أحبه مكرم عبيد وأطلق عليه: "شاعر الكتلة الوفدية"
كان عضوًا بجماعة الأمة القبطية، واعتقلته الشرطة عقب عزل البابا يوساب
كان يشعر بسعادة أثناء فترة التحفظ في الدير وأدار البطريركية من هناك
شجعني على الرسوب في اللاتينية وساعدني أن أنجح!
انضم للجيش وشارك في مقاومة العدوان الثلاثي
حوار: مايكل فارس
كان صديقًا للطالب "نظير جيد" أثناء الجامعة، واستمرت العلاقة الشخصية مع "البابا شنودة الثالث" حتى الآن.
زرناه بمنزله في الإسكندرية، ليقص لنا ما لا نعرفه عن "نظير جيد" أو "البابا شنودة".. فكان حوار الذكريات الممتع مع "فايز عبد النور".
بداية.. من هو فايز عبد النور؟
"فايز عبد النور فلتاؤوس" والدي كان موظفًا في حكومة السودان، عندما كانت تابعة لمصر وانجلترا، كان اسمها "السودان المصري الإنجليزي"، وأنا ولدت في الخرطوم حتي المرحلة الابتدائية، ثم خرج والدي على المعاش، فجئنا لمسقط رأسنا بقرية الغريزات بمحافظة "سوهاج"، وحصلت علي الإعدادية والثانوية هناك، ثم ذهبت للقاهرة لتكملة تعليمي بكلية الآداب قسم التاريخ، بجامعة "فؤاد الأول" (القاهرة)، وهناك تعرفت علي الطالب "نظير جيد روفائيل" الذي أصبح فيما بعد البابا شنوده الثالث، وبعدها انتقلت للعيش في الإسكندرية.
كيف تعرفت على "نظير جيد"؟ صف لنا أول لقاء جمعك معه.
في أكتوبر 1943 كنا في المدرج نضع حقائبنا على أماكننا قبل الدخول، بحيث يدخل الطالب ويجلس عند حقيبته، وفي بداية الدراسة وضعت حقيبتي في المدرج وخرجنا حتي قدوم الأستاذ، وعندما دخل ذهبنا بسرعة للمدرج، وفوجئت أن حقيبتي ليست في مكانها، بل موضوعة على مكتب الأستاذ، فاستشطت غضبًا، ووجدت شابًا يضحك بشده، فأشار لي قائلاً "تعالى هنا أنا لقيتك شاب جاي من الصعيد غلبان، فحبيت أتعرف عليك، تعالى جنبي مكانك محفوظ.." وكان أول لقاء مع "نظير جيد" ومنذ ذلك التاريخ لم نفترق وانضم لنا صديقنا الثالث "يسري رياض سدراك"، وأصبحنا "ثالوث" مع بعضنا بالجامعة.
كيف تري صفات نظير جيد اثناء الجامعة؟
كان يمتاز بشدة الذكاء، فكنا أثناء المحاضرات لابد لنا أن نسجل مايقوله الأستاذ، أما هو فكان يسمع فقط، ويفهم كل ما يقال، دون أن يسجله، فسألته مرة: "يا نظير أنا مش عارف أعمل إيه في المعلومات، هي بتدخل من هنا، وبتطلع من هنا!" فرد: "أنا عكسك تمامًا، المعلومات بتدخل دماغي ما بتطلعش، لدرجة إن مخي اتملى معلومات، مش عارف أوديها فين، وعلى مدار الأربعة سنوات، كان نظير الأول على "قسم التاريخ"، لدرجة أن أستاذ التاريخ الإسلامي كان يحب نظير لذكاءه، وكان يستعين به لتصحيح أعمال السنة للطلاب، وكان يدعونا لزيارته كل يوم خميس، في منزله بمصر الجديدة، له وذات مرة أعطانا تذكرتين لحضور حفل بالأوبرا، والتي كان يذهب لها الباشوات فقط.
"البابا شنودة" رجل وطني من الطراز الأول.. فهل كان "نظير جيد" له نفس الوطنية في الجامعة؟
كان في الكلية وطنيًا جدًا، وعاشقًا لمصر وترابها، وبعد تخرجه في "كلية الآداب" التحق -برغبته- بالكلية الحربية لخدمة مصر، وكان ضابط احتياط، وتخرج فيها عام 1949 بتقدير ممتاز، وشارك في الجيش المصري في العدوان الثلاثي، وذهب للقناة في السويس لمحاربة انجلترا وفرنسا وإسرائيل.
