والدة ميار ذات السابعة عشرة ربيعا من مدينة السويس، تدعى أن سبب وفاة ابنتها وفلذة كبدها هبوط حاد فى الدورة الدموية والتنفسية نتيجة نزيف شديد من عملية الزائدة الدودية، والحقيقة أن سبب النزيف الذى أدى إلى وفاتها كان من الجرح القطعى العميق الذى سببته عملية الختان، الطبيبة التى أجرت عملية الختان وطبيب التخدير والأم متهمون بالقتل الخطأ لطفلة بريئة. ميار لم تقتلها أمها أو الطبيبة لكن قتلها فتاوى الجهل والجهلاء الذين يخلطون بين عادة سائدة فى أوانها، قدرها أن تتوارى وتتلاشى مع الزمن، وبين رأى دنيوى للنبى لا يرتقى لمستوى التنزيل الإلهى، حديث منحول وضعيف المتن والسند حاصرونا به وكأنه حكم من عند الله، ولو كان من عند الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا، أقله إضافة ختان الصبية إلى الحديث. يقول البخارى إن الرسول مر على امرأة تختن (أى امرأة تختن بنتا) فقال لها «اخفضى ولاتنهكى»، لم يكن يقصد الرسول برأيه هذا تشريعا منزلا أو أمرا إلهيا، لكنه كان يدعو وينصح من تختتن بالحرص والرفق بالمختونة «لاتنهكى» (يطلق الختان للرجال، والخفض للنساء ولم يكن الرسول قاصدا الخفض أى زيادة الجزء المبتور) وكان المقصود (اختنى ولا تزيدى). الحكاية تشعرنا أن بنات العرب كانت تختتن فى الشوارع جهارا نهارا يصورها الغادى والرائح كاشفة عن ساقيها دون حياء أو خجل أو ستر، والعربى الحمش ناظر بناته لمن يريد أن يشاهد ختانها. كانت عادة العرب قديما الاختتان وهى من الجاهلية وورثها العرب عن العبرانيين، ويقال عن الديانة الصابئية ومركزها مصر القديمة وهى ديانة النبى إدريس، وانتقلت إلى العراق ومنها إلى الجزيرة العربية، وهو نوع من العبادة الدموية، والتى كان يقدمها الناس للأرباب، وكانت جزءا من العبادات كقطع جزء من الجسد، أو إسالة الدم قربانا إلى الله، والذى وصل الأمر فيه إلى التضحية بالولد، تماما كما كان العرب يمارسون عادة قص الشعر بعد الطواف حول الكعبة والذى كان شعيرة أديان مكة كلها لمن يطوفون بالبيت، وأبقى عليها الإسلام كما أبقى على كثير من مظاهر الحياة المدنية، فأبقى على عدة المرأة، والتطهر من الجنابة، والخطبة، وملك اليمين، وأبقى على الرق على أنه ضرورة اقتصادية، ولم يبق عليها تشريعا بل اعترافا بالعادة السائدة وقتها، فإذا وجد الناس لها ضررا، أو ليس لهم بها حاجة أقلعوا عنها، وإلا وجب على المسلمين العودة لملك اليمين، والعودة أيضا إلى الاسترقاق والاستعباد رغما عن القوانين الدولية، كما يحاولون العودة إلى ختان البنات رغما عن مخالفتها لقواعد الصحة العامة.
قضية أخرى حول عصمة النبى، يرى فريق من المسلمين أن أقوال النبى أحكام لا تقبل المناقشة، وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى علمه شديد القوى، وقرآن يتلى بل مقدم على القرآن يكمله إن نقص وينسخه إذا اكتمل، فهذا الإمام الأشعرى إمام أهل السنة والجماعة يقول (إن السنة تنسخ القرآن وتقضى عليه، وأن القرآن لا ينسخ السنة ولا يقضى عليها) والإمام الأوزاعى يقول (إن القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن)، فإذا كان الأمر كذلك فهو يتناقض مع حديث النبى عن ردوا أحاديثى للقرآن (إذا جاءكم الحديث عنى فأعرضوه على كتاب الله) يقول البيهقى هذا حديث باطل فليس فى القرآن دلالة على عرض الحديث عليه. وقالوا: ليس هذا الحديث من النبى ووضعه عنه الزنادقة. أما الفريق الآخر فالعصمة فى أقوال النبى فيما يخص الوحى فقط من الله وماعدا ذلك فهو كسائر البشر يخطئ ويصيب، ورأى يؤخذ به إذا كان صائبا ويترك إذا كان غير ذلك (ذهب أكثر الحنابلة وأصحاب الحديث والجبائى والمعتزلة إلى جواز ذلك). وحكاية تبوير البلح دليل على هذا (مرَّ الرسول على قوم يؤبرون النخل فقال ما هذا؟ فقالوا: بهذا تصلح يا رسول الله فقال: لو لم تفعلوا لصلحت فلم يؤبروها فجاءت شيصاً غير صالحة فلما رآها بعد ذلك قال (ما بال هذا التمر هكذا؟ قالوا: يا رسول الله قلت لنا كذا وكذا فقال صلى الله عليه وسلم: أنتم أعلم بشؤون دنياكم). الحضارات القديمة أيضا كانت تمارس عادات وممارسات عمرية وتسمى (أحقية التخطى) the right of passage.
فعند تخطى الطفل مرحلة الطفولة إلى الرجولة عند الفراعنة يسبقها طقوس الختان له، ومنها انتقلت إلى أفريقيا وتمسكت بها القبائل التى دخلت الإسلام والتى لم تدخل، كل هذه الرسومات موجودة على البرديات فى المتحف المصرى. فى الأمازون عند بلوغ الطفل يدخلون من فمه عصا عبر البلعوم إلى المعدة، حتى يرجع الطفل كل ما فى أمعائه، وكأنه قد تخطى مرحلة الطفولة وطردها من جوفه إلى مرحلة الشباب والصبا. قبيلة تشايرى فى نيو جينى فى أفريقيا الأطفال عند التخطى، يشوهون جلودهم بالدبابيس حتى يتشابه سطح الجلد مع سطح جلد التمساح وهو كناية عن التخطى إلى مرحلة البلوغ والقوة.
قولوا عن الختان ما تقولونه، وصفوه كما يحلو لكم، وأحبوه أو اكرهوه، وامنعوه أو أجيزوه، لكن إياكم أن تقولوا إنه من الإسلام، لقد وجد قبل الإسلام بآلاف السنين عند العبرانيبن والصابئين والفراعنة وكل بلاد الله، عادة حملتها الأجيال عبر السنين تتخلص منها إذا كانت فيها ضرر أو تتركها إذا كان فيها مصلحة، لكن لا تلبسوها لباس التنزيل أبدا..
نقلا عن المصري اليوم
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com