ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

بركان الغضب

القس. أيمن لويس | 2010-11-29 17:07:02

بقلم: القس أيمن لويس
     ليسمح لي الأستاذ الكاتب "مجدي جورج" أن استعر منه هذا العنوان "إذ لم تستحى فأفعل ما شئت"، فهو أقل شئ يمكن أن يُقال إذا أردنا الالتزام بمكارم الأخلاق ، تعبيرًا عن الأحداث المؤسفه التى يتعرض لها الأقباط فى بلادنا.

     قالوا فى الأمثال "الكثرة تغلب الشجاعة"، وحين تنهال الصفعات والركلات من كل صوب وحدب على شخص أعزل، يصبح من الصعب على هذا الإنسان حماية نفسه.. هذا ما نشعر به نحن المسيحيون هذه السنة؛ فبينما لم تندمل أحزاننا على شهداء "نجع حمادي" والفاعل لا يزال حرًا طليقًا، فإذ بالحزب الوطني يرشِّح من يشار إليه بالضلوع فى الحدث على رأس قائمة المرشحين! وبينما النار مشتعله فى منازل المسيحيين بقرية "النواهض" بمركز "أبو تشت" بجنوب "مصر"، تباغتنا الأخبار بمقتل شهداء مسيحيين على إثر فتح الأمن النار عليهم بسبب تظاهرهم أعتراضًا على مداهمة الأمن والمسئولين مبنى له صفه دينية صادر له رخصة بأدوات الهدم وبداخله مدنيين وجمهور من مختلف الفئات فى مشهد غريب!!

     إن ما قام به محافظ "الجيزة" والأمن، ترجمه عملية لما تحدَّث به سابقًا الأستاذ "سليم العوا" في إحدى لقاءاته مع الأستاذ "عمر أديب" فى برنامج "مصر اليوم" منذ فترة، فقد أعلن أنه يلاحظ أثناء سيره بالسيارة على كوبرى 6 أكتوبر العديد من الكنائس ترتفع على قبابها الصلبان وليس صليب واحد بل عدة صلبان!! وهذا استفزاز لمشاعر المسلمين!!!! وهذا ما أعلنه محافظ "الجيزة" بصورة عملية عندما ظهرت القبة للمبنى سبب الأحداث!! وأخيرًا وليس أخرًا، يخرج علينا الشيخ "سمك" من قناة "الروضة" متطاولاً على مقدسات المسيحيين وكتابهم المقدس. ويصل التجبُّر والجبروت مداه، ففي ذروة كل هذه الأحداث المؤسفة للأقليات، نجد من ينادى بمطالبة الكنيسة الدفاع عن الاتهامات الأمريكية والدولية لـ"مصر"، فيما يتعلق بانتهاك حقوق الإنسان!!!

      وإمعانًا في الإذلال، تخرج علينا جريدة الأهرام صباح يوم الجمعة 26 / 11 / 2010 فى صدارة صفحتها الأولى "انتهى مجمع البحوث الإسلامية من تشكيل لجنة من قيادات إسلامية ومسيحية للرد على ما جاء فى تقرير لجنة الحريات الدينية بوزارة الخارجية الأمريكية حول أوضاع الأقليات والكنائس فى مصر".. ولست أعلم أي ردود علمية يريد أن يعتمدها المجمع؟! إنها أحداث ومواقف! أما الردود الفقهية حول ما ورد بالتقرير، فأعتقد أن العالم يعرفها جيدًا، ففي زمن الحداثة الكل يقرأ ويبحث ويعرف!! والمعاهد والكليات لديهم أكثر مما لدينا، والردود الفقهية التى يريدون تسويقها هي أمر يخصهم وليس بالضرورة ما يقتنع به المسلمون مجبَر العالم أن يقتنع  به!

     مع كامل احترامنا لاقتنعاتكم فالمجتمع الدولى لا يعنيه المقاييس الفقهية، بل هناك مواثيق دولية وقوانين هى فقط التى يعترف بها كمعايير. فعلى سبيل المثال، يرى المسلمون أن الوثيقة العمرية هى أعلى مستويات الكمال فى العدل، وهي النبراس الذى ينبغي أن تهتدى به البشرية. ولكن لا يرى الآخرون ونحن ذلك. وهنا قلب المشكلة وجوهرها. فالرؤية للأمور مختلفة والمنطق فى التفكير مختلف حتى المقاييس مختلفة!!