وكان نظير هو شاعر الكتلة الوفدية، حيث أنشأها "مكرم عبيد" بعد اختلافه مع النحاس باشا، وكان عبيد يحب نظير جدًا، وكان يصطحبه معه في الاجتماعات والمؤتمرات التي يعقدها، ليلقي شعرًا، وأطلق علية شاعر الكتلة الوفدية.
اشتهر البابا شنودة بإلقاء النكات.. فهل تذكر مواقف لنظير جيد في الجامعة تعكس خفة ظله؟!
كان خفيف الظل جدًا، وكنا نجتمع -أنا وهو ويسري- فيلتف حولنا كل الطلبة، دائمًا نضحك ونلقي النكات، وكان يلقي شعرًا كوميديًا، ودائمًا كانت مذاكرتنا مع بعضنا البعض، إما عندي، أو عند يسري، أو في شقته في شارع "حلمي الدرملي" بشبرا مصر، وكان دائمًا خفيف الظل، يحب المرح والضحك.
وذات مرة كان زميل لنا طيبًا، وهناك زميلة كانت دائمًا تقول له "هتجوزك" فكان يقول لها "ابعدي عني مش هتجوزك" فأسرع نظير وارتجل له بيت شعر، وقال له قل لها "شدي شعورك كيف شئتي ونعكشي.. فسوف أحبكِ مع طلوع المشمشِ"!
وكان دائمًا يلقي شعرًا عن المواد الدراسية خاصة مادة الجغرافيا، التي كان لا يحبها.
ما هي المميزات الأخرى التي كان يتمتع بها نظير، قبل أن يصبح بطريركًا ولا يعرفها البعض؟
كان أمينا جدًا جدًا، ولا يكذب مهما حدث، فذات مرة دخلت السينما، وكانت الساعة 11 مساءً، وكان آخر ميعاد لدخول البانسيون الساعة 9 مساءً، فعندما دخلت على السيدة الشامية صاحبة البانسيون، التي كانت تعاملنا كأولادها رفضت دخولي، وقررت الاتصال بأهلي في سوهاج، فكذبت عليها وقلت لها "كنت بذاكر مع نظير" وهي كانت تقدره جدًا، لأنه كان شابًا ذكيًا ومهذبًا، فقالت لي "احلف إنك كنت معه" فأخرجت من حقيبتي قاموس لغات على أساس أنه "الكتاب المقدس"، وقلت لها: "وحق هذا الكتاب أنا كنت مع نظير"، فأدخلتني، وفي اليوم التالي جاء نظير لزيارتي، فسألته "هو فايز كان بيذاكر معاك امبارح" فحاولت التلويح له حتى يقول نعم، ولكنة رفض وقال لها "لا"، فقالت "لكنه حلفلي على الإنجيل" فسألها "فين الإنجيل؟"، فأحضرت الكتاب الذي حلفت عليه، فقال لها "ده قاموس لغات مش إنجيل"، فغضبت وأصرت علي النزول للاتصال بأهلي، لإبلاغهم، ولكنه توسط لي ووعدها بالمذاكرة، ونظرًا لمكانته عندها قبلت وساطته.. فكان نظير لا يكذب مهما حدث.
واتذكر ذات مرة، كنا في امتحان مادة اللغة اللاتينية، وكانت أصعب مادة، وقبل الامتحانات مرضت، ولم أذاكرها جيدًا، وأمام باب اللجنة قلت لزميلنا يسري فقال "لي لا تقلق، أنا سأكتب الإجابة وأتركها لك في الحمام، وتخرج أنت لتأخذها أثناء الامتحان"، فرفض نظير هذا الكلام بشدة، وقال "لن أسمح لك أن تنجح بالغش أبدًا، لترسب في المادة أفضل، وأنا مستعد لمساعدتك في الدور الثاني، لكن غش في الامتحان لا؛ ولو رأيتك تستأذن من الأستاذ في اللجنة سوف أخبره أنك خارج للغش"؛ وبالفعل لم أغش ورسبت، وساعدني في الدور الثاني، وبعدها نجحت.
