أدرك تماماً أن خطورة إثارة هذه القضية تماثل تماماً خطورة السير «معصوب العينين» فى حقل ألغام، غير أن الصمت تجاه تمدد «فرعونية» بعض المشايخ، ودفعنا إلى نفق التخلف والغيبوبة من خلال استغلال سعينا إلى إرضاء الله، سبحانه وتعالى، وحبنا للدين -وآل البيت «رضى الله عنهم»- وجهل بعضنا بأحكامه هو أمر يماثل السكوت عن جريمة تتكرر يومياً.
فإذا سلمنا بأن الدين صالح لكل زمان ومكان، ومع كامل احترامنا لشيوخنا الأجلاء، فإننا لا يمكن أن نتصور أن «الشيخ» يفهم فى كل زمان وفى كل شىء، وبكل مكان وبالتالى لا يحق له «الفتوى» فى كل شىء، فمثلاً ما «المؤهلات الطبية» له حتى نستفتيه فى زرع القرنية أو نقل الأعضاء، أو اعتبار «موت جذع المخ» هو الموت الذى يوجب نزع الأجهزة عن المريض، وما مؤهلات المشايخ حتى نسألهم عما إذا كان استخدام «الهندسة الوراثية» فى الزراعة أو «الاستنساخ» حراماً أم حلالاً و.. و... وغيرها من القضايا العلمية البحتة.
لا شك بأننا -من فرط حبنا لله- قد صنعنا «فرعوناً» مستبداً اسمه الشيخ يفهم فى كل قضية وفى أى مجال لدرجة دفعت بعضنا لانتخاب من «يطلقون لحاهم» نوابا عنا بمجلس النواب لمراقبة الحكومة وسن القوانين دون أن يكون لديهم أى مؤهل سياسى لأداء هذه المهمة إلا إذا اعتبرنا أن «اللحية وزبيبة الصلاة» من بين مؤهلات العمل السياسى والحزبى.
الأمر لا ينحصر فى جهل المشايخ بكل مناحى الحياة لعدم إحاطتهم بكل العلوم، على الرغم من أن البعض على قناعة تامة بأن «رؤية الشيخ» صالحة لكل زمان ومكان وهو قادر على فعل كل شىء، وأستغفر الله العظيم، ولذلك لم يعد غريباً أن يخرج أحدهم علينا بأنه «المصنف رقم واحد» على العالم فى الرقية الشرعية وإخراج الجان والعلاج من المس والسحر الأسود والأحمر «وكل الألوان»، ورد المطلقة خلال ساعة وإعادة الحبيب فى لمح البصر وحتى «الفوز فى المسابقات»، ويعلن ذلك تباعاً على شاشات التليفزيون دون حياء..!!
من جانبنا نحن، فإن بعضنا يرى أنه تكفى «تقوى» خريج الأزهر -ونحن نعلم جميعاً مستوى خريجى الجامعات بصورة عامة- لتؤهله لأن يصبح عليماً بكل مناحى الحياة، وهنا يجب أن نواجه أنفسنا بسؤال: هل الشيخ بمجرد دراسته الأزهرية يكون تقياً؟!.. وهل التأهيل الدراسى للشيخ يخرج به من دائرة المواطن العادى لدائرة المواطن «المتقى الله»؟!
إننا لا يمكن اعتبار أن ما يقوله بعض المشايخ علم يتم تدريسه، ولا يمكن أبداً أن نعتبر من يجهلون أمور العلم «فقهاء»، لأنهم حفظوا القرآن عن ظهر قلب، أو لأنهم قاموا بتعظيم مرويات السنة وحفظوها من الضياع.
ويبقى السؤال: كم نستغرق من الزمن لنفهم أن المشايخ لا يفهمون فى كل شىء، ومتى نخرج من أنفاق حفرناها بأيدينا، ويقوم المشايخ بتعميقها، فلا نستطيع الخروج منها.. وكم نستغرق لنرى النور الحق وليس نور الزيف الذى صنعناه بجهلنا بالدين رغم حبنا لله ومحاولتنا إرضاءه فى ذات الوقت؟!.. الأمر بالفعل يستوجب إسراع مؤسساتنا الدينية بتنقية ما علق فى مفهومنا للدين بسبب بعض المشايخ إلى جانب ما انتظرناه طويلة من تجديد الخطاب الدينى وإلا سينطبق علينا جميعاً النصف الثانى من «لقد أسمعت إذ ناديت حياً ....».
■ ■ ■
السطور السابقة تمثل مضمون ما كتبه المستشار أحمد عبده ماهر المحامى بالنقض والمحكم الدولى والمقيم بالولايات المتحدة بعد تعديله وإعادة صياغته ليتناسب مع هذه المساحة، والذى وصلنى من الصديق الدكتور نبيل فتح الله، الأستاذ بكلية الهندسة بجامعة الأزهر، ولذا وجب التنويه وخالص التقدير لهما.
نقلا عن الوطن
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com