لم يبلغ عقده الخامس من العمر بعد، لكنه مازال يحلم بمستقبل باهر ينتظره، فالشاب الذي تخرج في جامعة مصرية وعمل لفترة في مجال الدعم الفني وتكنولوجيا المعلومات، ظل يلاحق أحلامه خارج إطار الحدود، فقرر السفر من هليوبوليس تاركا عائلته الصغيرة، إلى ألمانيا حيث مجالات العمل أرحب، تخير مجال الفضاء دونا عن كثير من الشباب، ليكون أحمد فريد أحد العلماء البارزين داخل محطة "ميونخ" الأرضية التي تتحكم في سفن الفضاء، وليصبح بعد ذلك عضوا في "الاتحاد الدولي للملاحة الفضائية"، ثم رئيسا للجنة إفريقيا داخل الاتحاد، وأخيرا مؤهلا للسفر عبر الفضاء، كل ذلك لم يجعله يتوقف بحلمه عند مدى النجوم، بل قرر أن يعبر السماوات لتحقيق انتصارات أكثر للبشرية، ضاربا بذلك مثلا مصريا مشرفا يحتذى به.. وإلى نص الحوار.
- بداية.. ماذا درست في مصر؟
درست إدراة الأعمال في الأكاديمية الحديثة بالمعادي، وبعدها دراسات عليا في الجامعة الأمريكية، وحصلت على منحة من IBM في "IT " أو تكنولوجيا المعلومات لمدة سنة، قدم فيها 4000 شخص وتم قبول 350 فقط، وأنا كنت منهم.
- هل عملت في مصر قبل مغادرتك إلى ألمانيا؟
بعد المنحة تم اختياري لأعمل في IBM وفودافون مصر في تكنولوجيا المعلومات.
- هل كنت تتوقع نجاحك في مصر إذا قررت العمل في الفضاء؟
الأهم من أن تكون لديك القدرة على إنجاز العمل أن تكون دائما على استعداد تام للعمل، وسأروي موقفا يرد على هذا السؤال، احتار مدير ذات يوم في اثنين من الموظفين على نفس الدرجة من الكفاءة، وجاءت فرصة واحدة للسفر ولا بد من اختيار واحدا منهما للسفر، لكن كان أحدهما أكثر جاهزية بأشياء بعيدة عن مهارات العمل، بأن كان جوز سفره جاهزا، فتم اختياره؛ ليس شرطا أن تعمل خارج مصر لتكون ناجحا، المهم أن تكون مستعدا دائما، الصعوبات موجودة في كل بلد، والكسل أو النشاط في التعلم هو المعيار.
- لماذا ألمانيا تحديدا؟ وهل درست بها؟
الأمر جاء بالصدفة، لم أكن أنوي السفر إلى بلد محدد، كنت أرغب في السفر فقط، وأتيحت الفرصة أن أذهب إلى ألمانيا دون تخطيط، ولم أتلق دراسة بالمعنى المفهوم في ألمانيا لكني تلقيت تدريبات كثيرة، منها في ميكروسوفت، وحصلت منها على شهادات في الاتصال عن بعد من أمريكا، وعملت في MBA عاما واحدا فقط، ولم أكمل لاختلاف مجالها عن مجالي.
- ما الصعوبات التي واجهتك في بداية وجودك بألمانيا؟
قابلت العديد من الصعوبات، لكن كان ضروريا أن أثبت وجودي وأثبت أني جدير بالعمل المسند إليّ، بخاصة في بداية وجودي في بلد لا أعلم عنه ولا عن أهله شيئا، ولغة جديدة في سبيلي إلى تعلمها، فهذا أصعب كثيرا من العمل في بلد تعرفه وتعرف أهله، وقابلت مواقف عنصرية، لكنها شخصية تماما وغير متعلقة بدين أو لون أو عرق، والعنصرية متفاوتة جدا هنا في ألمانيا، والمستوى التعليمي للشخص هنا يحدد مدى عنصريته.
- ماذا عملت في هذا البلد الأوروبي قبل مجال الفضاء؟
عملت في الدعم الفني لمعهد الاقتصاد الألماني، وكان الالتحاق به أمرا صعبا، لكني أثبتت كفاءتي حتى وصلت إلى العمل في مايكروسوفت ألمانيا.
- ما علاقة الفضاء بتكنولوجيا المعلومات والـIT؟
الفضاء عامة يحوي العديد من المهمات الفنية، دعم فني، أو هندسة فضاء أو هندسة إلكترونية، أو تكنولوجيا المعلومات، جميعها خدمات يحتاجها هذا الحقل.