     فبينما يرى العالم والأقباط أنهم أقلية مضطهدة، يرى المسلمون في "مصر" أن الأقباط حاصلون على أكثر من حقوقهم، بل يرى البعض أنهم وصلوا لحال من الفجر والطغيان، وهذا هو الخطاب الإسلامي، وحتى النظام يرى أنه قدَّم للمسيحيين ما لم يحصلون عليه. وقد صرَّح د. "مصطفى الفقي" أكثر من مرة أن عصر الرئيس "مبارك" هو العصر الذهبي للمسيحيين بـ"مصر"!!! وهذا يعني أننا في مفترق طرق، وأننا أمام أزمة حقيقية؛ فكل فريق له قناعاته، وحيث أنه لا يوجد هنا من يرى أن للمسيحيين حقوق ضائعة، فعلى المسيحيين النظر بموضوعية للمشكلة لإيجاد حلول بعيدة كل البعد عن استجداء النظام..

     فى الحقيقة، إن مطالبة بعض المسيحيين فى الهتافات الرئيس "مبارك" بالنظر إليهم، يُعد أمرًا من البلاهة والسذاجة!! فلا بديل عن تدويل القضية، وهذا ليس خيانة وانتقاص للوطنية، فقد علَّمونا في التاريخ أنه من انجازات "مصطفى كامل" تدويل قضية الاستعمار!! وهنا نعوِّل كثيرًا على أقباط المهجر، أبنائنا الذين نقدِّرهم ونجلهم ونرجوهم أن يتَّحدوا بقدر الإمكان، متخطين الاختلافات الثانوية لتحقيق الأهداف الجوهرية وصلب القضية. ثم لابد من الإصرار بالمطالبة بكوتة للأقباط فى كل شئ، وكفاية حكاية نسيج واحد وضحك على الذقون وتقنين حكاية بناء الكنائس (ويا خوفى من قانون العبادة الموحد)، وقضاء مشترك وضعي محايد فى حالة وجود مشكلة بين مسيحى وآخر.. الخ.

     ثم نرجوا أن ترفع الكنائس يدها من اللعبة السياسية، وعلى العلمانيين (بحسب المفهوم الكنسي أي غير العاملين بالسلك الكهنوتي) أخذ مسئوليتهم. وكذلك تكف الكنائس عن العبث بالتودُّد للمسئولين والشعارات الكاذبة من تبادل القبلات والتصفيق الحاد عند زيارة المسئولين لتقديم التهنئة فى الأعياد وموائد الإفطار، وكل هذه الممارسات التي صارت استفزازية أكثر منها مجدية. وحسنًا فعل قادة الكنائس تجاه التقرير الديني لوزارة الخارجية الأمريكية. وننادي بعدم الرضوخ للضغوط بالمشاركة بما أسموه اللجنة المشتركة للرد على التقرير، فقد قمتم بالرد الصادق الأمين. إنه من المذلة وعدم اللياقة فى وسط هذه الأحداث ودماء الشهداء لم تجف، أن يخرج علينا هؤلاء بمثل هذا المطالب!! وما علاقة الأزهر والكنيسة بالقضايا السياسية، ولاسيما أن ما ورد بالتقرير هو حقيقة لا ينكرها إلا الكاذبون والمتجبرون؟ 

     وختامًا، كل ما نرجوه أن لا يكون ما حدث فى "الجيزة" هو مجرد الحمم التى يقذفها البركان قبل الانفجار. ولتعزية نفوسنا وأرواح شهدائنا الأبرار، نردِّد هذه الآيات الكريمة "وأجاب واحدٌ من الشيوخ قائلاً لي: هؤلاء المتسربلون بالثياب البيض، من هم؟ ومن أين أتوا؟.. فقلت له: ياسيد، أنت تعلم. فقال لي: هؤلاء هم الذين أتوا من الضيقه العظيمة، وقد غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم فى دم الخروف. من أجل ذلك هم أمام عرش الله، ويخدمونه نهارًا وليلاً فى هيكله، والجالس على العرش يحل فوقهم. لن يجوعوا بعد، ولن يعطشوا بعد. ولا تقع عليهم الشمس ولا شىء من الحر، لأن الخروف الذى فى وسط العرش يرعاهم، ويقتادهم إلى ينابيع ماء حية ويمسح الله كل دمعة من عيونهم" (رؤيا 13:7-17). 

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com