بفلم: جرجس بشرى
هناك مثل عربي يقول "رُبَ ضارة نافعة"، وهذا المثل بالضبط ينطبق على حادث اعتداء جحافل من قوات الأمن المصري، على أقباط كنيسة "السيدة العذراء مريم" بـمنطقة "الطالبية" التابعة لحي "العمرانية" بمحافظة الجيزة، لمنعهم من استكمال بناء الكنيسة الحاصلة على تراخيص للبناء!!
ورغم بشاعة الحادث الذي أسفر عن مقتل قبطيين اثنين، دون ذنب اقترفاه، على يد الأمن، وبرغم الحسارة المادية المهولة التي مُنيت بها الكنيسة، وسرقة الأموال، وصناديق النذور التي بها، وقلب حوالي عشرة حاويات مملوءة بالأسمنت الجاهز المُعد للبناء على الأرض، بواسطة قوات الأمن، ورغم حملة الاعتقالات الواسعة التي شنتها قوات الأمن المصري على الأقباط الُعزل، الذين احتجوا سلميًا بسبب وقف بناء الكنيسة، رغم حصولهم على وعد قبل وقوع الحادث بسويعات، من محافظ الجيزة بأن المشكلة قد حُلت، ورغم الإصابات الشديدة التي وقعت بحق كثير من شعب الكنيسة على يد قوات الأمن، ورغم.. ورغم..
إلا أن هذا الحادث -في رأيي الشخصي- كانت له فوائد كثيرة ودلالات قوية؛ حيث أظهر هذا الحادث الإجرامي البشع، مفارقات عجيبة في طريقة تعامل الحكومة المصرية، وخاصة جهازها الأمني، مع المتظاهرين المصريين؛ حيث نظم عدد من المتشدددين الإسلاميين -كما نعلم- مظاهرات حاشدة تمت برعاية الأمن في الإسكندرية، وبعض المحافظات، وأمام جامع الفتح بالقاهرة، واستخدموا فيها عبارات غير لائقة، وشتائم، وألفاظ نابية بحق رأس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، قداسة البابا "شنودة الثالث" مثل؛ "اللهم مكننا من رقبة شنودة" و"هانخليها دم"، كما دِيست صورة قداسة البابا "شنودة الثالث" بالأقدام، من قبِل بعض المتظاهرين على مرآى ومسمع من الأمن المصري، ومن المثير للدهشة أنه رغم أن هذه المظاهرات كانت تمثل تهديداً للسلم والأمن الإجتماعي، وتحريضًا سافرًا ضد البابا شنودة، إلا أن موقف الأمن المصري منها كان سلبيًا، فلم يقبض على أي من المتظاهرين ولم يعتقل أيًا منهم!! إلا أنه في حادث العمرانية، قامت قوات الأمن التي بلغ قوامها حوالي 5000 جنديًا بإلقاء قنابل مسيلة للدموع على المتظاهرين الأقباط العزل، واستخدام رصاصات حية، أسفرت عن مقتل اثنين من المسيحيين، وأصاب ما يزيد عن 57 مسيحيًا، ورغم تعهدات الحكومة المصرية أنها ستقصر تطبيق قانون الطوارئ خلال العاميين القادمين على الإرهاب والمخدرات فقط، إلا أن الحكومة المصرية في تحد سافر للقرار، واستفزازًا لمشاعر الأقباط، اعتقلت أعدادًا غفيرة من المتظاهرين الأقباط!!
ورغم أن حادث كنيسة "العذراء والملاك ميخائيل" بالعمرانية، كشف الستار عن السياسة الرسمية التي تتبعها الحكومة المصرية، في التقييد المُفرط على بناء الكنائس وترميمها في مصر، لدرجة أن هناك كنائس في مصر يستغرق الحصول على تراخيص بناء لها حوالي 40 أو 45 عامًا، وهناك كنائس قديمة كادت تنهار على رؤؤس المصلين، وما زالت تتعنت الحكومة المصرية في إعطاء تصاريح بالهدم والبناء لها!؛ هذا يحدث في مصر في الوقت الذي تسمح فيه حكومة مصر للمسلمين ببناء الزوايا والمساجد، بلا مانع ولا عائق، وفي كل مكان، وفي المصالح الحكومية، وعلى حافة المصارف والترع!!.