من خلال تعاملك مع نظير، هل كانت هناك بوادر تراها ليدخل في الكهنوت والرهبنة، ليصبح بعدها بطريركًا؟
قلت له ذات مرة أثناء حلق ذقني، أن الحلاقة متعبة "كل يوم والتاني الواحد يحلق دقنه!" فرد مازحًا "يا بختك أنا كل ما بحلق جانب ينبت قبل حلاقة الجانب الآخر!" فأسرعت وقلت له إنك ستصبح كاهنًا أو راهبًا، واعتبرها نبوءة له.
وأتذكر النبوءة الثانية؛ أننا ذات مرة كنا نسير بشارع شبرا، ومرت أمامنا فتاتان ترتديان (جابونيز) وهي فساتين بحمالات أعلى الركبة، فأسرع نظير بوضع يده على عينيه حتى لا ينظر لهما، فبعدما مرتا قلت له "فتح عينك هما مشيوا.. شكلك عايز تبقى بطرك ونبوس على إيدك" وهو ما حدث بالفعل، وأصبح نظير بطريركًا، وهو أثناء الجامعة كان دائمًا يخدم بالكنيسة ومدارس الأحد.
بعد انتهاء الجامعة كيف كانت علاقتك بالبابا شنودة؟
بعد تخرجنا سافر في إعارة للسودان، وعام 1954 أرسل لى يسري -صديقنا الثالث- خطابًا يقول فيه أن نظير ذهب للدير للرهبنة.. ومنع خلالها الكل من مقابلته أثناء ما كان راهبًا، وأول مرة رأيته فيها عندما كان أسقفًا للتعليم، وسكرتيرًا للبابا "كيرلس السادس"، وحدثت معجزة؛ حيث كان أحد أقاربي مريضًا جدًا، ولا أمل له في الشفاء، فطلبت منه أن يصلي عليه، وبعد الصلاة شُفي تمامًا، وذات مرة وهو أسقف للتعليم زارني في منزلي بالإسكندرية، وتحدثنا كثيرًا عن أمور مختلفة.
وبعدما أصبح بطريركًا كان ولايزال يأتي لإلقاء محاضرته بالإسكندرية، وكنت أجلس معه حوالي ساعة أو اثنين في بداية توليه البطريركية، ولكن بعدما أصبحت مشغولياته كثيره جدًا، أجلس معه قليلاً عندما يأتي، ودائمًا أحضر معة عيد جلوسه، وعيد رهبنته.
هل عاصرت مع "نظير جيد" أو "البابا شنودة" أزمات كبيرة أثرت عليه؟
كان سكرتير "البابا يوساب"، له سكرتير يدعى "ملك" وكان شخصًا غير أمين، وخلال تلك الفترة تم إنشاء "جماعة الأمة القبطية" برئاسة المحامي "إبراهيم فهمي هلال" وكان "نظير جيد" عضوًا في هذه الجماعة، وعندما أخذت الجماعة البابا يوساب للدير، معززًا مكرمًا للدير، تم القبض على أعضاء الجماعة في قسم الأزبكية، ومنهم "نظير" وكان يحضر امتحان الشفهي في آخر سنة في الليسانس، وهو مقبوض عليه، حيث كانت تأتي به الشرطة بحراسة أمنية يحضر الامتحان ويأخذونه للقسم مرة أخرى.
وفي مرة حلمت أن "البابا شنودة" حلق ذقنه، فاستيقظت وقلت لزوجتي أن البابا سيتعرض "لحاجة مش كويسة" وبعدها بيومين حدثت أزمة البابا مع السادات، وحددت إقامته في الدير، وعين خمسة أساقفة لإدارة الكاتدرائية، وذهبت له في الدير أكثر من مرة وقلت له "هل الكرسي البطريركي فاضي يا سيدنا" فكان يرد: "حيث يوجد البطريرك يوجد الكرسي البطريركي" وكان مرحًا، ولم يشعر بحزن نهائيًا، بل بالعكس هو يعشق الدير، وبطيبعته يحب الوحدانية، فكان سعيدًا أثناء تواجده هناك، وكان يدير البطريركة من هناك، حتي بعد اختيار السادات لأساقفة غيره.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com