الطريقة التى تم بها اتخاذ قرار الخطبة المكتوبة طريقة متسرعة وعشوائية، لم تحظ بنقاش جاد، كل ما هنالك أن الوزير اجتمع مع عدد من المساعدين والمفتشين والأئمة، فوافقوا بعدما تأكدوا أنه اتخذ القرار، والوزير نفسه قال إنه «عقد لقاءات مع القيادات الدعوية لشرح الفكرة»، إذاً كانت اللقاءات لشرح الفكرة لتأييدها، وليس لإجراء نقاش حولها.
كان من المفترض إجراء نقاش يضم علماء ومفكرين وأئمة وتربويين، مع إجراء استبيان يشارك فيه ألوف من أئمة المساجد، وهذا يستغرق ثلاثة شهور على الأقل، أما وأن القرار قد خرج دون دراسة فإن نتائجه ستكون كارثية.
فالوزارة ترى أن الخطبة المكتوبة هى (المدخل) لتجديد الخطاب الدينى! إذاً ماذا فعلتم طوال السنوات الماضية طالما أنكم ما زلتم تتحدثون عن (مدخل) لتجديد الخطاب الدينى؟ وللحق فإن الذى يراجع خطب الأوقاف الموحدة، وآخرها خطبة المال الحرام، يلاحظ أنها لم تأت بجديد، ولم تزد عما اعتاد المصلون سماعه دائماً.
تقول الوزارة إن القرار يمنع استغلال المنابر سياسياً، وهذا معناه أن المنابر كانت مستغلة طوال الفترة الماضية التى تزعمون فيها عكس ذلك، ثم من قال إن الخطبة المكتوبة تمنع التوجيه السياسى!! ألا يمكن التوجيه من خلال الدعاء الذى هو أقوى الطرق لاستغلال المنبر سياسياً؟ أم أنهم سيجعلون الدعاء ضمن النص المكتوب؟!
إن القرار المتسرع عجز عن مواجهة أسئلة من نوعية: ما قيمة الخطبة لو تسربت للشباب قبلها؟ ماذا لو حضرتْ جنازةٌ وكانت الخطبة عن قوله تعالى: «وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا»، أو عن معالجة الإسلام لمشكلة التحرش الجنسى؟! ماذا لو كان الخطيب كفيفاً؟ ماذا لو اشتملت الخطبة على خطأ؟
بغض النظر عن هذا فإننى أتوقف عند نتيجتين؛ أن القرار أدى إلى زيادة الاختلاف بين المشيخة والأوقاف، فها هو الوزير يصدر قراراً منفرداً فإذا بمستشارى شيخ الأزهر ورموز من هيئة كبار العلماء يرفضون القرار، ويحاول الوزير تمرير القرار رضيت المشيخة أم غضبت، وتحاول المشيخة إحراج الوزير برفض القرار، وينشغل الطرفان ببعضهما على حساب مواجهة المتشددين والمحرضين.
وعطفاً على النقطة السابقة فإن الخطبة المكتوبة لا تحاصر الأفكار المتطرفة، بل تقتل الاطلاع والبحث عن الإمام، وتساعد على تجهيله بتحويله إلى آلة، وتقتل قيمة العقل لديه، وحين يتعود عقل الأئمة على هذه الطريقة فإنهم لو اجتمعوا فى صعيد واحد أمام شاب إخوانى قرأ كتاباً لـ«قطب» أو «القرضاوى» فلن يصمدوا أمامه، وبالتالى فنحن أمام فرصة ذهبية لنشر الفكر المتطرف.
إن المتطرفين يرددون دائماً أن أئمة الأوقاف هم شيوخ الحكومة، وأنهم لا يقولون إلا ما تمليه عليهم الحكومة، وهم فى ذلك ناجحون لبراعتهم فى الكذب، فإذا أضفنا إلى ذلك أن الإمام يقرأ من ورقة مكتوبة مفروضة عليه، ويجلس تحته من يراقبه ويفرض عليه عقاباً شديداً إذا فكر لحظة أن يشرح أو يفسر أو يضيف شيئاً بعيداً عن النص المكتوب أمامه! فإنه بعد ذلك لو أتى بعلم الأولين والآخرين فى مواجهة الأفكار المتشددة لما اقتنع به أحد؛ لأن الثقة قد انعدمت فيه لدى وزارته قبل أن تنعدم فيه لدى الشباب، وعموماً فإن المتشددين لن يلتزموا بخطبة مكتوبة؛ لأنه لا توجد آلية للتنفيذ، وبالتالى سيصيرون هم موضع الثقة عند الشباب باعتبار أنهم الأجرأ من غيرهم على مخالفة قرار كهذا، والحل هو إعادة تكوين الإمام، ولهذا شرح يطول.
نقلا عن الوطن
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com