ودعوني هنا أكشف للقراء الأعزاء مفاجأة؛ بخصوص استهداف كنيسة "العذراء والملاك ميخائيل" بالطالبية بحي العمرانية، وهي أن بعض الجماعات السلفية كانت قد أعلنت عن تهديدها بعدم استكمال بناء هذه الكنيسة، ردًا على موضوع "كاميليا شحاتة"، حيث نشر موقع جهادي إسلامي يطلق على نفسه "شبكة التحدي الإسلامية" يوم 16 سبتمبر 2010، خبرًا بعنوان "كنيسة قيد الإنشاء في الهرم وكيفية هدمها انتقامًا لكاميليا"!! وقد التقط الموقع الجهادي صورًا لكنيسة السيدة العذراء والملاك ميخائيل وهي تحت الإنشاء، وقال أن هناك طريقة سهلة ومُيسرة لهدم الكنيسة على رؤوس الأقباط قبل أن يتم إنجازها، وهي طريقة لا تحتاج إلى مظاهرات ولا أسلحة ولا متفجرات ولا قتابل، تحتاج فقط إلى السكر العادي، ووضع كميات معقولة منه داخل الطوبار المُعد لصب الأعمدة، وبحسب الموقع الجهادي الإسلامي فإن مادة السكر تقضي على مادة الخرسانة وتجعلها فاشلة، أي تلغي التفاعل الكيمائي الذي يجعل من الرمل والحصمة بتدرجاتها تتماسك باستخدام الأسمنت!!، وبالتالي وبناء على هذا الخبر المنشور بالموقع الجهادي الإسلامي، فإن الأمن المصري كان عالمًا باستهداف منع بناء الكنيسة من قبل المتشددين دينيًا، الذين صوروا الكنيسة ووضعوا خُطة لهدمها فوق رؤؤس الأقباط، كما أن الجهاديون كانوا عالمون بلا شك بمكان الكنيسة، وإلا فكيف صوروها؟!!
ولكن ما حدث في العمرانية مؤخرًا ليس قيام الجماعات المتشددة باستهداف المبنى، ولكن الأمن هو الذي أتم المهمة على أكمل وجه، وهو الذي ألقى القنابل المسيلة للدموع على شعب الكنيسة، وقد صاحب هجوم الأمن على شعب الكنيسة هتافات وصيحات إسلامية جهادية مثل "الله أكبر"، وهو ما يؤكد أن الأمن المصري كان في شبه حرب جهادية ضد الكفار "المسيحيين"، ومن خلال استقراء المشهد يمكن التأكيد -وبما لا يدع مجالا للشك- على وجود جماعات إسلامية مندسة مع الأقباط، قامت بعمليات شغب وتكسير مبانٍ لتشويه صورة الأقباط، وإظهارهم على أنهم خارجين على القانون!!.
ولا شك فإن حادث الهجوم الأمني على كنيسة وشعب العمرانية، أظهر زيف البرنامج التسليحي الكنسي، الذي لا يوجد فقط سوى في عقل د. "محمد سليم العوا"، والجماعات السلفية المتطرفة، فلو كان الأقباط بحق في هذه الغزوة البربرية دُعاة عنف وكراهية وتخريب، لكانوا استخدموا الأسلحة دفاعًا عن أرواحهم وكنائسهم، ولكنهم دعاة سلام، لأن مسيحهم وربهم لم يأمرهم باستخدام العنف والسلاح والسيف، ولم يحضهم على كراهية حتى الأعداء!!
والأخطر في هذا على الإطلاق أننا سمعنا من أصوات وأبواق تابعة للحزب الحاكم، بأن الأقباط خارجين عن القانون، بل أن محاضر النيابة وجهت تهمًا خطيرة للمتظاهرين الأقباط، منها "الأعمال الإرهابية" والتجمهر، وحمل سلاح أبيض، وتكدير السلم العام، وغيرها، والسؤال هنا: وأين هؤلاء المسئولون والأبواق التابعة للحزب الحاكم، الذين اعتبروا استكمال الكنيسة خروجًا عن القانون، في الوقت الذي تتجاهل فيه الدولة والأجهزة المحلية المساجد، والزوايا المخالفة، والذي قد لا يعرفه أحد على الإطلاق، ولا حتى المسلمون، أن هناك قرارًا مُلزمًا صادرًا عن رئيس الوزراء منذ ثلاثة سنوات تقريبًا يسمح فقط ببناء مسجد لكل 5000 مسلمًا، ورغم صدور هذا القرار الملزم؛ ألا يتم بناء اكثر من مسجد أو زاوية في الشارع الواحد، إلا أن السلطات المحلية المصرية تخشى تطبيق هذا القرار على المساجد المخالفة، ولا تستطيع هدمها، على اعتبار أن هدم هذه المساجد أو الزوايا المخالفة يعتبر نوعًا من الصد عن سبيل الله.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com