- ما الدورات التي حصلت عليها في مجال الفضاء؟
حصلت على دورة في عمليات الفضاء، والمدارات وتخطيط المهمة وتخطيط المشروع، وعمليات الفضاء البشرية، والبيئة الفضائية، وتصميم الستالايت وكيفية التحكم فيه، والتحكم الأرضي، والمحطات الأرضية، بعد ذلك أصبحت التدريبات أكثر تخصصا، تعلمت مثلا طريقة عمل رائد الفضاء حتى أستطيع تقديم الدعم الأمثل له، والأجهزة الموجودة على الأرض مشابهة جدا للأجهزة التي يستخدمها رجل الفضاء في المحطة الدولية، كما أنني عضو في الاتحاد الدولي للملاحة الفضائية، وأنا المصري الوحيد الموجود فيها، ومؤخرا أصبحت رئيس اللجنة الإفريقية، وفي شهر مارس الماضي حصلت على جائزة منها بسبب كفاءتي.
- هل دراسة علوم الفضاء مكلفة؟ وهل هي ممكنة أم تعجيزية؟
تختلف التكلفة من دولة لدولة، فهي ليست مرتبطة بعلم معين ولكن لها علاقة بالدعم داخل الدولة، وبشكل عام لا يوجد أمر صعب، كلنا بشر ولنا قدرات، لكن الفروق الفردية تمكن البعض من العمل في الفضاء أو لا، أنا مثلا لا أجيد حرفة "الميكانيكي" لكني لو تعلمتها وأتقنتها لن يصبح الأمر صعبا، كل شيء يمكن إتقانه بالتعلم.
- متى بدأت دخول مجال الفضاء؟ وكيف؟
بدأت منذ نحو 6 سنوات هنا في ألمانيا بالصدفة البحتة، السيرة الذاتية الخاصة بي كانت موجودة على الإنترنت، وبدون تقديم طلب للالتحاق بالعمل فوجئت برسالة على البريد الإلكتروني من شركة "تلي سباتيو فيجا" المتخصصة في شؤون الفضاء، وسألوني إن كنت أرغب في العمل لدى وكالة الفضاء الألمانية، ظننت الرسالة في أول الأمر "فيروس"، وحاولت محوها، لكني أرسلت لهم ردي "بالطبع أوافق"، ولم تكن مجرد رسالة وهمية، بعدها مباشرة بدأت الامتحانات والدورات استعدادا لبدء العمل.
- ما هو مجال عملك بشكل مبسط؟
أنا أتحكم في مركبات الفضاء من محطة فضاء أرضية في ميونخ بألمانيا، وهذا التحكم يكون في كل ما هو فضائي، سواء ساتالايت أو محطة الفضاء الدولية الموجودة خارج الكرة الأرضية أو مكوك أو سفينة فضائية، وأنا المصري والعربي الوحيد الذي يعمل في وكالة الفضاء الألمانية في مجال عمليات الفضاء، وهو عمل مدني لا علاقة له بالأمور العسكرية أو التجسس، كما أنه عمل مرتبط بالبشرية وللبشرية.
- ما هي المهام اليومية؟
طوال 24 ساعة نجري اتصالات لا تنقطع مع محطة الفضاء الدولية، التي تدور بشكل دوري حول الأرض في ساعة ونصف، وتتعامل مع 5 مراكز أرضية، منها 2 في ناسا هما هانسل وألاباما، وواحدة في موسكو، وواحدة في اليابان، وواحدة في ميونخ، وهي التي أعمل بها كطيار فضائي من الأرض، أتحكم في المركبات والاتصالات.
- كيف تم تأهيلك للقيام بتلك المهام؟
يوجد لدينا ما يسمى بـ"كرسي السواق"، بعد قبولي في العمل لدى الوكالة تم تدريبي في مدة لا تتجاوز سنة ولا تقل عن 6 أشهر، كل مهمتي مراقبة "كرسي السواق" وما يفعله والاتصالات التي يجريها والأقمار والرحلات التي يتحكم بها، وممنوع لمس أي من أزرار التحكم، ولا يسمح لي بأخذ قرارات لأني غير مؤهل لذلك حينها، وبعد انتهاء مدة التدريب يمنحونني "الثقة"، وابدأ العمل من "كرسي السواق".
- ما آخر مهمة قمت بها من محطة الفضاء الألمانية؟
يتم إرسال مكوكات فضائية كل حين إلى محطة الفضاء الدولية الموجودة خارج الأرض، وكنت أشارك في عملية إطلاق آخر مكوك تم إرساله إلى الفضاء، وكان مصدر فخر لي، لأنه تم اختيار فريق بعناية للعمل على إطلاقه من ناسا في أمريكا، وكان على الخمس محطات الأرضية أن تكون متصلة طوال الوقت، ولكل منهم مهمة محددة يجب إنجازها، إضافة إلى ميعاد الإطلاق، فأنا كنت حاضرا وشاهدا على الحدث، وطبعا كانت أمرا مشرفا لي.
