من ألمانيا إذا قام أثناء استجوابه بإخفاء معلومات عن السلطات الألمانية أو عن دائرة الأجانب، كالإدلاء ببيانات خاطئة أو غير كاملة عن صلات بأشخاص أو منظمات يبشتبه فى دعمها للإرهاب الدولي".

كما تلزم الاستمارة مقدم الطلب على الإجابة عن أسئلة من قبيل: "هل كنت أو مازلت عضوا في جمعية سياسية أو دينية أو غيرها من الجمعيات؟ .. هل سبق لك الإقامة في .. أفغانستان - باكستان - الشيشان - أذربيجان – العراق – إيران.." أما الذروة فتتمثل في سؤال مباشر : "هل سبق لك في أي وقت في بلدك أو في دول أخرى أن خططت لعمليات عنف أو نفذتها أو شاركت في التخطيط لمثل هذه العمليات أو في تنفيذها؟".

بين السخرية والغضب
معوقات تواجه طالبي الإقامة

صحيح أنه من حق ألمانيا حماية نفسها من الأخطار الإرهابية، لكن الكثيرين يتساءلون عن جدوى هذه الإجراءات لاسيما حالة الاستياء الذي قد تحدثه لدى طالبي التأشيرة. وينقسم الكثيرون في مصر في الرأي لدى ملأ هذه الاستمارة، منهم من يرى فيها "إهانة له ولعروبته وإسلامه"، ويعتبر الأسئلة حكما مسبقا عليه بأنه "إرهابي لحين ثبوت براءته"، ومنهم من يرى أن الأسئلة تنطوي على "سذاجة تدعو للسخرية أكثر من الاستياء". 

تذكرت الفريقين وأنا أكتب "أميرة محمد عبد الرحمن" في خانة الاسم. الآن أنا جالسة في الطابق الثالث في المبنى الحكومي الكائن في شارع "أوكسفورد شتراسيه" وإلى يميني جلست "لاورا" تترجم لي الأسئلة من الألمانية إلى الإنجليزية، ومع كل سؤال ترتسم على شفتيها ابتسامة خجل وكأنها تعتذر بها ضمنيا عن فحوى الأسئلة، أو هكذا أحسست بالأمر على الأقل، وهكذا بدأت لاورا تتبادل معي الضحك كلما طرحت علي سؤالا جديدا.

ولأنه "ما على الرسول إلا البلاغ"، نقلت "لاورا" الأسئلة بروتينية والابتسامة لا تفارقها : "هل تلقيت من قبل تدريبا عسكريا؟". أجبتها بهمس كي لا تسمعنا الموظفة المنهمكة أمامنا في مباشرة عملها "وهل يتصورون أني سأعترف بأني تلقيت تدريبات عسكرية في تورابورا لإفساد مخططي الإرهابي؟". وطبعا، بعد أن أجبت بـ "لا"، استأنفت هي مهمتها فانتقلت للسؤال التالي، وسلمتني قائمة بأسماء تنظيمات سياسية ودينية وعسكرية من مختلف أنحاء العالم وقالت "هل سبق لك الاتصال بأي من تلك التنظيمات؟".

"قالوا للإرهابي احلف.. قال جالك الفرج"
التقارب والفهم.. أقوى وسائل مواجهة الإرهاب

عدت لصديقتي اللطيفة "لاورا"، فهمست لها : "سبق لي وأن اتصلت بأعضاء في حركة حماس الفلسطينية في إطار عملي الصحفي، فسألتها سؤالا بلمسة استفزازية إلى حد ما: "هل أبدو لك إرهابية؟  وهل سأوضع تحت طائلة القانون لو نفيت اتصالي بهم في تلك الاستمارة؟". جاء الرد مقتضبا بما معناه أن المقصود ضمنا هو الاتصال بغرض سياسي وليس صحفي، فسهلت بذلك علي المهمة ووضعت ذات الـ "لا" الروتينية التي برأت بها ذمتي في تلك الاستمارة.

لكني خرجت ولسان حالي لا يكف عن التساؤل عن جدوى تلك الأسئلة أمنيا. فلو كانت بالفعل قد أسهمت أو ستسهم في القضاء على الإرهاب الدولي، فلما لا. ولكن من يتصور أن إرهابيا سيعترف في وثيقة رسمية بمخططاته العدوانية؟ وهل يعقل أن تصدق السلطات الألمانية أو سلطات أي دولة في العالم على بيانات أمنية بتلك الخطورة دون تحريات. أتعبت نفس بالتساؤلات وتذكرت المثل الشعبي المصري "قالوا للحرامي إحلف، قال جالك الفرج".

نظرت إلى "لاورا" وهي تقود سيارتها في طريقنا للعودة وقلت لها ضاحكة باللغة العربية "قالوا للإرهابي إحلف..". نظرت لي باستغراب. فلم أملك سوى الابتسام وشكرتها بعمق على دعمها المعنوي وحرصها على عدم إيذاء مشاعري. أثرت "لاورا" دون قصد تجربتي في إدارة الهجرة وأضفت عليها بعدا إنسانيا، وهونت على الكثير من وقع تلك الأسئلة، لتزيدني يقينا على يقين بقوة العلاقات الإنسانية وأهمية التقارب بين الشعوب ليكون هو السلاح الأكثر فعالية لمواجهة الإرهاب.

مراجعة: حسن زنيند

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com