- هل من الممكن أن تسافر إلى فضاء يوما ما؟
نعم، من الممكن أن أسافر للفضاء، وها ما أسعى إليه الآن، لذلك قدمت في برنامج Project PoSSUM، وهو برنامج تأهيلي للسفر إلى الفضاء مدعوم من وكالة ناسا، وتم إضافة لقب جديد لي وهو "مرشح عالم فضاء"، فإذا أتيحت فرصة سفر إلأى الفضاء ستكون لي الأولوية، ويشمل البرنامج التأهيلي: التدريب البدني على ارتداء بدلة الفضاء، والتعامل مع الضغط الجوي، ودراسة فسيولوجية الفضاء، وكيفية التعامل مع المركبة الفضائية.
- ما الفارق بينك وبين عمرو سمرة؟
(مازحا) عمرو سمرة شعره أطول من شعري بكتير جدا، حين قدمت في البرنامج التأهيلي العام الماضي كان معي مصريان آخران ضمن 12 متقدما، وهما رؤوف وعمرو سمرة، وهما مصدر فخر لأي مصري، وكنا نمثل قوة أثناء التدريب، وتلقينا إفادات إيجابية عن أدائنا.
- كيف استفدت من العلوم الفضائية؟
والدي دكتور جراح وكان يعاني من آلام في الظهر، وحلها عملية جراحية، ولأن سنه حينها كان كبيرا لجأ للعلاج الفيزيائي، وجلس عدة أشهر على جهاز يعدل من وضعية فقرات الظهر، وتحسن بشكل كبير وملحوظ، فقررت البحث عن معلوماتأكثر عن هذا الجهاز على الإنترنت، واكتشفت أن هذا الجهاز تم اختراعه في محطة الفضاء الدولية الموجودة خارج الأرض، حينها شعرت بسعادة غامرة، وبأني ساهمت في شفاء والدي بطريقة غير مباشرة، وتيقنت بأني ترس في آلة كبيرة تساعد البشرية.
- ما الحلم الذي تسعى لتحقيقه؟
أنا أعمل على تحقيق حلمي في الوقت الحالي، وهو استخدام نانو تكنولوجي في صنع ساتالايت صغير جدا في حجم سماعة الكمبيوتر بنفس تكنولوجيا الساتالايت الكبير، وهو شكل يعرف بـ"كيوب سات"، وسيكون اسمه sweet water earth and education، اتصلت بالجامعة المتخصصة في تكنولوجيا الفضاء بميونخ لتنفيذ الفكرة، وتناقشت مع عالم كبير كان رائد فضاء، وحاليا نعمل على تشغيل الجهاز للصعود للفضاء والدوران سنة حول الأرض، والهدف الرئيسي منه اكتشاف مصادر الماء العذب في إفريقيا عن طريق أجهزة استشعار لتلافي المجاعات وأثر العطش، وإيجاد بديل أقل تكلفة من الستالايت الكبير، وهو مشروع غير ربحي، وحاليا أبحث عن الدعم المادي له، كما أنه بعيد تماما عن عملي لدى الوكالة الألمانية.
- كيف تشعر كونك المصري الوحيد الذي يعمل لدى وكالة الفضاء الألمانية؟
هذا مصدر فخر بالنسبة لي، بخاصة أني أتعامل منذ 6 سنوات ونصف مع رجال الفضاء كأني واحد منهم، الجميع ينظر لي باعتبار أني مواطن مصري وليس أحمد فريد الشخص، لذا أحرص على أن أكون سفيرا جيدا لبلادي، ويكون مكتبي أكثر تنظيما ونظافة وأخلاقي راقية مع الجميع حتى إن كانت حياتي فوضوية بعيدا عن مقر عملي، وأحرص على أن يكون علم مصر مرفوعا على مكتبي.
- بم تنصح الشباب الذين لديهم حلم شبيه بحلمك؟
لم أولد وفي فمي ملعقة ذهبية، أنصح الجميع بعد اليأس مهما كانت الظروف، الكل يتأثر بأي حدث في البلد وكأنه حدث له شخصيا، وهذا يضره ويؤثر عليه نفسيا، لا بد أن ينفض ذلك الشعور وينفض الكسل ويتحرك بإيجابية أكثر، وأنا أقدر الشباب المصري جيدا، لأنه يثبت كفاءته في أي مكان وتحت أي ظروف، وأنا منهم، علينا أن نتمسك بمثل أعلى ونقرأ كثيرا ونحاول أن نصل إلى مكانة وصلت إليها رموز مصرية من قبل.
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com